في ندوة بالمعهد الوطني للبحث الزراعي بالرباط
باحثون يرصدون مشاكل التأقلم مع التغيرات المناخية بالمغرب 21:48 | 09.06.2009
الرباط: محمد التفراوتي | المغربية
باتت قضية التغيرات المناخية أحد أبرز هموم البشرية المثيرة للقلق، وشغلت اهتمام الباحثين والخبراء والمنظمات الدولية المتخصصة.
المشاركون في الندوة بالمعهد الوطني للبحث الزراعي بالرباطفالنشاط البشري المتزايد، خاصة الصناعي وما ينجم عنه من الغازات الدفيئة من قبل دول محور الشمال، يؤثر بشكل مباشر على دول محور الجنوب.
وتعد القارة الإفريقية أهم المناطق المتضررة وتصنف شعوبها ضمن أكثر المتضررين من ملوثات الدول الصناعية العملاقة. وترزح تحت وطأة التبعات المناخية الكارثية، التي تنعكس سلبا على موارد المياه والأمن الغذائي والمنظومات البيئية، ما يستوجب تعزيز قدرات سكان الجبال والسهول والمناطق المهمشة، كبديل، من قبل برامج ومشاريع تنشد تعزيز البحث العلمي، لاستنباط حلول دقيقة تروم نحو تقليص هشاشة التجمعات السكنية المتضررة، والتكيف مع التغيرات المناخية، تفاديا للهجرة وتدهور المياه والتربة وتفاقم انعكاسات الاحتباس الحراري.
وعلى هامش اجتماع المجلس الاستشاري لبرنامج التغيرات المناخية بإفريقيا، نظم البرنامج، بتنسيق مع المعهد الوطني للبحث الزراعي، أخيرا بالرباط، ندوة علمية حول دور البحث التشاركي في تعزيز قدرات التأقلم مع التغيرات المناخية في المغرب، وقدمت من خلاله برامج البحث بالمغرب حول تنمية قدرات التأقلم مع التغيرات المناخية، في أفق تعزيز مبادرات الشراكات المحلية وخلق فضاء للحوار، وتشبيك رؤى موحدة حول دور وقيمة البحث التشاركي، كإطار لتنسيق مختلف الأطراف المعنية، من أجل اختبار استراتيجيات التأقلم المناسبة.
ويعد المغرب إحدى الدول الإفريقية المتضررة بالانعكاسات السلبية للتغيرات المناخية، أصبح لا مناص من نهج سياسات التأقلم محكمة التخطيط، لحماية السكان من عواقب الاحتباس الحراري، التي تطال الفلاحة والأمن الغذائي والمجال الساحلي والموارد المائية، وذلك بتكاثف جهود الأطراف المعنية، من أجل إيجاد استراتيجية تدعم الفلاحين والكسابين والصيادين.
واستعرض غاي جوبنس مهام وآفاق مجهودات تقوية التأقلم بشمال إفريقيا مع التغيرات المناخية، عبر استهداف المكونات الأكثر هشاشة في المجتمعات الإفريقية، ويشرف البرنامج على 25 مشروع بحث في القارة الإفريقية، يتغيا مواضيع متنوعة ويدمج مختلف البلدان الإفريقية، بما فيها المغرب بأربعة مشاريع، في إطار مبادرة برنامج البحث وتنمية القدرات المساندة من طرف المركز الدولي للأبحاث من أجل التنمية الكندي والقسم البريطاني للتنمية الدولية.
وساق جون لوبيل عن المركز الدولي للأبحاث من أجل التنمية مرامي وسياق مجال تدخل المركز، ليثمن مبارك ديوب، عن المجلس الاستشاري لبرنامج التغيرات المناخية بإفريقيا، تشكيلة المجلس المكون أغلب أعضائه من إفريقيا، فضلا عن كون البرنامج تبلور من أجل إفريقيا، ويستهدف شعوب القارة الإفريقية، قصد الرفع من قدرات التأقلم مع التغيرات المناخية.
وأوضح غوردن كونواي، في سياق مداخلته، أسس التأقلم مع التغيرات المناخية، من خلال التنويع لتقليص مجال المخاطرة، وأسهب في تعداد أنواع دقيقة من التأقلم، منها ما هو فيزيائي مادي وبيولوجي ومؤسساتي.
المشاركون في الندوة أثناء زيارتهم الميدانية لمشروع السد التلي إسغركيس بمنطقة آيت بهاوأكد المدير العام للمعهد الوطني للبحث الزراعي محمد بدراوي، وجوب استثمار المؤسسات في مجال البحث العلمي بالمغرب، حول التأقلم مع التغيرات المناخية، نظرا لوجود المغرب في منطقة تتأثر بشكل مباشر مع التغيرات المناخية، تفاديا للأزمة المرتقبة والهجرة إلى دول الشمال.
وفي السياق نفسه، أكد بدراوي دور البحث العلمي لبلورة برامج بحث عملية منبثقة من واقع القارة، ما يساهم في التكيف مع الإكراه المناخي، والرفع من قدرات سكان القارة الإفريقية، وكذا نقل التكنولوجيا لتحسين الغذاء ومحاربة الأمراض وتدبير الموارد المائية والمنظومة البيئية، بغية التقليل من عواقب تأثير التغيرات المناخية.
وأفاد الباحث عبد الواحد الشريع، عن مركز البحث الزراعي بسطات، في إطار تقديم مشروع استراتيجية التأقلم في مناطق السهول والجبال بالمغرب، ميكانزمات تأقلم التجمعات القروية مع التغيرات المناخية البيئية، وتعتمد أساسا على الفلاحة كمصدر للعيش، والأمن الغذائي.
ويعاني سكان المناطق القروية الفقيرة والمهمشة، بالمناطق الجافة والشبه الجافة، الجفاف الموسمي، حيث من المنتظر أن تعرف هذه المناطق تقلبات مناخية، قد تؤدي إلى استفحال الفقر وتقزيم الإنجازات الاقتصادية والاجتماعية، خلال العشرية الأخيرة.
ويهدف هذا المشروع إلى تقوية قدرات التأقلم لدى مجموعتين قرويتين تعانيان الفقر والهشاشة، بناء على تقييم للتجارب الماضية، ووقع التغيرات المناخية على الموارد الطبيعية والنظم الزراعية والسكان المحليين.
وستعمل مجموعة البحث، في السياق نفسه، على تحليل السلوك والتصرفات الخطيرة، من وجهة نظر مختلف السيناريوهات والاحتمالات المناخية.
كما يسعى فريق البحث إلى تقوية القدرات المحلية، من أجل تشخيص وتشكيل اختيارات تقنية مؤسساتية وسياسية ملائمة، وفق برنامج تواصلي.
ومن جهته، قدم الباحث عبد اللطيف الخطابي، عن المدرسة الوطنية الغابوية، سبل تمكين فاعلي تدبير الساحل المغربي من تنمية البرامج وسياسات التأقلم مع التغيرات المناخية.
ويسعى هذا البرنامج إلى تنمية القدرات والمساهمة في وضع سياسة واتخاذ القرار، من أجل تخطيط أفضل، لاستغلال الأراضي الساحلية، وتقليص هشاشة التجمعات السكنية الساحلية، الناتجة عن ارتفاع مستوى البحر والفيضان الساحلي والظواهر الجوية الخطيرة.
ويساهم هذا المشروع في تنمية مناهج تدعيم التهيئة والاستعداد للظواهر المناخية في المنظومة الإخبارية، التي تقود إلى سياسات الحماية العامة، وستمكن هذه النتائج من مخططات تدبير مندمج للسواحل في إقليمين نموذجيين بالمغرب. وتدعم تقييم وتطبيق إجراءات التأقلم في إطار جهوي، تبعا لأهداف سيجري متابعتها، من خلال تقييم الهشاشة والتفكير التشاركي في استراتيجية التأقلم مع التغيرات المناخية، وتحسين القدرات، عبر نقل التكنولوجيا وتحسين وتقوية المؤسسات.
وأفاد الباحث عبد الرحمن أيت الحاج، عن مركز البحث الزراعي بأكادير، أنه، انطلاقا من دراسة حول جدوى السدود التلية في المناطق الجبلية بالمغرب، وتأثيرها الإيجابي على الموارد المائية في المجال الحيوي والنظام الزراعي والصحة، اتضح بذلك، جليا، أهمية السدود التلية في الرفع من إمكانيات التأقلم مع التغيرات المناخية، خاصة الجفاف، وبالتالي جرت بلورة فكرة مشروع بحث لتطوير منهجية ترشيد السدود التلية كمساهمة حثيثة، لتطوير القدرات لمواجهة عواقب التغيرات المناخية.
ويعد المغرب من الدول الأكثر تأثرا على مستوى الخصاص المائي، ما يزيد من حدة هشاشة المغرب، خاصة الموارد المائية، وقد يؤثر ذلك سلبا على نموه الاقتصادي والاجتماعي، ويزيد من حدة تأثر المنظومة الصحية.
وتؤكد التوقعات المناخية بمختلف مناطق المغرب، ارتفاع حدة الجفاف، ما يزيد من حدة الخصاص المائي كما ونوعا، الأمر الذي سيعكس سلبا على الأمن الغذائي والصحي، وستطال الأزمة التجمعات السكنية، خاصة القروية.
وأشار آيت الحاج، إلى ضرورة إدماج اختصاصات متعددة والمشاركة مع مقاربة النوع، وكذا المساهمة في تحديد اختيارات تقنية ومؤسساتية وسياسية وتنظيمية ملائمة، من أجل تطوير، على المدى البعيد، المحددات الصحية والعيش الكريم وقدرات التأقلم لدى التجمعات القروية المستغلة للسدود التلية.
وتناول عميد كلية العلوم بجامعة الأخوين، الباحث أحمد لكروري، برنامج استعمال "تدبير الطلب" كاستراتيجية التأقلم مع الخصاص المائي والتغيرات المناخية في حوض سايس، من أجل التحكم في استغلال الماء، والمساهمة في استدامة الفرشة المائية، حيث يسعى هذا المشروع إلى تفحص مدى مساهمة "تدبير الطلب" في بناء قاعدة صلبة لتدبير مندمج للموارد المائية، وتقوية قدرات التأقلم مع التغيرات المناخية داخل حوض سايس، ذلك أن المشروع سيشتغل مع عدة شركاء ومتدخلين ومعنيين، مع التركيز على التجمعات السكنية الهشة والمهمشة في حوض سايس وسبو بشمال المغرب، مقابل تجربة الاستغلال المفرط للماء في مستويات غير مسبوقة وغير محتملة، نظرا لانخفاض مستوى الأمطار وارتفاع الطلب على الماء. والتقلص المستمر للكميات المائية، والعواقب الوخيمة المحتملة التي قد تؤدي إلى استنزاف كامل للفرشة المائية، خلال 25 سنة المقبلة.
وتخللت الندوة نقاشات مستفيضة، شارك فيها كذلك ممثلو الجمعيات والمؤسسات، أماطت اللثام عن مختلف الجوانب التقنية والنظرية والآفاق المستقبلية من رؤى وزوايا مختلفة، وأجمعت على ضرورة اتخاذ التدابير اللازمة كتقنيين وباحثين ومنظرين، للخروج من شرنقة الوضعية المهولة، التي تنتظر شعوب دول محور الجنوب.
كما قام المشاركون بزيارات ميدانية إلى مشروع السد التلي إسغركيس بمنطقة آيت بها، كنموذج لمشروع تأقلم سكان المنطقة مع التغيرات المناخية.