من حسن حظي هذا الصباح أني لا أدرس، و من أني سأبقى وحيدا بالغرفة ولن يزعجني أحد، لكن علي أن أطهو الغذاء، وهذا من سوء حظي: اثنتان لك وواحدة عليك.
وضعت الطاجين على النار وعدت لأتكأ وحيدا في الغرفة. و كما يحلو لي أن أفعل حينما لا يكون في جيبي سنتيم واحد أمارس إحدى هواياتي المفضلة: أحلام اليقظة. أتخيل المهنة التي أحبها و الموقف الذي أحبه و الفتاة التي أتمناها.. أعيش عالما آخر... كما أتمناه...عالم كما تراه، على حد قول وصلة اشهارية التي ربما لاحظت أن كل المغاربة يحلمون ليلا و نهارا، فبادرت إلى دعوتهم لأحلام جماعية، لغرض في نفس يعقوب.
حلمت أن الأربع سنوات قد مرت بسرعة وطواها الزمن، نلت الإجازة ولم أحصل على وظيفة طبعا، لأني سأجد صعوبة في أن أحلم العكس حتى لو استنجدت ببائع أحلام.
بدأت أحلم و عيناي مفتوحتين. رسمت نفسي وقد بدأت أبتعد عن أنياب البطالة رفقة بعض الأصدقاء. تخيلت أني أوصلت شركتي إلى القمة و المنافسة على المستوى العالمي. شركتي تصنع أحذية بلاستيكية. إنها تلك الأحذية التي لبسناها جميعا و تتذكرونها بكل تأكيد. أحذية الفقراء الخضراء. طورناها لتصبح حذاء لجميع الطبقات الاجتماعية بعد أن أضفنا عليها بعض اللمسات و التغييرات التي ستمكنها من القيام بهذا التسلق الطبقي دون أن تنسى أو تسيء إلى أصلها، لقد جعلنا التصميم الخارجي يكون أكثر جاذبية و مستوحى من تصاميم السيارات الأيروديناميكية، كما أنتجناها بألوان مختلفة جذابة كتلك التي نشاهدها لدى بعض أصناف الحشرات و الطيور. وضعنا على جنباتها نوافذا للتهوية ووضعنا عليها شعارنا.
لقي منتوجنا قبولا واسعا زاد منه بساطته و ذكاء طاقم شركتي المكون من عاطلين لم يكن يعرفهم أحد في السابق باستثناء المقدم و بعض المرشحين الذين كانوا يلتجؤون إلينا خلال حملاتهم الانتخابية.
كانت مشاركتنا بأحد المعارض اليابانية خلال الشهر المنصرم فرصة للاحتكاك بشركات أخرى. حاولنا أن يكون حذاؤنا مميزا عن الأحذية المشاركة، وراعينا فيه ذوق المواطن الياباني بأدق التفاصيل، فنحن لم ننس أن الأرجل اليابانية أصغر من نظيرتها المغربية بكثير، لذا صممنا أحذية لا يتجاوز مقاسها 38 بسلم "مغربيتش"، وهذه النقطة كانت لصالحنا بحيث اقتصدنا في مخزون البلاستيك الذي نتوفر عليه، مما جعل أسعارنا تكون جد منافسة.
هذه ليست شركتنا الوحيدة، فقبل سنة تمكننا من صنع أول سيارة مغربية مائة بالمائة بفضل طلبة باحثين من مختلف التخصصات. كانت مفاجأة للعالم أن تخطو دولة من دول العالم الثالث خطوة عملاقة كهاته، وأن تتمكن من اكتساح الأسواق الأفريقية، ففهموا أن العولمة يمكنها أن تكون خطيرة في كلا الاتجاهين. كنا نصنع في طفولتنا سيارات من علب السردين بإطارات من أغطية القنينات، ثم تطورنا بعد أن بدأت سواعدنا تتقوى قليلا، حيث بدأنا نبني سيارات في حجمنا بواسطة الحجارة. الحجارة لم تكن دائما تطاوعنا ولم تكن دائما مطيعة، فقد كانت تنهار أحيانا فتصيب أناملنا. هذه الأعمال التطبيقية توقفت في شبابنا، فقد قالوا لنا أن المختبرات غير مجهزة، فتوقفنا عن اللعب و بدأنا نملأ الدفاتر بدروس طويلة مملة. أجهضوا أحلامنا و لم يتركونا نلعب و نخترع، وها أنا اليوم أحلم نهارا أحلاما أكبر من رأس الوزير أعرفها مستحيلة و بعيدة المنال، لكني بقيت أحلم، وسأظل كذلك. في ذاك اليوم بقيت أحلم، وأحلم. في ذاك اليوم بالذات أحسست أن كل المشاريع التي تمنيتها ستتحقق، وأن الأمر مسألة وقت لا غير. لكني أحسست أن هذا الوقت قصير...قصير جدا، فقد بدأت أشم رائحة النجاح. أشمها بقوة، و كأنها تنتظرني أمام البيت...أشمها أكثر الآن... رائحة النجاح تقترب مني أكثر فأكثر وتداعب حواسي... شممت النجاح وهو يدخل البيت، تجاوز المرحاض، ثم المطبخ، دخل غرفتي دون استئذان، فتعانقنا بقوة. رائحته ليست غريبة عني، آه يا إلهي، تلزمني نظارات على الأنف أيضا، فقد احترق الطاجين، ويبدو أن حاسة شمكم ضعيفة جدا !!