لماذا يتعمد المسؤولون على قطاع التربية التظاهر بعدم فهم استقلالية التفتيش ؟
لماذا يتعمد المسؤولون على قطاع التربية التظاهر بعدم فهم استقلالية التفتيش ؟
2013-04-26
</SPAN>
وجدة: محمد شركي/ وجدة البوابة: وجدة في 26 أبريل 2013، مرة أخرى حاول وزير التربية الوطنية الحالي خلال لقائه بأطر التفتيش بالجهة الشرقية التظاهر بعدم فهم مطلب استقلالية التفتيش على طريقته التي يخلط فيها الجد بالهزل من أجل تمرير ما يريد تمريره. فإذا كانت كاتبة الدولة السابقة في لقاء لها بنيابة جرادة مع المفتشين عبرت بطريقتها عن عدم فهم دلالة استقلالية التفتيش ، فإن الوزير الحالي ذهب بعيدا في التظاهر بعدم فهمه حيث قال للمفتشين : “هل تريدون الاستقلال عن الوطن ؟ ” وهو تساؤل يتضمن اتهاما صريحا بتهمة الانفصال ، وهذا أسلوب مبتذل من أجل الالتفاف على مطلب رئيس لهيئة التفتيش. فعوض أن يفهم المسؤولون في قطاع التربية الاستقلالية الوظيفية لجهاز التفتيش على ضوء مفهوم فصل السلط كما هو الشأن في فصل القضاء عن التشريع وعن التنفيذ ، يتظاهرون بعدم فهم الفصل بين التدبير والتفتيش في القطاع . ويرغبون في مصادرة استقلال التفتيش عن التدبير من خلال تعمد جعل التفتيش تحت وصاية جهات مسؤولة عن التدبير ، وهو تدبير لا بد أن يخضع لمراقبة التفتيش. فحال من يريدون وضع جهاز التفتيش تحت وصاية المسؤولين عن التدبير كشأن من يريدون وضع السلطة القضائية تحت السلطة التنفيذية ، وهي ثقافة الأنظمة المتخلفة والشمولية . وإذا ما عدنا إلى مرتكزات إصلاح النظام التربوي في المغرب وعلى رأسه الميثاق الوطني للتربية والتكوين نجد جهاز التفتيش قد اعتبر حجر الزاوية في عملية الإصلاح باعتبار دوره الاستراتيجي داخل المنظومة التربوية لأنه يضمن حراستها وهو صمام أمانها من خلال التقويم المستمر لتدبيرها بغرض تحسينه. وتطرح استقلالية جهاز التفتيش مع مفهوم اللامركزية واللاتمركز، وهما خيار استراتيجي للدولة لا يمكن تغيبهما كما تريد وزارة التربية الحالية التي تعتمد المركزية بشكل فاضح من خلال الرجوع بالبلاد إلى فترة حكم سنوات الرصاص ،علما بأن الحكومة الحالية جاءت بناء على طلب الشارع المغربي المطالب بتكريس اللامركزية واللاتمركز. والتنكر لاستقلالية جهاز التفتيش هو تنكر لآليات التواصل مركزيا وجهويا وإقليميا كما ينص على ذلك ميثاق إصلاح المنظومة التربوية. والميثاق الوطني عندما وضع تصورا لإصلاح المنظومة التربوية حدد وظيفة جهاز التفتيش انطلاقا من الرصيد المتراكم لأدبيات التفتيش المتعارف عليها دوليا ، وعلى ضوئها حدد هيكلة وتنظيما للتفتيش يقوم على أساس احترام الاستقلالية الوظيفية والمقاربة التشاركية التي تلتزم اللامركزية واللاتمركز من خلال تشجيع المبادرات والاقتراحات التي تجعل كل مكونات التفتيش منخرطة إجرائيا في حراسة المنظومة التربوية من خلال تنوع مجالات التدخل والافتحاص في إطار من الشفافية بغرض الرفع من جودة التربية . وعلى ضوء هذا التصور جاءت هيكلة وتنظيم جهاز التفتيش كما صرحت بذلك الوثيقة الإطار والمذكرات السائرة في فلكها ، والتي ركزت على توفير شروط عمل جهاز التفتيش من أجل تمكينه من ممارسة دوره ووظيفته الرئيسة . وما حدث لجهاز التفتيش هو نفس ما حدث للميثاق الوطني في عشريته الفاشلة حيث كان سبب فشله هو غياب الأجرأة ، لهذا جاءت الرباعية الاستعجالية لتتدارك خلل الأجرأة إلا أنها زادت في طين الخلل بللا ، وهو ما جعل الوزارة الحالية تجهز عليها لسببين : الأول هو ظروف التقشف المفروض على البلاد بسبب سنوات فساد التدبير الطويلة التي أفضت إلى الإفلاس ، والثاني هو عبث العابثين بالأرصدة التي كانت مخصصة لتفعيل الميثاق الوطني للتربية والتكوين في فترة الرباعية الاستعجالية. وهيكلة التفتيش وتنظيمه حسب الوثيقة الإطار التي يؤطرها الميثاق الوطني والبرنامج الاستعجالي لم تعرف الأجرأة حيث تلكأت الوزارة في توفير شروط ممارسة جهاز التفتيش فلم تعد له مقراته إقليميا وجهويا ومركزيا ، كما أنها لم تفعل مهمامه واختصاصاته ، وظلت الهوة سحيقة بين واقع التفتيش ، ومقتضيات الوثيقة الإطار لتنظيمه . وعوض التفكير في أجرأة وتفعيل هذه المقتضيات لجأت الوزارة الحالية إلى التفكير في شكل جديد من الهيكلة والتنظيم يدخل ضمن سياسة إجهازها على سلبيات المخطط الاستعجالي الذي حكمت عليه بالفشل بسببها . وهكذا ذهب جهاز التفتيش ضحية تصفية الوزارة الحساب مع تماسيح وعفاريت المخطط الاستعجالي الذي نهبوا المال العام وأخلي سبيلهم بالقولة المشهورة : ” عفا الله عما سلف ” مع أن الله عز وجل لا يبلى عنده بر ، ولا ينسى عنده ذنب . فعوض أن يحاسب هؤلاء التماسيح والعفاريت ويطالبون بإرجاع المال العام المنهوب من أجل أن يعاد صرفه على مشروع إصلاح المنظومة التربوية من جديد ، صارت الوزارة ومن ورائها الحكومة تعد الرأي العام لقبول الأمر الواقع وهو التقشف لأن الشعار هو” عفا الله عما سلف ” ، وأن المحاسبة ستبدأ من جديد ، ولن تشمل ما سلف . وإذا كانت الوزارة الوصية على التربية اليوم تريد إعادة هيكلة التفتيش ، فلا بد لها أولا أن تقنع هذا الجهاز بأسباب ذلك ، علما بأن إعادة هيكلة أي جهاز لا تكون إلا إذا وجد ما يبرر ذلك من خلل أو نقص أو انحراف . والإقناع بضرورة إعادة هيكلة جهاز التفتيش يقتضي التواصل بين الوزارة الوصية من جهة وجهازالتفتيش من جهة أخرى . والتواصل عبارة عن تبادل لوجهات النظر من أجل ضبط نقط الالتقاء ونقط الاختلاف بين الجهتين المتواصلتين للفصل فيها بقوة الحجة والبرهان ، وهو ما لم تنهجه الوزارة عندما حاولت الاختلاء بشرذمة من المفتشين الوصوليين والانتهازيين يركبون جهاز نقابة المفتشين وطبخ هيكلة معهم لتنزيلها إلى القواعد عبر لقاءات الوزارة معهم في الجهات من أجل إعطاء الانطباع بإشراكهم في الطبخة وهو إشراك صوري ليس غير. ومن أساليب محاولة التفاف الوزارة الحالية على جهاز التفتيش سياسة ضرب ترسانة النصوص التشريعية والتنظيمية المنظمة لعمله عرض الحائط من أجل خلق فراغ تشريعي وتنظيمي يسهل تمرير الهيكلة المطبوخة التي تصادر من جهاز التفتيش استقلاليته الوظيفية ، ومهامه وأدواره وعلى رأسها المراقبة والافتحاص واللذين لن يكونان دون تقويم ومحاسبة ذات معايير كمية وكيفية . فحديث الوزير الحالي عن إسقاط أو إلغاء نقطة التفتيش بناء على طلب جهات ممتعضة منها هو محاولة مكشوفة من أجل إفراغ التقويم والمحاسبة من دلالتهما، علما بأن الوزير يسوق لسياسة المحاسبة جريا على سياسة الحكومة الحالية التي تفلت التماسيح والعفاريت ،وتستعرض العضلات على الجرذان والفراش . ومحاولة وضع جهاز التفتيش تحت تصرف الأجهزة المكلفة بالتدبير بشكل من الأشكال يعد إجهازا واضحا على هذا الجهاز الذي وضع خصيصا لحماية المنظومة التربوية خصوصا من سوء التدبير. ولا يمكن أن يكشف جهاز التفتيش عن سوء التدبير المهدد للمنظومة التربوية إذا كانت الأجهزة المسؤولة عن التدبير وصية عليه ، لهذا لا مندوحة للوزارة من الاعتراف والإقرار باستقلالية التفتيش ليقوم بواجبه على الوجه الأكمل . ولن ينفع الوزارة الحالية أسلوب تمييع مفهوم استقلالية التفتيش من خلال إعطائه مفهوم الانفصالية القدحي كما جاء على لسان الوزير الحالي الذي يزعم أنه لا يفهم كثيرا عندما يفحم بقوة الحجة والدليل .