منتديات دفاتر التربوية التعليمية المغربية

منتديات دفاتر التربوية التعليمية المغربية (https://www.dafatir.net/vb/index.php)
-   القصص والروايات (https://www.dafatir.net/vb/forumdisplay.php?f=75)
-   -   كــــــســـــال مــحــتــرم-علاقة رجل التعليم بكسال حمام الحي- (https://www.dafatir.net/vb/showthread.php?t=32592)

نورالدين شكردة 19-10-2008 22:30

كــــــســـــال مــحــتــرم-علاقة رجل التعليم بكسال حمام الحي-
 
كــــــســـــال مــحــتــرم



سألني يوما : ما حرفة أبيك ؟
- أجبته بسرعة : كــســـــــــــال
- ماذا ؟ أ
- أردفت بصوت أعلى : كـســـــال !
كان قد طرح نفس السؤال على كل تلاميذ القسم تقريبا ، و كان يحمل بيده لائحة أسمائنا
يدون عليها بقلم الرصاص مهن آبائنا ، إلا أنه لم يدون مهنة أبي ، و إنما رأيته يضع علامة ترقيم في الخانة المقابلة لإسمي .
عاد إلى مكتبه وبدأ ينادي على أسمائنا دون التزام بترتيبنا المتسلسل على اللائحة و كان
يستقبل التفاتة هذا بابتسامة عريضة ، وذاك بتعليق ظريف ، و آخر بتسـاؤل عن مكـان عمل أبـيه و رابع عن مقر سكناه ، و خامس عن اسم والده و لقب شهرته . و ... عن ... و ... تحولت طاولات القسم إلى مربعات رقعة شطرنج ، يحرك معلمنا بيادقها بحسب هواه و هوى البيادق القيمة . فيؤخر الجنود إلى الخانات المتأخرة و يقدم الملوك و الأمراء و الجياد الأصيلة إلى الصفوف المتقدمة ، ليصبح و يمسي بوجوههم البهية ، و ليكتسب صداقتهم و محبتهم ، و لينسج خيوط أحاديث و دية تتناوله بالامتنان و الشكر من وراء جدران مباني مكيفة .
استمرت المهن في الانتقال من طاولة لأخرى . و معها كانت أسماء التلاميذ تتراقص في مخيلة وذاكرة معلمنا ، فيستقر بعضها في المادة الرمادية لدماغه ، و يتلاشى منها البعض الآخر إلى أجل غير مسمى ...
مرت نصف مدة الحصة اليومية و المهن لا زالت تتطاير في السماء و معلمنا يستمتع بحصته المثيرة ، فيضع ابن المقاول في إطار خاص ، و يرسـم عـن ابن التاجـر تصورا معينا ، و يحكم عن ابن بائع النعناع بالتهميش و ابن المياوم باللامبالاة ... استمر على حالته تلك إلى أن وقف على اسـمي مـرة ثانـية و عـلى تـلك العلامة التي نسي سـبب وضعها ، تأملـني مـرة ثانيـة و سألني مستفسرا : قلت لي ماذا يمتهن أبوك " أ الجيلالي ؟" أجبته : كسال يا أستاذ ، كسال ...
رمقني بنظـرة بدت لي عـاريـة، نعـم عاريـة ، إذ لـم أتـوضح منـها لا رداء الاسـتخفاف و لا قميص التهكم و لا تبان الشفقة . لكنني تأكدت أنني أصبته بحنين قوي لجو الحمام و طقوس الحمام و إيهامات الحمام .
و كان واضحا من لون معلمنا ، أنه حرم من نعم الحمام لفترات طويلة من عمره .
كسرت شرود معلمي و أتممت : و مرشح جماعي لدائرتنا هذه .
رأيت نظرة معلمي ترتدي كل ملابسها و تكتسي كل حدتها و بريقها ، و رأيته " يطير " على قلمه الحبري ليدون في الخانة المقابلة لاسمي و فوق تلك العلامة المجهولة مهنة أبي الثانوية . ومن يومها فقط . عرفت لماذا نظم أبى خلال حملته الانتخابية ، أسبوع الأيام المفتوحة لحمام حينا تحت شعار " من أجل تنوير لضمائر السكان حك و غسل و تدليك بالمجان " شعار جعلني أحب البيادق لمعلمي و جعل معلمي أقرب الأصدقاء لأبى .

أبو العلاء 25-10-2008 23:46

موضوع متير و مشوق و رائع بارك الله فيك.

maestro 26-10-2008 18:12

مشاركة متميزة. شكرا لك.

the teacher 27-10-2008 17:43

جميلة جدا و معبرة..شكرا جزيلا..

argabi72 28-10-2008 18:22

بارك الله فيك


الساعة الآن 23:06

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات دفاتر © 1434- 2012 جميع المشاركات والمواضيع في منتدى دفاتر لا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة المنتدى بل تمثل وجهة نظر كاتبها