خصت المادة الرابعة من الجزء الأول من النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية ( مرسوم رقم : 2.02.854 صادر في 8 ذي الحجة 1423 الموافق ل 10 فبراير 2003 ) ، والمتعلقة بهيأة التأطير والمراقبة التربوية ، المفتشين التربويين للتعليم الابتدائـي بعدة أدوار يقومون بها ، منها : التأطير والإشراف والمراقبــة التربوية لأساتذة التعليــم الابتدائي بمؤسسات التعليم العمومي وللمكلفين بمهام التدريس والإدارة بمؤسسات التعليم الأولي والابتدائي الخصوصية . كما يساهمون – انطلاقا من نفس المادة - في البحث التربوي مع الهيئات المختصة وفي إعداد البرامج والمناهج... وهي أدوار ومهام جسيمة ، تساهم - في حال القيام بها على الوجه الأكمل – في تطوير كفايات المدرسين المهنية ، والارتقاء بالقدرات التدبيرية لمديري المؤسسات التعليمية الابتدائية ، تتفيذا للسياسة التعليمية للوزارة وتحقيقا للأهداف المتوخاة من منظومة التربية والتكوين . الشيء الذي يتطلب منهم الانخراط الإيجابي والوازن في سيرورة تفعيل سياسة الوزارة التعليمية وأجرأة مراميها وأهدافها لتحقيق رهان الجودة .
وبالنسبة لوزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي ، فقد لاحظ الجميع في الآونة الأخيرة الجهود الكبيرة التي تبذلها ، والاعتمادات الهائلة المرصودة لإخراج منظومة التربية والتكوين من الأزمات التي تتخبط فيها، بدافع رغبة قوية وفعلية في تغيير واقع حال منظومة التربية والتكوين المأزوم ، والتزام قاطع بإعطاء نفس جديد للإصلاح ، من خلال المخطط الاستعجالي . هذا البرنامج الذي يروم - ضمن ما يهدف إليه – النهوض بالعملية التربوية على جميع المستويات وبشروطها مع العناية بالموارد البشرية والتكوينات المستمرة ، وإعطاء الأسبقية للعالم القروي والبوادي ، لكونها تشكل موطن أهم الاختلالات من حيث مؤشرات التمدرس ونتائجه المخيبة للآمال .
لكن ، موازاة مع الجهود المبذولة على صعيد الوزارة ، هل ينخرط السادة مفتشو التعليم الابتدائي بنيابة الناظور التابعة للأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بالجهة الشرقية في هذا الورش الإصلاحي الكبير ، وهل تندرج أنشطتهم ضمن منطق الوزارة وتوجهاتها الرامية إلى الإصلاح والتغيير ؟ وهل يلمس أستاذ التعليم الابتدائي جدوى فعالية أدوار المفتش ؟
للإجابة عن هذه التساؤلات تجدر الإشارة إلى المعطيات التالية لما لها من دور أساسي يفيد في فهم طبيعة أنشطتهم وتأثيرها على العملية التربوية :
1 إن نيابة الناظور من بين أكبر النيابات الإقليمية بالمغرب إذ تضم أكثر من مائتي مجموعة مدرسية موزعة على مجال جغرافي كبير يشمل مناطق الناظور المدينة ، أزغنغن ، سلوان ، العروي ، زايو ، رأس الماء ، ادريوش ، ابن طيب ، دار الكبداني ـ ميضار ، تمسمان ...
2 أن عدد مفتشي التعليم الابتدائي التابعين للنيابة يفوق الأربعين ، لكن المفارقة العجيبة التي تستعصي على الفهم ، أن تسعين بالمائة منهم يقطنون إما بمدينة وجدة ( 140 كلم عن الناظور ) أو بمدينة بركان ( 80 كلم عن الناظور) ، والقلة القليلة منهم يقطنون بمدينة الناظور ونواحيها .
فكيف يمكن لمفتش أن ينتقل باستمرار إلى المجموعات المدرسية المتواجدة بالبوادي والقرى النائية من أجل القيام بمهام التأطير والإشراف والمراقبة وهو يقطن في وجدة أو بركان ، وكيف يمكن لأستاذ التعليم الابتدائي أن يستفيد من خبرة المفتش – هذا إن وجدت أصلا – ومن دوره في الإشراف والتأطير والمراقبة والإرشاد والتوجيه وهو يترقب زيارته من أجل الاستفادة من خبرته دون أن يتأتى له ذلك ؟ علما أن هذه الزيارات إلى المؤسسات التعليمية تكاد تكون منعدمة لأسباب يعلمها المفتش قبل غيره .
وعندما يرغب أستاذ للتعليم الابتدائي في الحصول على نقطة التفتيش من أجل الانتقال أو الترقي ، فما عليه سوى أن يلبي طلبات المفتش من مثل تأدية ثمن البنزين ، أو إجراء التفتيش بالمقهى بدل القسم ... ، هذه الظواهر التي اختفت منذ عقدين من الزمن بدأت تعود من جديد .
3 إن الحضور التربوي لمفتشي التعليم الابتدائي شبه منعدم ، فهم لا يقومون في الغالب الأعم بزيارات للمجموعات المدرسية ، عدا بعض الاستثناءات القليلة ، متذرعين بالبعد وعدم وضع سيارات النيابة رهن إشارتهم ، وقد امتد هذا السبات العميق لسنوات ، إذ نجد عددا كبيرا من الأساتذة لم يخضعوا للتفتيش منذ ست أو سبع سنوات ، وأن الزيارات القليلة للمجموعات المدرسية تقتضيها الضرورة القصوى مثل الكفاءة التربوية المقيدة بشروط وضوابط لا محيد عنها ، بل إن المتهاونين من الأساتذة يعتبرون عدم حضور المفتش خيرا من حضوره . هذا الوضع غير الطبيعي أفرز واقعا يبعث على القرف : لقد انصرف العديد من مفتشي التعليم الابتدائي التابعين لنيابة الناظور عن مهام التأطير والإشراف والمراقبة إلى المضاربة في العقار أو السيارات أو مزاولة بعض الأنشطة التجارية الأخرى : بيع الدجاج ... أما التأطير وعقد اللقاءات التربوية وتنظيم الدروس التجريبية وإنجاز البحوث التربوية ونشرها ، فآخر ما يمكن أن يفكر به المفتش بنيابة الناظور ، وهذا لا ينفي أن البعض وهم قلة قليلة معدودون على رأس الأصابع يبذلون مجهودات محمودة ، لا يظهر لها أثر بين هذا الركام من الجمود والتردي . ومن بين المؤشرات التي تؤكد ذلك :
* انعدام القيام بزيارات للمجموعات المدرسية وخصوصا بالعالم القروي الذي تستفحل فيه ظاهرة التغيب غير المبرر للأساتذة إلا في الحالات القصوى ؛
* إنجاز تقارير لزيارات وهمية ، وإجراء بعضها الآخر في المقاهي بمقابل .
* استنساخ تقارير سنوات خلت وتحيينها بتغيير التواريخ لتفي بالغرض .
* غياب الندوات واللقاءات التربوية والدروس التجريبية التي تستهدف تنمية كفايات المدرسين المهنية .
* انعدام البحث التربوي .
* التقصير في أداء الواجب عندما يتعلق الأمر بالمهام الواقعة ضمن الاختصاصات ،
* التهافت على تصحيح أوراق الامتحانات المهنية ،
* التهافت وشن نزاعات داخل جسم الهيأة وخارجها للظفر بغنيمة التكوين المستمر ، لما يدره من تعويضات وليس رغبة في تنمية الكفاءات ، علما أن الأساتذة المستفيدين من التكوين المستمر سبق لهم أن وقعوا عرائض احتجاجا على هزالة التكوين ، لأن المشرفين عليه يحتاجون قبل غيرهم للتكوين المستمر ، وفاقد الشيء لا يعطيه ، فأغلبهم لا يفقهون شيئا في المستجدات التربوية ، مثل المقاربة بالكفايات ومختلف البيداغوجيات الأخرى ، وكثير منهم لا يبحث ولا يعمل من أجل تنمية ذاته المهنية . وحتى لا يتكرر الاحتجاج على ضعف التكوين المستمر مرة أخرى ، فقد تفتقت عبقرية جهابذتهم على فكرة جهنمية تتمثل في توزيع الأساتذة بينهم كل حسب مقاطعته ، وهكذا ينعمون بالتعويضات ويتفادون الاحتجاجات ، ويستريحون بالتالي من وجع الرأس . كما أن التقارير التي ترفع للوزارة والتي تصف بأن كل شيء على ما يرام – وخصوصا حول التكوين المستمر - تنتفي فيها الموضوعية وتفتقر إلى المصداقية .
والنتيجة : عدم شعور أستاذ التعليم الابتدائي ومدير المدرسة الابتدائية بفعالية وجدوى دور مفتش التعليم الابتدائي ، وهدر للموارد المالية الكبيرة التي ترصدها الوزارة للتكوين المستمر، وسباحة ضد تيار الإصلاح والتغيير .
لكل ما تقدم فإن الوزارة والتي تنفق الكثير على القطاع من أجل الإصلاح والتغيير مدعوة إلى فتح هذا الورش الكبير لتصحيح اختلالاته ، لأن مشكل الإشراف والتأطير بالتعليم الابتدائي على الأقل بنيابة الناظور يمثل - بالشكل الذي هو عليه الآن - ثقبا أسود تذهب معه جهود الوزارة سدى .
كما تقتضي مصلحة التلاميذ والأساتذة والمديرين اتخاذ مجموعة من الإجراءات العاجلة والشجاعة درءا للمفاسد التي تشوب عملية التأطير والإشراف بالتعليم الابتدائي .