قالوا في الفقيد :
"عرفته بسيطا بعفوية، دمثا، معتدلا في كل شيء، نصف» مديني»، نصف»عروبي»غير لجوج ولا مماحك، قريب إلى تصديق كل ما يقال له وحوله، مقتصد في مصروفه،لأنه يعول دائما على نفسه، ولم يتوقف يوما عن بناء هذه النفس بطرق شتى كانت الكتابة، والعمل الدؤوب، والكسب الحلال أقواها، وبذا فإن أهم خصلة في الراحل طبعت حياته كلها وميزت شخصيته هي عصاميته.(....)
يأتي هذا الرحيل الجديد لقاص وإنسان فريد في كلماته وشيمه ليذكرنا بأن الأدب، والقص تحديدا لعبة جدية، وأن الحياة ُتبنى ساعة ساعة بالإيمان والإخلاص والوفاء، كما تستمر بالمثابرة والمحبة، لعمري كلها اجتمعت فيك يا البشير، فأبشر".
أحمد المديني
« وما يهلكنا إلا الدهر» هذه المقولة القرآنية تنطبق على أجسادنا المترهلة بفعل عامل الزمن المقيت وتعيدنا إلى نقطة اللاعودة. بالأمس كنا واليوم أصبحنا في خبر كان.. بالأمس كان الجوماري وزفزاف والمجاطي وعبد الله راجع والخمار، واليوم .. شجرة سلالتنا الآخذة في الانقراض.. وعند ما رأيت صورته(البشير جمكار)، في إحدى الجرائد اليومية، وهو يتسلم جائزة القصة القصيرة من صلاح الدين بصير، اللاعب الدولي السابق ابن الدرب البارّ، تذكرته. هنا سنوات الستنيات والسبعينيات من القرن الماضي .(....)
كان البشير( حينئذ) شابا يافعا ذا سمرة قمحية ولكنة بدوية أصيلة نابعة من تربة أولاد سعيد بالشاوية. كريما، مضيافا، حريصا على قراءة «العلم» وكذلك «التحرير» (....)
... من مكتبتي بزنقة فوريز، كان البشير يقتات الروايات والمجاميع القصصية. كذلك من عند الجوماري مجلة «الآداب» البيروتية و «المجلة» القاهرية و «مجلة شعر» ليوسف الخال (....)
البشير جمكار ذاكرة درب غلف، وليس بعضهم وحده من يحتكر هذه الذاكرة. لقد نبتنا من عدم، بخلاف شي وحدين! وعندما تلفن إلي مولاي أحمد المديني،(....) بوفاة جمكار، أصبت بهزة عنيفة . (فقد) اكتشتف أن جزءا من جسدي ومن ذاكرتي قد توفي بغياب جمكار. وداعا..
إدريس الخوري
"أحزنني خبر وفاة القاص الأصيل، قرين العزلة، دائم الابتسام، المتمسك بجذوره، أحزنني أن يمر رحيله بسيطا مثل مقامه، هو الذي ترك خلفه عددا من المجاميع القصصية، وعددا من الأعمدة الصحافية، والكثير من المحبة والتقدير في قلبي. لقد كتبتُ عن تجربته منذ "غيوم الصباح" المنخرطة في الأجواء السبعينية، حتى "سرير الأحزان"...
محمد معتصم
"...لم تكن كتاباته طالعة من أبراج ثقافية (لا من الذهب ولا من العاج أو الحجر)، بل منبثقة مثل نبع مفاجئ في دَغَل الناس الطيبين الذين ينتمي إليهم.. بل طالعة كالدبابير المزعجة من وكر سياسي مصنوع بالدم والأوحال والخيانات (....)
كان دائما، كحصان ثابت في الركض، رغم أن ثلاثة رماح مغروسة في خاصرته. كان فعلا ذلك الطفل الذي نام بطريقة دائمة على «سرير أحزان» (مجموعة قصصية صدرت عن مؤسسة «بنميد» في العام 1995).. فعل ذلك لأنه لم يكن قصير النظر، وكان يدرك أن لغته مشتعلة دائماً بقارئ تلسعه كلماتها كألسنة النيران(....)
وكان رحمه الله في كل كتاباته، التي نشرها في صحف ومجلات مغربية وعربية، حزينا إلى آخر الدمع.. عاشقا إلى حدود الشراسة.. باحثا عن الحرية التي لا تهددها أقفاص صائدي المكافآت.
رحم الله البشير.. رحم الله كاتبا أراد لنفسه أن يكون عازفاً منفردا وطائرا يحلق خارج السرب..."
سعيد منتسب