مي عباس
نسبة لا يستهان بها من الأمهات تعتبر أن ابنتها مسؤولة عن تعويضها عن سنوات تعب.. نظفت فيها وطبخت وقامت بشؤون المنزل، فما أن يرزقها الله بابنة أو أكثر، حتى تبدأ في تحميلهن أعباءًا منزلية عديدة، وهي في كل هذا تتعلل بأمور كثيرة – بعضها صحيح- مثل أنها تدرب ابنتها على أن تكون زوجة وتتحمل مسؤولية بيتها في المستقبل، ومنها أن الأعباء كثيرة وعلى ابنتها أن تساعدها.
ابنة كخادمة
وليس بغريب أبدا أن نجد الأم ترهق ابنتها كل يوم بقائمة طويلة من الأعمال المنزلية، ومنها خدمة أخيها والذي قد يصغرها سنًّا.. ولا تتحمل هذه النوعية من الأمهات أن تجد ابنتها تستمتع بوقتها، أو تمارس هواية أو عملا خاصا مثل القراءة أو الجلوس على الإنترنت، أو حتى التزاور مع الصديقات.
تكبر البنت ولديها شعور جارف بالسخط، وقد تعترض بعضهن في خضم حنقها على أنها أنثى، فالأنوثة ارتبطت لديها بأن تنحصر همومها في أعمال المنزل التي لا تنتهي.
ومن النادر أن نجد مثل هذه الأم تثني على ابنتها خيرا، أو تشكرها وتُشعرها بسعادتها بها على هذه المساعدة، بل تلتقط أصغر خطأ، وتضخم أدنى تقصير منها.
وكثيرا ما تُحمِّل تربية المولود الجديد على الأخت الكبرى، فالأم تنجب والابنة تربي.. وتظن الأم بهذا أو تبرر لنفسها بأن ابنتها ستكون زوجة جيدة وأما مدربة، ولا تدرك أنها لم تربها على تحمل المسؤولية، وإنما خلقت بداخلها شعورا قويا بالكراهية لأعمال المنزل.
تدليل حتى الملل
وعلى الناحية الأخرى نجد أمهات يسرفن في تدليل بناتهن، فتكبر الفتاة وهي لم تشارك يوما في إدارة المنزل، ويطرق الخُطاب بابها وهي لا تعرف طريقة عمل أسهل الأطعمة، ولم تشغل نفسها يوما بمهارات الادخار والشراء، ولا حتى بتنظيف غرفتها.
وتظن الأم أنها بهذا تُسعد ابنتها، وتتيح لها الفرصة للاستمتاع بأيامها قبل تحمل المسؤولية، ولا تدرك أنها تحرم ابنتها من شعور جميل بالمشاركة في البيت، ومن فرصة ذهبية للتدرب على الطهي وإدارة البيت تحت رعاية أمها.
كثيرا ما تشعر هذه الفتاة المدللة وكأن أمها تغار على المنزل منها! وكأنها لا تطيق أن يشاركها أحد في التميز في المطبخ أو التنسيق حتى ولو كانت ابنتها.. وغالبا ستشعر هذه الفتاة بعد الزواج بأن أمها حرمتها الكثير بإبعادها وعزلها عن إدارة المنزل، وفنون الطهي.
أشعريها بذاتها
وفي كلتا الحالتين.. ورغم تضاد الطريقتين إلا أن المحصلة واحدة، فالفتاة لا تشعر بقيمتها في البيت، فهي إما مسخرة للخدمة بإرهاق، تتلقى الأوامر من أمها التي تقرر وتحدد وتأمر وتنهى.. وهي مجرد منفذ، وإما مدللة حتى السأم، وكأنها عاجزة أو تافهة.
المشاركة بحب
الأم المُحبة الواعية تغرس لدى أولادها منذ نعومة أظافرهم الإحساس بالمسؤولية، والرغبة في التعاون، فهي تُشعرهم بسعادتها ورضاها عندما يهتمون بنظافة وترتيب وحسن إدارة البيت، وتثني عليهم إذا ساعدوها، وتفتخر بأعمالهم، وتقدر ما يصنعونه، فترتبط لديهم المشاركة المنزلية بتحقيق الذات.
الأم المُحبة الواعية تُدخل ابنتها معها المطبخ منذ الصغر، وتوكل إليها أعمالا تناسب سنها، تشعر البنت من خلال أدائها أنها ات قيمة، وأنها ماهرة وتُحسن صنعا.. فهي لا تتعامل مع ابنتها كخادمة تسمع الأمر وتطيع.. وإنما كصديقة صغيرة تساعدها.
الأم المُحبة الواعية لا تحرم ابنتها من حقها كطفلة في اللعب، أو حقها كفتاة في المرح وممارسة الهوايات، أو حقها كإنسانة في إدارة وقتها، ولكنها في الوقت نفسه تربيها على المشاركة وعدم الأنانية.
الأم المُحبة الواعية لا تُعفي أبناءها الذكور من المشاركة في أعمال المنزل، بل تعلمهم مهارات مختلفة، فلا يكبر الولد عاجزا – كما هو منتشر- عن صنع كوب من الشاي، أو ترتيب حجرته.. بل تربيه على الإحساس بالمسؤولية، والرفق بأمه وأخواته البنات، والتواضع والمشاركة.
الأم المُحبة الواعية تدرك أن وجود الخادمة لا يُغني أبدًا عن تعويد الأبناء والبنات على عادات النظافة والنظام والتعاون وحسن الإدارة وتعلم المهارات