بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بظهر المهراز بفاس ندوة:الإبداع والترجمة والنقد الأدبي
دفاتر أخبار ومستجدات التربية الوطنية و التكوين المهنيهذا الركن بدفاتر dafatir خاص بالأخبار والمستجدات الوطنية المتعلقة بقطاع التربية الوطنية والتعليم المدرسي و التكوين المهني
نظم مشروع البحث النقدي ونظرية الترجمة بروتارس 3 بفضاء مدرج ابا حنيني بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بظهر المهراز بفاس، مؤخرا، ندوة وطنية في موضوع: "الإبداع والترجمة والنقد الأدبي تواصل حضاري" بمشاركة ماستر الكتابة ومهن الكتاب لمناقشة خمسة إصدارات.
واستهلت الجلسة الافتتاحية بكلمة عميد الكلية عبد الرحمان طنكول الذي شكر كل الفعاليات المشاركة، وبخاصة رئيس المشروع الدكتور حميد لحمداني، معتبرا أن موضوع الندوة يخدم الطلاب بالدرجة الأولى. أما كلمة رئيس شعبة اللغة العربية الدكتور عبد الرحيم الرحموني فقد انطلقت من عنوان الندوة لكونها تحمل بعدا حضاريا وثقافيا كبيرا، مشيرا إلى الدور الهام الذي تلعبه مثل هذه الندوات في تحقيق التواصل الحضاري وبناء علاقات على مستوى الكليات. وانصبت كلمة الدكتور محمد أوراغ على الروابط التي تجمع بين مشروع البحث النقدي ونظرية الترجمة وماستر الكتابة ومهن الكتاب بحكم التقاطع من حيث الأهداف والاهتمامات الكبرى، إذ يسعى هذا الأخير إلى ترسيخ ثقافة الكتاب في عالم يعرف تحولا في التقاليد والأعراف المتعلقة بإنتاج النص والمعلومة والولوج إليها والاستفادة منها، عن طريق التقدم السريع والهائل الذي يفرضه عالم المعلوميات وتكنولوجيات الاتصال الحديثة، بالرغم مما قد يثيره هذا التحول من تساؤلات أنطولوجية حول الكتابة والكتاب، حيث سيظل الحامل الورقي للمعرفة في اعتقاده الأسلوب المفضل للكتاب يقومون به في مواجهة عمل صناعي يراد له أن يكون شموليا. في حين ذكرت مداخلة مدير مشروع بروتارس الدكتور حميد لحمداني بأهداف المشروع ومراحله، مشيرا إلى سياق الندوة وأهدافها وآفاقها، كما ركز على الجانبين العلمي والتنظيمي، وثمن مجهودات كل الفاعلين من أجل إنجاح هذه الندوة من أطر إدارية وتربوية وطلبة، مجددا الشكر لرئاسة جامعة سيدي محمد بن عبد الله وعمادة كلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز وماستر الكتابة ومهن الكتاب والأساتذة المشاركين في الندوة والطلبة الباحثين.
الجلسة الأولى ترأسها الدكتور عبد العالي بوطيب مبديا سعادته بإصدارات الندوة التي جمعت مؤلفات لمؤلفين من خارج شعبة اللغة العربية، ليقدم الدكتور الأستاذ محمد مشبال مداخلة انصبت حول ترجمته لكتاب "صورة الآخر في الخيال الأدبي" لطوني موريسون، وسمها بـ"الخيال الأدبي والإيديولوجية العرقية"، متحدثا عن السياق الذي جاءت فيه ترجمة الكتاب، ونافيا أن تكون هذه الترجمة انسياقا وراء الموضة من الدراسات النقدية والثقافية اللاتينية، موضحا أهمية كتاب طوني موريسون الذي يقترح مقاربة أفلحت في أن تحقق التكامل المنشود في الدراسات الأدبية، والذي تجلى في الاستجابة لجوهر الأعمال الأدبية بوصفها مجالا يتلازم فيه التخييل والإيديولوجية. كما أبرز المترجم محمد مشبال موقف البيض من السود أثناء الكتابة ومكانة السود في المجتمع الأمريكي، مؤكدا في ذات الوقت على أن السود يمكن أن يدل على نقيضين عكس البياض فلا قيمة لديه، وبالتالي فإن تأثير الإيديولوجية العرقية في بناء الرواية يبرز تعاطي النقد الأدبي مع النصوص الأدبية بدأ يعرف صعود اتجاهات نقدية ونصية مخالفة أعادت إلى الواجهة النص بوصفه تجربة تاريخية. وفي معرض تحليل الدكتور عبد الرحيم مودن لكتاب "صورة الآخر في الخيال الأدبي" أكد قيمة هذا العمل الذي سيغني الخزانة المغربية، منطلقا من أطروحته المركزية التي تقوم على استقصاء خصيصة مركزية في الأدب الأمريكي، مجسدة في ما أسماه ب"الأفريقانية" africamisme، أي الحضور الأفريقي في الأدب الأمريكي. والكتاب بمقالاته الثلاث تحليل لهذا الحضور من خلال السرد الروائي حيث تلح الكاتبة على غياب أو تغييب هذه الخصيصة؛ لأسباب عديدة منها ما تعلق بنزعة الهيمنة البيضاء، وكذا ما يتعلق بالعمى النقدي، وفي الحالتين نتج عن ذلك نفي السُّود وعزلهم من الحياة الأدبية بالرغم من المفارقة الواضحة بين النصوص القانونية والدستور الأمريكي التي تعترف بالسود اجتماعيا وسياسيا أيضا، ولكنها لا تترد في تهميشهم إبداعيا، مما يشوش على "الخارطة الموضوعية" للأدب الأمريكي، والتي اقتصرت على البيض من دون السُّود، تبعا لذلك تطرح الكاتبة أسئلة مركزية: ما علاقة الأفريقانية بالخيال الأدبي؟ كيف اشتغلت هذه الأفريقانية داخل هذا الخيال؟ ألا تؤدي النظرة الدقيقة إلى السّواد الأدبي بها لضرورة إلى اكتشاف طبيعة "البياض الأدبي"؟ الجواب عن هذه الأسئلة جاء من خلال تفكيك النصوص البيضاء لكبار كتاب أمريكا(بُّو، همنجواي، هنري جيمس، مارك توس، ملفيل. وقدم الدكتور سعيد العمري كتابه "الرواية من منظور جمالية التلقي" منطلقا من طرح ظاهرة أدبية محيرة في تاريخ الدراسات الأدبية النقدية، هي استئثار عمل أدبي واحد باهتمام تيارات نقدية متعددة رغم تعارضها وتباينها. ووجد في رواية "أولاد حارتنا" لنجيب محفوظ نموذجا، كما وجد في نظرية جمالية التلقي عند "هانس روبيرت ياوس" منهجا قادرا على معالجة تلك الظاهرة وذلك بإعادة كتابة تاريخ" أولاد حارتنا" بدءا بالوقوف عند الطريقة التي فهمت بها من قبل القراء الأوائل مرورا بالقراء اللاحقين وصولا إلى تقديم قراءة خاصة به. والغاية من ذلك ربط الحاضر بالماضي، والاطلاع على التجارب القرائية السابقة للاستفادة منها والاحتكاك بها، والقراءة الخاصة تهدف إلى البرهنة على مدى قابلية الرواية للإجابة عن سؤال يخص الباحث أي عن تأويل خاص ينضاف إلى الفهم التاريخي، وخلص الباحث في النهاية إلى أن نظرية التلقي تدعو إلى التحلي بالمرونة في التحليل ونهج مقاربة تفاعلية تشاركية تقوم على تقاسم بناء المعنى بين النص والمتلقي. وكذا أن رواية "أولاد حارتنا" خيبت أفق انتظار جمهورها الأول لكنها أصبحت مألوفة بفضل القراء المتأخرين. في حين يظل منهج جمالية التلقي صورة حية للواقع الأوروبي المتميز بالديمقراطية والحريات العامة، ولذلك اعتمد النسبية في الطريقة التي يعالج بها الظاهرة الأدبية. أما الواقع المغربي مثلا؛ فالسنوات الأخيرة من التسعينيات باتت تربة خصبة لاستقبال منهج جمالية التلقي بفضل هامش الديمقراطية والحريات العامة. لينتهي إلى استحالة منهج جمالية التلقي في جوٍّ تسوده الديكتاتورية والظلامية. لأنه يعطي الحرية للناقد لتأويل النص؛ شرط أن تكون مقاربته تشاركية تستحضر الحدود التي يجوز إجراء التأويل فيها. أي الاحتكام إلى النص. أما مداخلة الدكتور محمد مساعدي فقد انصبت على تحليل كتاب "الرواية من منظور جمالية التلقي" لسعيد العمري، متطرقا إلى أهمية نظرية التلقي باعتبارها مشروعا يرتكز على أسس فلسفية متعددة المشارب، وعلى جهاز مفاهيمي متماسك، جعل منها إبدالا نظريا جديدا يعتمد على التفاعل والاعتراف بالدور الفعال للمتلقي في المساهمة في إنتاج المعنى، متحدثا عن ضرورة إثبات اشتغال مفاهيم جمالية التلقي من خلال حرص الدكتور سعيد لعمري على تتبع ردود أفعال القراء المتعاقبين على نص أولاد حارتنا لنجيب محفوظ، ثم بعد ذلك تقديمه لقراءته الخاصة التي وأجابت فيها الرواية عن سؤال التكامل بين العلم والقيم الإنسانية الروحية والعقدية للدين. في حين اعتبر الدكتور عبد النبي ذاكر إصداره الجديد "مدارات الترجمة" يدخل ضمن قضايا نظرية الترجمة ونقدها وممارستها، ويطمح من خلاله إلى مجاذبة بودلير، متوقفا عند المشاكل التي قد تعترض عملية العبور نحو الترجمة بخاصة عند ترجمة النص المقدس، والنصوص الإبداعية. ليناقش بعد ذلك الدكتور محمد القاسمي كتاب "مدارات الترجمة" لعبد النبي ذاكر، مبديا أهمية المشروع العلمي الذي انخرط فيه مشروع بروتارس3 بوصفه مشروعا سيثري الثقافة المغربية من جانبها الرصين، مقدما قراءة أولية في"مدارات الترجمة" الذي يتأطر ضمن سياق الندوة: ترجمة الأعمال الأدبية والفلسفية باعتبارهما ضرورة ثقافية، وتواصل بين الحضارات والثقافات المختلفة، مشيرا إلى قيمة الكتاب التي تتجلى من جانبين: الأول يرتبط بطبيعة النص المترجم، والثاني يتعلق بدربة الذات بالفعل الترجمي، ومحاولة هذه الذات التفاعل مع هذا الفعل الذي يختلف من النص الحقوقي والنص المقدس. ليتحدث بعد ذلك عن عنوان الكتاب، وأهمية الحوار بين النص الأصلي والنص المترجم والمقارنة بينهما، والكشف عن الآليات الحقوقية المراعاة في الحفاظ على النص الأصلي والنص العربي، وتطويع الفرنسي ليستجيب للمصطلحات المأخوذة من الحضارة الإسلامية، متوقفا عند فصل "الإشهار" الذي اقتحم موضوع الترجمة الإشهارية وتعلقها بطبيعة المتلقي للنصوص الإشهارية الخطيرة، منتهيا إلى أن الخطاب الإشهاري يتخذ من الشرق موضوعا له خطاب إيديولوجي، له أهدافه.