منتديات دفاتر التربوية التعليمية المغربية - عرض مشاركة واحدة - حول العقاب البدني
عرض مشاركة واحدة

التربوية
:: مراقبة عامة ::


تاريخ التسجيل: 11 - 1 - 2008
المشاركات: 10,765

التربوية غير متواجد حالياً

نشاط [ التربوية ]
معدل تقييم المستوى: 1293
افتراضي
قديم 18-03-2008, 13:54 المشاركة 5   

منقول


العقاب البدني عنف أم تربية؟ أحمد إسماعيل*

2004-12-02
"العقاب البدني" من أكثر أساليب التربية شيوعاً في مجتمعات المسلمين .. بل هو قديم معروف منذ عهد الجاهليـة، حيث أصبح جزءاً من الموروث الشعبي.. فمن المخزون في الذاكرة المجتمعية؛ قول الوالد للمعلم حين يرسلا ابنه إلي المدرسة (لكم اللحم ولنا العظم ) .. وفي الأمثال الشعبية قولهم ؛ ( العصا لمن عصا من الجنة ) وقولهم : ( العلم يرفعهم و الضرب ينفعهم)..
وقد كثر الحديث في الآونة الأخيرة حول العقاب الجسدي بالنسبة للأطفال في أوساط كثيرة، التربويون من جانب، والإختصاصيون النفسيون، من ناحية .. كما دخل المهتمون بقضايا الحقوق ـ حقوق الإنسان، حقوق المرأة، حقوق الطفل ـ أيضاً في الموضوع .
فالطرف الأول والثاني ينظران إلي الموضوع من زاوية الآثار التربوية والنفسية المتعلقة باستخدام هذا النمط من وسائل التربية سلباً وإيجاباً، وينقسمون فيها إلي فريقين ـ مع، وضد ـ .. أما الطرف الأخير فيدول القضية ويعولمها في إطار قضية كبرى يعنونها تحت مسمى( العنف) .. كعنوان فرعي ضمن عناوين فرعية كثيرة في هذا المجلد؛ العنف السلطوي ـ العنف السياسي ـ العنف الطلابي ـ العنف الأسري ـ العنف الجنسي ـ العنف ضد المرأة ـ العنف ضد الطفل، ثم يتخذ منها ـ مع بقية الحزمة ـ وسيلة للضغط علي الحكومات لسن القوانين والتشريعات المتعلقة بإيقاف هذه الظاهرة .!! .. ففي كثيرمن دول الغرب ـ كإسبانيا مثلاً ـ يحظر القانون ضرب الآباء لأبنائهم !!.
تأديب الأبناء في الوسط العائلي:


مفهوم( العقاب) نفسه ـ كوسيلة للردع التربوي والتأديب ـ أصبح ينحصر عند كثير من الآباء والأمهات في (الضرب ) أو (الجلد) وحده ..حتي هذا الأخير يمارس في كثير من الأحيان بطريقة خاطئة لها عواقبها التربوية السيئة
تشير بعض الدراسات والأبحاث في هذا الجانب إلي أن (8) من كل (10) آباء يؤمنون بأسلوب (الصفع) !!. وأن نصفهم تقريباً ، يمارسون هذا الإعتقاد مرة على الأقل أسبوعياً.
وفي بحث الدكتور مصطفي عاشور ـ جامعة الملك فهد للبترول ـ المنشور بمجلة الطفولة العربية/ العدد السادس عشر ـ سبتمبر 2003م . . أظهرت نتيجة دراسة قام بإجرائها علي عينة من طالبات الجامعات السعودية، أن الأطفال في الفئة العمرية الممتدة بين (16ـــــ 12)، أكثر عرضةً للعقاب الجسدي من غيرهم .. وأن البنت يقل عقابها جسدياً في الوسط الأسري كلما كبرت .. وتأخذ الدراسة (السعودية) كمثال وتعممه على بقية المجتمعات في المنطقة ، لتقول أن عملية ممارسة العقاب الجسدي في هذه الفترة، شيئ طبيعي في مختلف الثقافات لكون هذه السن هي سن دخول المدرسة وبدء التمييز بين الأمور، وسن حرص الوالدين على تعليم الطفل الإنضباط والتقيُّد بآداب وسلوكيات العائلة والتعامل مع الجيران والأقران في المدرسة وغيرها
.
العقاب المدرسي:
في جميع المراحل التعليمية، يعتبر أسلوب الضرب ـ في الغالب الأعم ـ وسيلة أساسية للتعلّم، وهو ما يسميه التربويون (أسلوب التلقين) فالعصا أو السوط، تعتبر من الأدوات الأساسية التي تصاحب المعلم مع الكتاب والطبشورة !!.وكل ما كانت الواجبات المدرسية من النوع الذي لا يتطلب جهداًعقلياً، بل إهتماماً وحفظاً تكون العقوبة ألصق .. ويعتقد كثير من الناس أن المعلم الذي لا يستخدم العصا ضعيف الشخصية !!.. كما يعتقدون أن المدارس التي لايسمح فيها بالضرب يميل التلاميذ فيها للتسيب و عدم الجدية في تعاملهم مع زملائهم ومعلميهم .
وهكذا يصاحب السوط الطفل في سن التعلّم في كل حركة في حياته، في المنزل والمدرسة.

العقاب الجسدي بين المعارضة والتأييد

الممارسون للتربية سواء كانوا من المعلمين أو الآباء وغيرهم، تنقسم آراؤهم حول جدوى العقاب الجسدي التربوية والتعليمية بين مؤيّد ومعارض؛ ويلخص الأستاذ محمد عطية طافش ـ في الكفايات الأساسية للمعلم الناجح ـ هذه الآراء فيقول: "فالمؤيدون يرون:
ــ أن التربية إعداد للحياة، وأن الحياة التي نعد الطفل لها يمارس فيها الضرب كوسيلة من وسائل التوجيه نحو الاستقامة..
ــ أن الضرب يمارس في جيمع بلدان العالم ولم تسطع القوانين أو التعليمات أن تستأصل شأفته .. فهو وسيلة سهلة لضبط التلاميذ تريح المعلم وتكفل له تحقيق النظام بأيسر وأقصر وسيلة .
ـــ أن معظم العظماء تعرضوا في حياتهم المدرسية للضرب ولم يؤثر ذلك في الحد من طموحاتهم .
أما المعارضون فيرون :ــ
ــ أن العقاب البدني يشكل خطراً جسيماً علي شخصية الطفل خصوصاً إذا حصل أمام الزملاء.
ــ أن العقاب البدني يوجد هوة واسعة بين التلميذ ومعلمه الأمر الذي يقلل من استفادته منه ويتسبب في كراهية الطفل للعملية التعليمية .
ــ أن الضرب يفقد أثره حين يعتاد عليه الطفل .

أضرار العقاب البدني علي شخصية الطفل:
مما لا شك فيه أن الممارسة الخاطئة للعقاب البدني تخلف آثاراً نفسية سيئة علي شخصية الطفل .. وعلي نموه الجسدي والصحي والجنسي .. هذا مايؤكده علماء النفس والتربية، وما تذكره الدراسات العلمية .. حيث تؤكد الأبحاث و التجارب أن الأذية التي تنجم عن المعاملة تؤدي إلي توقف التطور الجنسي وبقائه في المستويات الدنيا للشهوة الحيوانية، وأحياناً أخري يتدني إلي مستوي أقل نضوجاً، ينحرف فيه الشخص المساء إليه ويصبح ضحية لإضطرابات نفسية وشذوذات سلوكية..
ويري علماء النفس أن ( الضرب ) يمثل للطفل دروساً في أن العنف هو الوسيلة المثلى لتصحيح السلوك، فتتولدعنده رغبة لممارسة عنفه علي الآخرين .. وترسّخ في اللاوعي عنده توقاً إلي ممارسة ذات الأسلوب على أبناءه في المستقبل. يقول (زابلا) : ( إذا أُبقي الأولاد في نفس البيوت التي تعرضوا فيها إلي معاملة سيئة متكررة، فإنهم غالباَ ما يتطبعون بالنموذج السلوكي الذي تعرضوا له )

العقاب البدني من وجهة نظر شرعية:
أقرت الشريعة المطهرة استعمال العقاب البدني كوسيلة للتربية من حيث المبدأ. فمما لا شك فيه أيضاً أن ترك العقاب بالكلية يحدث إشكالية أكثر خطورة .. حيث ينشأ الطفل مدللاً، وهذه في حد ذاتها إشكالية تعتبر مصدراً لكثير من الإنحرافات السلوكية والتشوهات النفسية!!.
والعقاب وسيلة من الوسائل المساعدة علي السيطرة على الأبناء . غير أن التوجيه يبقى هو الأساس في العملية التربوية .. (مروا أبناءكم بالصلاة لسبع وأضربوهم عليها لعشر )ــ مسند الأمام أحمد، رقم الحديث (6927) ــ فالتوقيت بسبع وعشر لأن هذه هي السن التي يعتبر فيها الطفل مميزاً . أمّا ما قبلها فإن الضرب لا يكون مجدياً، بل إن أضراره النفسية تكون أكبر بكثير، حيث تشكل إنطباعات الطفولة وأخيلتها في تلك المرحلة والتي تمثل عناصر أساسية في تشكيل شخصية الطفل.
أما بعد سن التمييز فتكون لدى الطفل القدرة على إدراك الخطأ وتحمل نتائجه .. لهذا تصح عقود الطفل المميّز ــ مع توقف إجرائها على إجازة الولي ــ وعند أهل الحديث، يصح من الطفل المميّز ( التحمل ) ــ وهوتلقي وحفظ الأحاديث ــ وإن كان الأداء ـــ أي روايتها ــ لا يقبل منه إلا بعد البلوغ .

كيف نعاقب أبناءنا؟؟
هناك ممارسات خاطئة جداً لدى الآباء تتعلق بهذا الشأن .. فمن أكبر الأخطاء، مايفعله كثير من الآباء من إيقاع الضرب العنيف بالأبناء ــ بما لا يتناسب مع الجرم المقترف ـــ بل وأحياناً حتى من غير شرح وتبيين للابن أن ما ارتكبه جرم يستحق العقاب، فقد لا يكون الطفل مدركاً للخطأ في ما يفعل.
وحين يصبح استخدام العنف عادة في التربية، فإن النتائج حتماً ستكون عكسية .. فإمّا أن تؤدي إلي اعتياد الابن لهذه العقوبة، وبالتالي لا تشكل رادعاً له، ولا تولد قناعة بالإقلاع عمّا ارتكب، وقد يدفعه العناد إلي التكرار وعدم الاكتراث !!. وإما أن تؤدي إلي اضطراب في شخصيته وتخلف في باطنه و خوفاً دائماً من اتخاذ أي قرار. .. فهو يخاف دائماً أن تأتي العقوبة وراء الفعل الذي يقدم عليه.
بعض الآباء يضرب أبناءه وهو في حالة من الغضب، فيندفع لسانه بسيل من عبارات الإهانة والاستخفاف والسباب، وربما صفع الطفل على وجهه.. وهذا خطأ لأن أكثر التشوهات النفسية يكون سببها تلقي الإهانة في وقت الطفولة.. فالعقاب النفسي أشد إيلاماً من العقاب الجسدي ــ كما بيّنت الدراسة التي أجراها د. مصطفى عاشور ــ وقد نهى النبي صلي الله عليه وسلم عن ضرب الوجه، فهو موضع التكريم من الإنسان.
ومن الأخطاء الشائعة كذلك ما تفعله بعض الأمهات؛ حيث تهدد ابنها بأن أباه سيعاقبه عندما يعود.. وهذا يجعل الأب شرطيا ــ في نظر الطفل ــ مهمته العقاب، لا صديقاً حميما.
إن التربية عملية ذهنية في المقام الأول، الغرض منها تعديل سلوك الأبناء، فكيف يتعاطى معها الآباء وهم في حالة من عدم التوازن والغياب العقلي كتلك التي ينشؤها الغضب؟؟.. إن العملية التربوية تقتضي أن ينظر المربي في الفعل الخطأ وفي التصرف المناسب الذي يجب أن يقوم به لتعديله، فلكل فعل ظرفه، ومن غير المنطقي أن يكون لجميع الأخطاء علاج واحد، هوالضرب.