منتديات دفاتر التربوية التعليمية المغربية

ـــ ااي! قدمي... قدمي!
ـــ انسة! ماذا اصابك؟
ـــ قدمي تؤلمني، لا اعلم ما بها.
ـــ هات يدك. هيا انهضي! اوصلك الى المستشفى؟
ـــ ساؤخرك عن مشاغلك.
ـــ لا عليك. امسكي بيدي!
امسكت بيده الناعمة الدافئة، فشعرت بحرارة بدات تسري في اوصالها؛ رغبت لو تعانقه بشدة و تصرخ عاليا في وجهه بكلمة واحدة: " احبك" !
بينما هما في الطريق لاستئجار سيارة فطن الشاب الى ان الفتاة كفت عن الصراخ و التاوه بل و بدت مرتاحة؛

ـــ اراك تبتسمين! وكأن قدمك لم تعد تؤلمك.
ـــ لا... نعم... ذهب الالم الى حاله!
ضحك الفتى لهذا الجواب ثم استدرك:
ـــ على ما يبدو المستشفى لم يعد ضروريا.
ـــ )متضايقة( صحيح، مع الاسف!
ـــ )ضاحكا( مع الاسف!!! حقا امرك غريب!

نظر الشاب لساعته اليدوية ثم صوب نظره الى احد المحلات؛ كان مطعما متواضعا على مقربة منهما ببضعة امتار:
ـــ لست جائعة؟
ـــ قليلا.
ـــ ما رايك بهذا المطعم؟ قديم و بسيط جدا لكني اعشق ما يقدم فيه من اطباق. ما رايك؟
ـــ حسنا. اوافق بسرور !
تبعت نرجس الفتى و هو متوجه الى اقصى ركن في المطعم؛ هناك وضعت مائدة و كرسيين اثنين، ازاح الشاب اللبق الكرشي قليلا و اومأ لها بالجلوس ثم اشار على النادل بالمجيء؛
ـــ مرحبا ! طلباتك سيدي.
ـــ ماذا تختارين يا...
ـــ نرجس ! اسمي نرجس.
ـــ طيب. ماذا تختارين للغذاء يا انسة نرجس؟
ـــ سمك... مشوي.
ـــ ممتاز! يبدو اننا متفقان كثيرا. انها اكلتي المفضلة! وجبة سمك لشخصين من فضلك!
ـــ حاضر سيدي! استاذنكما.

جعلت نرجس تحدق في ارجاء المحل؛ الجدران متآكلة تخترقها الشقوق في كل الاتجاهات و رائحة ما ليست بالغريبة عنها تفوح من هذا الركن؛ نظرت الى تحت فابصرت ثقبا صغيرا اسفل الجدار.
ـــ ذوقك غريب، ما الذي يعجبك في هذا المطعم؟
ـــ اتردد عليه كثيرا، لي ذكريات خاصة مع هذا المطعم، لذا احبه كثيرا خصوصا هذا الركن؛ مكان هادئ و بعيد عن جلبة الزبائن.
ـــ )في مكر( وكذا عن اعينهم!
ـــ )متضايقا(اجل، لكن انا لا يضايقني بتاتا ان ينظر الي احدهم. بالمناسبة يا نرجس، ارى انك غير مهتمة بمعرفة اسمي!
ـــ بلى! فقط نسيت ! ما اسمك قل لي!
ـــ وحيد.
ـــ تشرفنا يا وحيد!
ـــ تعلمين؟ انت جميلة جدا!
اهتزت نرجس لهذا الاطراء كعصفور بلله المطر، ثم افتر فمها عن ابتسامة عذبة و لزمت الصمت؛ انها لا تصدق ما اسمعها وحيد! لقد قال :"جميلة جدا"هذه بشرى خير لا شك. يبدو ان الاقدار تسارع بتعويضها عن ما عانته مدة ليست بالهينة! من يصدق ان هذه الفتاة الوديعة كانت فيما مضى حيوانا اليفا ينعم بعناية اسرة من الاسر!؟
انتابتها رغبة في البكاء من الغبطة العارمة التي لم يعد يسع قلبها الصغير تحملها؛
ـــ ماذا بك؟ اغرورقت عيناك!
ـــ لا. فقط شيء ما علق بعيني، اين هو الحمام؟
ـــ من هنا . ستتاخرين؟
ـــ نعم! بعض الشيء.

لم تعد نرجس قادرة على ضبط مشاعرها و كبح رغبتها في البكاء، فارتأت الذهاب للحمام لتخفي دمعتها عن الادمي الذي فضلته على القطط. وجدت باب الحمام مقفلا، حاولت فتحه دون جدوى فرجعت في الحين.

بينما هي عائدة، فوجئت بوحيد جالسا على الارض في وضع غريب مريب! اثار المشهد فضولها فقررت ان تتوقف و تختبئ لاستراق النظر لما سيحدث حتى النهاية.
بقي وحيد على هذا الوضع مدة و عيناه النجلاوتان مسمرتان على الثقب الموجود اسفل الجدار و كانه يتربص بشيء . بعد برهة خرج من الثقب فأر ، فانقض السيد على الحيوان الصغير و التهمه في لمح البصر ثم عاد مسرعا الى مقعده و كأن شيئا لم يكن.
تفحصته نرجس بنظرات مبهمة وهي تمسح دموعها بكفيها؛ ابتسمت ابتسامة غامضة و انصرفت في هدوء من الباب الخلفي للمطعم في غفلة من القط وحيد.

.