كــــــســـــال مــحــتــرم-علاقة رجل التعليم بكسال حمام الحي-
كــــــســـــال مــحــتــرم
سألني يوما : ما حرفة أبيك ؟ - أجبته بسرعة : كــســـــــــــال - ماذا ؟ أ - أردفت بصوت أعلى : كـســـــال ! كان قد طرح نفس السؤال على كل تلاميذ القسم تقريبا ، و كان يحمل بيده لائحة أسمائنا يدون عليها بقلم الرصاص مهن آبائنا ، إلا أنه لم يدون مهنة أبي ، و إنما رأيته يضع علامة ترقيم في الخانة المقابلة لإسمي . عاد إلى مكتبه وبدأ ينادي على أسمائنا دون التزام بترتيبنا المتسلسل على اللائحة و كان يستقبل التفاتة هذا بابتسامة عريضة ، وذاك بتعليق ظريف ، و آخر بتسـاؤل عن مكـان عمل أبـيه و رابع عن مقر سكناه ، و خامس عن اسم والده و لقب شهرته . و ... عن ... و ... تحولت طاولات القسم إلى مربعات رقعة شطرنج ، يحرك معلمنا بيادقها بحسب هواه و هوى البيادق القيمة . فيؤخر الجنود إلى الخانات المتأخرة و يقدم الملوك و الأمراء و الجياد الأصيلة إلى الصفوف المتقدمة ، ليصبح و يمسي بوجوههم البهية ، و ليكتسب صداقتهم و محبتهم ، و لينسج خيوط أحاديث و دية تتناوله بالامتنان و الشكر من وراء جدران مباني مكيفة . استمرت المهن في الانتقال من طاولة لأخرى . و معها كانت أسماء التلاميذ تتراقص في مخيلة وذاكرة معلمنا ، فيستقر بعضها في المادة الرمادية لدماغه ، و يتلاشى منها البعض الآخر إلى أجل غير مسمى ... مرت نصف مدة الحصة اليومية و المهن لا زالت تتطاير في السماء و معلمنا يستمتع بحصته المثيرة ، فيضع ابن المقاول في إطار خاص ، و يرسـم عـن ابن التاجـر تصورا معينا ، و يحكم عن ابن بائع النعناع بالتهميش و ابن المياوم باللامبالاة ... استمر على حالته تلك إلى أن وقف على اسـمي مـرة ثانـية و عـلى تـلك العلامة التي نسي سـبب وضعها ، تأملـني مـرة ثانيـة و سألني مستفسرا : قلت لي ماذا يمتهن أبوك " أ الجيلالي ؟" أجبته : كسال يا أستاذ ، كسال ... رمقني بنظـرة بدت لي عـاريـة، نعـم عاريـة ، إذ لـم أتـوضح منـها لا رداء الاسـتخفاف و لا قميص التهكم و لا تبان الشفقة . لكنني تأكدت أنني أصبته بحنين قوي لجو الحمام و طقوس الحمام و إيهامات الحمام . و كان واضحا من لون معلمنا ، أنه حرم من نعم الحمام لفترات طويلة من عمره . كسرت شرود معلمي و أتممت : و مرشح جماعي لدائرتنا هذه . رأيت نظرة معلمي ترتدي كل ملابسها و تكتسي كل حدتها و بريقها ، و رأيته " يطير " على قلمه الحبري ليدون في الخانة المقابلة لاسمي و فوق تلك العلامة المجهولة مهنة أبي الثانوية . ومن يومها فقط . عرفت لماذا نظم أبى خلال حملته الانتخابية ، أسبوع الأيام المفتوحة لحمام حينا تحت شعار " من أجل تنوير لضمائر السكان حك و غسل و تدليك بالمجان " شعار جعلني أحب البيادق لمعلمي و جعل معلمي أقرب الأصدقاء لأبى . |
موضوع متير و مشوق و رائع بارك الله فيك.
|
مشاركة متميزة. شكرا لك.
|
جميلة جدا و معبرة..شكرا جزيلا..
|
بارك الله فيك
|
الساعة الآن 23:06 |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات دفاتر © 1434- 2012 جميع المشاركات والمواضيع في منتدى دفاتر لا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة المنتدى بل تمثل وجهة نظر كاتبها