هل أجوبة الباكلوريا مطلقةٌ؟
أشرف سليم
نشر في هسبريس يوم 13 - 06 - 2013
نعيش في هذه الأيام على وقع أخبار تفيد بتسريبات أجوبة امتحانات الباكلوريا، فتجد صفحاتٍ على الفيسبوك تنبِئك بوجود شبكة متخصصة في اِنْتِسَالِ امتحانات الباكلوريا من أبراج الوزارة المشيدة، وتسريبها إلى العامة لإثبات حنكة معلوماتية، ولتحدي الوزير المُتَوَعِّدِ الغشاشين و الفوضويين الذين يريدون إفشال هذه الامتحانات الوطنية.وأيا يكن ، فإن هذا الأمر يجب أن يجابه، ليس فقط بالمقاربة الأمنية، و لكن أيضا بالمقاربة الفكرية التي توجه رسالة إلى المترشحين و المترشحات، كون أجوبة هذه الامتحانات ليست قرآنا منزلا ، وإنما هي اقتراحات على المصحح ، تكون نسبيةً ، و تحاول الإحاطةَ فقط بأسئلة الامتحانات ، لكن السذاجةَ عند أصحابنا أن أسئلة الامتحانات تحتمل أجوبةً توجد في أوراق صغيرة ملفوفةٍ في جيوبهم ، أو في بعض الأجهزة المتطورة عند بعضهم ، يتم انتشالُها من مراقدها كلما تم حدوثُ هفوة أو غفلة من المراقبين الجاثمين في قاعات الحراسة..
آن الأوان لإثبات نسبية العلم ، في التعليم المدرسي ، كما تم إثباته في التعليم العالي ، لك أن تستغرب بعضَ امتحانات التعليم العالي ، أو حتى بعضَ امتحانات موظفي الدولة المهنية ، تجد كماًّ هائلا من المُخْتَبَرِين و المختبَراتِ ، مقابل مراقبيْن بل مراقبٍ واحد في أحيان أخرى ، و ما يشوب ذلك من إخراج ما جادت به نفوس بعض المُختبَرين من مراجعَ و كتبٍ ، بيد أن النتيجة تكون نسبةَ نجاح لا تبلغ ربع عدد المُختبرين ، كون كلمة المصححين تجمع على ضَعف إجاباتهم ، و ركاكة أساليبها ، و بعدها الشديد عن الصواب ، حتى و إنِ اهْتدت بتلك الإجابات الجاهزة حسب ظن أصحابنا ، لكن المصحح الحاذق يحتاج إجابات تثبت أن المترشح لم يعشِ الدُّونية في الامتحانات بتوسله بأفكار جاهزة ، بل و مكتوبةٍ مسبقا ، و كان دوره سوى استنساخها ، لكنه يحتاج مُختَبَرًا يصول و يجول في الامتحان ، متحكماً في أدوات المادة ، قادراً على إصدار أحكام عليه ، متبثاً قدرة أسلوبيةً ، خاصة في العلوم الإنسانية ، و مهارةً على التحليل و الاستنتاج و المنطق ، خاصة في العلوم الدقيقة أو الحقة.
لذلك ، ليس غريبا أن نجد جحافلَ من خريجي هذه الامتحانات ، إما معطلين ، أو داخلين إلى سلم الوظيفة و قابعين في سلالمَ دنيا ، قابعين فيها ردحا من الزمن.
جهابذةُ علماء المغرب ، إذا أنيط بهم بحث علمي ، يرفضون السائر المتداول ، و يبغون الجديد ، و يغتبطون للأفكار الجديدة ، المحبوكة بدقة و إمعان نظر ، فليس غريبا أن تجد كثيرا من طلبة اليوم يندبون بعد دلوف النتائج إلى المَلَأِ ، لأن أساتذة الجامعات يمقتون السائر المتداولَ ، و يبحثون عن الجديد ، عن الإبداعِ و الخلقِ ، فبه تخرج خيرة علماء الدنيا ، و سطروا أسماءَهم بِأَمِدَّةٍ من ذهب ، و صارت أفكارهم تُتَدَارَسُ إلى اللحظة ، دون اجترارها ، و لكن تطويرها و إخصاب أفكارها ، و أطاريحها.
هذا ما يجب الوعي به من لدن أبنائنا و بناتنا ، وجب التحكم في أساسيات المادة المُختبَر فيها ، و من تم إطلاقُ العنان لإثبات ذاتية الممتحن ، و إثباتُ القدرة على التحليل و البرهنة و الاستنتاج ، خاصة أن طريقةً كهذه لن تَبْعُدَ عن الإجابات السديدة أولا ، ثانيا ، ستُخْصِبُ عقلاً سيتبلور في مرحلة التعليم العالي ، أما ما نراه حاليا من استنساخٍ مطلق للأجوبة ، أو العمل بالقاعدة المتداولة عند المتعلمين: بضاعتهم ردة إليهم ، فلن نجد إلا الأفكارَ الرتيبةَ و المملةَ ، و التي لن تلقى القَبول ، خاصة عند أساتذة الجامعات المتمكنين.
أستاذ مادة اللغة العربية