بنعبد القادر يشخّص "أمراض" وأعطاب الإدارة العمومية المغربية
محمد الراجي
الخميس 13 يوليوز 2017
دافَع محمد بن عبد القادر، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإصلاح الإدارة والوظيفة، عن الإدارة العمومية، وقال إنَّ مدّة مائة يوم التي قضّاها في الحكومة جعلت الصورة التي كانت راسخة في ذهنه عنها تتلاشى، وزاد موضحا: "لأنني وقفت على أنّها ليست مجرد شبابيك ومجالا للروتين والبُطء والعجز والكسل والملل، بل هي جهاز دولةٍ أساسي لتخطيط وتنفيذ السياسات العمومية. والحديث عن إصلاح الإدارة يعني إصلاح الدولة".
دفاع بنعبد القادر عن الإدارة العمومية لم يمنعه من الاعتراف، في لقاء تواصلي نظمته الكتابة الإقليمية لحزب الاتحاد الاشتراكي بالرباط، حول موضوع "إصلاح الإدارة ومراجعة منظومة الوظيفة العمومية ومحاربة الفساد"، مساء الأربعاء، بأنّ الإدارة المغربية، التي تعرّضت لانتقاد حاد من طرف الملك نفسه في افتتاح السنة الأولى من الولاية التشريعية الحالية، تعاني من أعطاب شتّى، ينبغي الانكباب على معالجتها بشكل جذري.
إصلاح أعطاب الإدارة العمومية المغربية، حسب بنعبد القادر، يستدعي العودة إلى السياق الذي نَمتْ فيه هذه الأعطاب وتجذّرت، وتحديدا إلى فترة الشروع في مغربتها، بدايةَ استقلال المملكة، إذ تشكّلت إدارة عبارة عن خليط بين إدارة المخزن ومخلّفات الحماية، مشيرا إلى أنَّ الإدارة المغربية تعاني حاليا من "المرض الطفولي"، "وهو مرَض نادر يشدُّ الإنسان إلى ماضيه، ويُعيد الراشدين إلى مرحلة الصِّبا، فتصدُر عنهم تصرّفات الأطفال"، وفق تعبيره.
وشدَّد بنعبد القادر على أنَّ الإصلاح العميق والجذري للإدارة العمومية، كما نادى به الملك في خطابه بالبرلمان، أمر ضروري، كما أكّد على ضرورة جعل المواطن المغربي في صُلب هذا الإصلاح، "لأنّ مواطنَ اليوم ليس متخلفا، بل باتَ أكثر وعيا بحقوقه، ولديه نصيب من المعرفة بفضل الارتباط بشبكة الإنترنت، وبالتالي فلا يمكن أن تظل الإدارة على ما هي عليه"، مضيفا: "أيُّ إصلاح لا ينعكس إيجابا على المواطن فهو ليس إصلاحا".
وذهب بنعبد القادر إلى القول إنَّ إصلاح الإدارة العمومية لا يجبُ أن ينطلق من كون الإصلاح واجبا أخلاقيا، بل واجبا قانونيا بمنطوق الدستور، الذي نصَّ على ربْط المسؤولية بالمحاسبة، وزاد: "الإدارة يجب أنْ تكون إدارةَ القُرب من المواطن، وإدارة الكفاءة وليس الكسل والغش، وأْنْ تكون إدارة مفتوحة لديها جاهزية للمحاسبة والمساءلة في أي لحظة، لأنّ المكانة الدولية التي يصبو المغرب إلى تبوئها تتطلب إدارة قوية، وبلدُنا الذي ينمو ويكبر لا يستحق إدارة تُدار بعقلية قديمة".
الوزير الاشتراكي الوصي على إصلاح الإدارة والوظيفة أكّد أنَّ الإصلاح يجب أن يتمّ بإشراك الموظفين، "وكسب انخراطهم كقوة اقتراحية، بمعنى أنهم شركاء في الإصلاح وأن الإصلاح ليس ضدهم"، مشدّدا على أنَّ المغاربة، وإنْ كانوا متفقين جميعا على أنّ الإدارة العمومية تعاني من عاهات، "إلا أنه سيكون مفيدا جدا أن نأخذ هذه النظرة في نسَقيتها، وعدم فرَدنة الموضوع، لأن الموظف نتاج مناخ ثقافي واجتماعي أعطى هذه النتيجة من تقاعس وكسل"، على حد قوله.
وعدَّ بنعبد القادر نظرةَ المغاربة إلى الإدارة العمومية من الأسباب الرئيسية التي أوصلتْها إلى ما هي عليه اليوم، قائلا: "الكثيرون يرون في الإدارة العمومية ملاذا يوفّر لهم الأمن الوظيفي. بمجرد أن يوظف الموظف ويرتدي ربْطة عنُق ويحمل قلما يشعر أنه مُؤمّن من طرف الدولة إلى حين إحالته على المعاش، بينما في القطاع الخاص، حين تحدث أزمة يتمّ تسريح الأجراء، وهو ما يُعمّم شعورا بالأمن الوظيفي لدى موظفي الإدارة العمومية".
واستدلَّ الوزير في هذا الإطار بإجراء مقارنة بين أجراء القطاع الخاص ونظرائهم من الموظفين في القطاع العام؛ "ففي حينِ أنَّ عدد السكان النشطين في المغرب يصل إلى 12 مليونا، فإنَّ ثلاثة ملايينَ منهم فقط منخرطون في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، لكنهم لا يعيشون أمْنا وظيفيا، بيْنما موظفو القطاع العام يعيشونه"، مضيفا: "الأمنُ الوظيفي عمّم بعض المظاهر السلبية في المجتمع".
ودعا المتحدث ذاته إلى تغيير نظرة المجتمع إلى الإدارة العمومية، "لأنّ الاستمرار في التعامل مع الوظيفة العمومية كملاذ آمن سيوصلنا إلى الإفلاس، ما سيعطل التنافسية الاقتصادية"، وزاد: "إما أن تكون منافسا قويا أو تندثر، لذلك لا يجب أن ننظر إلى التوظيف في الإدارة العمومية على أنه ملاذ فيه مانضة وسْتيلو ومعاش وكونجي وراحة"، وتابع: "إدريس البصري كان يجمع مئات الشباب ويوظفهم في المقاطعات لكنهم لا يفعلون شيئا، فقط يتلقون رواتبهم دون إسداء أي خدمة".
من جهة ثانية، دافع بنعبد القادر عن التوظيف بالعقدة، الذي أثار موجة رفض واسعة من طرف النقابات العمالية وعموم المواطنين، مُعتبرا إياه "أمْرا جيدا"، وعلّل موقفه بالقول: "حين نحتاج إلى خبير لتركيب تطبيق رقمي ما، مثلا، يمكن التعاقد مع إطار لمدة معينة، ثم يذهب بعد إتمام مهمته. أما إذا أقمنا مباراة للتوظيف فهذا يعني توظيف موظف إلى حين إحالته على التقاعد، وهو إهدار للمال العام".
وبخصوص الفساد في الإدارة العمومية، حمّل بنعبد القادر المواطنين المغاربة نصيبا من المسؤولية في استشراء هذه الآفة، قائلا: "المواطن أيضا يساهم في تفشي الفساد في الإدارة العمومية. هناك من المواطنين من يأتي إلى الإدارة طلبا لامتيازات. يمكن أن تضع كاميرات وتضبط الأمور، لكن إذا كان المشكل مرتبطا بالثقافة السائدة في المجتمع فمن الصعب جدا محاربة الرشوة". ..................... هسبريس