من هو سبابة المتندم ؟
عندما صدر التقرير السنوي للمجلس الأعلى للتعليم ، لسنة 2008 ، جاء في جزئه الأول المعنون ب " إنجاح مدرسة للجميع " ، بعض الغمز في هيئة التفتيش ، يقول : " كما أن هيئة التفتيش لا تقوم دائما بدورها تجاه المدرسين في التوجيه والتأطير والدعم ، ويبقى عملها ، في الغالب ، منحصرا في المراقبة التربوية " . و " إن زيارات التفتيش لفصول التدريس غالبا ما يكون عددها محصورا ، وتتم بشكل متباعد زمنيا ، مما يكون على حساب إنجاز تقويم مبني على أسس متينة وعادلة ، وأكثر دقة وموضوعية ، لعمل المدرسين ، وهو ما يستدعي مراجعة معايير التقويم في هذا الشأن ".
وقد صرف النظر عن هذا الكلام وتم ابتلاعه بما رافقه من غصة ، لأنه كان مشفوعا بضمادات من قبيل " بيد أن الظروف المادية لعمل هيئة التفتيش لا يشجعها على الانخراط التام في عملها ولا سيما بالنظر إلى ضعف وسائل العمل اللازمة ومحدودية التواصل والتنسيق مع الإدارة المركزية وعدم انتظامها " ، واعتبر التقرير في مجمله موضوعيا إلى حد ما .
أما وأن تعاد الكرة هذه المرة وبإرسال الكلام على عواهنه ، من قبيل " ضعف مساهمة هيئة التفتيش التربوي في تأطير الدخول المدرسي على مستوى المؤسسات التعليمية ، نقص في زيارات المؤسسات التعليمية من طرف المفتشين التخصصيين ، تأخر المصادقة على جداول الحصص من طرف المفتشين التربويين " ، في تقرير عن الدخول التربوي لسنة : 2010 /2011 ، الذي جاء تحت شعار : " جميعا من أجل مدرسة النجاح " ، خصوصا ونحن بصدد قراءة الفاتحة على مجموعة من المشاريع والأهداف التي سطرت لهذا الميدان ، ونراها تهوي من فروج الأصابع ، فهذا يتطلب يقظة وتعبئة من طرف هيئة التفتيش لتوضيح من هو سبابة المتندم في قول ابن شرف القيرواني :
غيري جنى وأنا المعاقب فيكم فكأنني سبابة المتندم
أو من هو ذو العر في قول النابغة :
لكلفتني ذنب امرئ وتركته كذي العر يكوى غيره وهو راتع
من المكرور أن نناقش الظروف والملابسات والإكراهات التي ترافق اشتغال المفتش ، فهذه الأجراس دقت لسنوات عدة ، حتى عدت – من بعض الأطراف - قميص عثمان ليس إلا ، غير أن الذي لا شك فيه هو أنه كلما بلغ ميدان من الميادين مأزقا ، إلا وانبرى دهاقنته يبحثون عن مخرج / مشجب يعلقون عليه فشلهم ، وهذه شطحة من شطحات الإدارة الأمارة بالسوء في المجتمعات التي لم ترس بعد مداميك ثقافة التقييم النزيه والمحاسبة العادلة .
وفي ميدان التربية والتكوين الذي توضع سياسته في غياب الفاعلين الأساسيين فيه ، تم التطبيع مع ثقافة اللامحاسبة ، وعند حصاد الحشف ، يبحث عن رأس ليقطع ويقدم قربانا على مذبح الحساب العادل الذي يجب ألا يستثني أحدا .
ليس الأمر هينا كما يرى كثير منا ، بل إنه لأمر جلل بكل ما في العبارة من معنى ، إنه مستقبل شعب بل أمة قادت البشرية ذات يوم كانت تسود فيه ثقافة " لو أن بغلة عثرت في العراق لسألني الله عنها لما لم تمهد لها الطريق " . أما اليوم فلا أجلى دليل على غروب شمس هذه الثقافة من احتلالنا مؤخرة المنظومة الدولية على سلم التنمية البشرية .
ومنذ فجر الاستقلال وميدان التعليم تتحكم فيه مطابخ معينة راكمت الفشل تلو الفشل ولم ترعو ، واستمرت تسطر ملاحم الإخفاق في عنجهية ومكابرة ، مكابرة من " إذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم " .
وبما أن حاضر هذا الميدان هو مبني على ما مضى من عمره ، فلا بأس أن نذكر الذين يلقون ببالونات الاختبار، ببعض (فقط بعض) الثقوب السوداء التي لا زالت تنخر هذا الحقل وتستنزف جيب المواطن ، و بأن سبابة المتندم أو ذا العر يوجدان في مكان آخر غير هيئة التفتيش ، وأن :
i. من الخيمة خرج مائلا :
1. خلال التصميم الثنائي لسنتي : ( 1958-1959 ) ، ليس المفتش هو الذي أقر الازدواجية اللغوية : الفرنسية لغة العلم والثقافة الحديثة ومنذ المستوى التحضيري ، والعربية لغة الأدب والحكايات والأساطير ، هذه الآفة المسؤولة عن ضعف التحصيل عند التلاميذ باعتراف كل اللغويين واللسانيين ، ولم يكن هو المسؤول عن تمدرس 609411 تلميذ فقط من أصل مليوني طفل بالغ سن التمدرس في هذا الموسم الدراسي.
2. خلال التصميم الخماسي (1960-1964) ، لم يكن هو الذي حدد سنة : 1963 لتعميم التعليم على جميع الأطفال المغاربة ، وما زال هذا المطلب عزيزا علينا ونحن في العشرية الثانية من الألفية الثالثة . ولم يكن هو المسؤول عن بقاء 966390 طفلا بالغا سن التمدرس في الشارع بلا مقعد في المدرسة خلال الموسم الدراسي : 1959-1960 . و1240888 خلال الموسم الدراسي : 1960-1961 ، و1123835 خلال الموسم الدراسي : 1964-1965 .
3. خلال التصميم الثلاثي : (1965-1967) : لم يكن هو الذي أصدر مذكرة غشت 65 ، التي حددت " العدد السنوي للتلاميذ الجدد الذين سيقبلون في الابتدائي خلال العشر سنوات التالية ، من :1965 إلى 1975، في : 360000 تلميذ ، لا غير ، بينما كان أكثر من مليوني طفل مغربي بالغا سن التمدرس عند مستهل كل موسم دراسي ، أو حدد نسبة الالتحاق بالثانوي في : 40 بالمائة فقط و60 بالمائة بما سمي بالتعليم المتوسط و40 بالمائة بما سمي آنذاك بالتعليم الطويل .
4. خلال التصميم الخماسي : (73-77) : لم يكن هو الذي حدد سنة 1995 لتعميم التعليم ومازلنا ننتظر، ولا حدد عدد المسجلين الجدد في :15000 سنويا فقط ، في حين كانت مئات الآلاف من الأطفال تبلغ سن ولوج المدرسة كل موسم دراسي . ولا كان هو الذي ، في فترة اللاتصميم الفاصلة بين هذا المخطط وسابقه ، الذي حدد نسبة التسجيلات الجديدة في 44 بالمائة فقط من مجموع عدد الأطفال الذين بلغوا سن التمدرس . هذه النسبة التي ستنخفض خلال الموسم الدراسي : 72-73 ، إلى 33 بالمائة فقط .
5. خلال التصميم الثلاثي : (78-80) ، لم يكن المفتش هو الذي أجهز على حق 65 بالمائة من الأطفال المغاربة ما بين سبع وأربع عشرة سنة في التمدرس ، و47 بالمائة ممن بلغوا سبع سنوات و71 بالمائة من أطفال العالم القروي .
6. خلال المخطط الخماسي : (81-85 ) . ليس المفتش من حدد نسبة الالتحاق بالسنة الأولى من السلك الأول في 34 بالمائة خلال الموسم الدراسي (81-82) ، ولا كان المسؤول عن تسجيل : 2202937 أطفال فقط من أصل :3083037 طفل بلغوا سن التمدرس في مستهل الموسم الدراسي : 85-86 . هذا الموسم الذي لم تتعد فيه نسبة النجاح في الباكالوريا : 30.01 بالمائة .
سياسة الدرعنة :
أنحت كلمة " درعنة " نسبة إلى وادي " درعة " ، الذي ينطلق بصبيب معين ، ثم تبدأ الشقوق والرمال في ابتلاع مياهه خلال مجراه نحو المحيط ، فلا يصل إلى المصب منها إلا النزر القليل ، كذلك جميع التصاميم وبرامج إصلاح التعليم ، تبدأ طموحة ومستجيبة لبعض الانتظارات ، لكن سرعان ما تبدأ جذوة الاشتغال تخبو شيئا فشيئا ، بدءا من القمة وصولا إلى القاعدة ، وتبدأ تبريرات وتعليلات يستشف منها عنصران من أخطر ما يمكن أن يتصور الإنسان :
- إما أن واضع الإصلاح لم يكن يعرف شيئا عن بيئة الإصلاح وما يؤثثها من عناصر ، وهذه مصيبة .
- وإما أنه وضع إصلاحا وهو على بينة من أنه غير قابل للتحقيق ، وهذا عبث بمستقبل وطن ، وضحك على الذقون .
وإن لم نكن شهداء على "درعنة" جميع تصاميم وبرامج الإصلاح ، فعلى الأقل شهدنا مواقع " درعنتها " في إصلاح 85 ، وإصلاح 2000/ 2010 ، الذي نظر له الميثاق الوطني للتربية والتكوين ، والمايكرو- إصلاح الرباعية : 2009/2012 من خلال المخطط الاستعجالي الذي يلاحظ أنه ولد سقطا من رحم العشرية الأم .
إصلاح 85 :
ارتباطا دائما بالموضوع ، لم يكن المفتش هو الذي سطر أهداف إصلاح 85 ، استجابة لسياسة التقويم الهيكلي المنصوح بها من طرف البنك العالمي و " فشل في تحقيق المراد منه ، بل هناك من يشكك أصلا في الدوافع الحقيقية لهذا الإصلاح بشكل عام ، ويعتقد أن التجديد يصبح مطية سهلة يركبها كل من أراد فرض برامج أو تعديلات في الطرق والمحتويات " على حد تعبير الأستاذ الدريج في مؤلفه " مشروع المؤسسة والتجديد التربوي في المدرسة المغربية . هذا "الإصلاح " الذي نتج عنه ، كمثال فقط ، انقطاع ثلاثة ملايين وثمان مائة تلميذ عن الدراسة خلال السنوات العشر للإصلاح (84-94) .
إصلاح 2000 :
لم يكن المفتش هو الذي انتظر تقرير البنك الدولي لسنة 1994 ، ليكتشف أن ميدان التعليم مقبل على السكتة القلبية ، لتتداعى قبائل عبس وذبيان لتعيد تسطير أهداف أغلبها وارد في النسخ السابقة .
وسأكتفي بالإشارات التالية فقط :أين شعار تعميم التعليم بالمستويات الأولى ، الذي حدد له الميثاق شتمبر 2002 ، وأين تعميم التسجيل بالسنة الأولى أولي ودمجه بالتعليم الابتدائي الذي ضرب له الميثاق سنة 2004 موعدا ، هل وصل 90 بالمائة من التلاميذ المسجلين في الموسم الدراسي : 99/2000 ، إلى نهاية المدرسة الابتدائية ، في متم السنة الدراسية : 2005 ؟ كما نظر لذلك الميثاق .هل تم تحقيق محو الأمية إلى أقل من 20 بالمائة في عام 2010 ؟ ليتم لها المحو شبه التام في أفق 2015 ؟ هل تم ربط كل إعدادية بمركز مجاور للتكوين المهني ؟ وكل ثانوية بمركز للتأهيل المهني أو معهد للتكنولوجيا التطبيقية ؟ هل تم تفعيل ما سمي بالممرات بين التربية والتكوين ؟ هل تم إحداث وتفعيل أكاديمية اللغة العربية ابتداء من 2001/2002 ؟ هل تم تحسين الظروف المادية والاجتماعية للمتعلمين بشكل جدي وحافظ للكرامة ؟ هل .......
أهيئة التفتيش هي من " درعن " هذه المشاريع ؟ ؟
المخطط الاستعجالي :
من الحكمة ألا نستبق الحكم ما دامت الفترة الزمنية المحددة له لم تنقض بعد ، رغم ما يلوح في الأفق من سحاب غير مطمئن نتمنى أن لا يكون ثموديا .
مدرسة بلا مفتش :
لقد كثر اللغط منذ مدة حول إطار التفتيش وموقعه داخل منظومة التربية والتكوين ، وكان دائما يتلقى " لكمات " ولو بقفاز ناعم ، من طرف المسؤولين ، وبلغت الجرأة ببعضهم أن روج لحذف هذا الإطار بصفة نهائية من نظام التربية والتكوين ، وكأنه غدة سرطانية تستوجب عملية جراحية ليستريح منها جسم المنظومة إياها ( وفي ذلك شيء من الصحة لكن بالمعنى الإيجابي) . حتى وإن كان هذا الطرح يعود لسنوات خلت ، وبقي في حدود الإشاعة ، ومحاولة الرد عليه متأخرة ، فإن الفكرة لا زالت تراود البعض ، ولقد غاب عن هؤلاء أنه طرح استئصالي بامتياز ، وأن ، كما يقول المثل الفرنسي ، " الطناجر العتيقة هي التي تصنع الحساء اللذيذ " ، فأغلبنا أينما ولى وجهه ، في الميدان التربوي ، سيبلي البلاء الحسن .
لنترك هؤلاء يحلمون قليلا ، ماذا يعني : " مدرسة بلا مفتش " ؟ هل تدرك تلك الثلة من أولائك والقليل من هؤلاء أن العبارة لا تعدو تعني بشكل مركز غير : " السيبة " . ولن أفصل في الكيف حتى لا يكون نبأ فاسق فأصيب إخوة لنا مديرين ومدرسين بقليل من الجهالة وهم لا مراء في تفانيهم وإخلاصهم . ومن كان في مرية من أمره ، فليلق نظرة على الميدان متى أضربت هيئة التفتيش التربوي .
فالدور الذي يقوم به المفتش مراقبة وتأطيرا وتقييما وتقويما للعمل التربوي – التعليمي ، وهذا ليس دفاعا عن النفس أو تضخيما للذات ، هو ما يبعث الروح ، بدون مبالغة ، في استئناف العملية التربوية – التعليمية سيرها سيرا عاديا .
صدق أولا تصدق:
إن الحيف الذي لحق هذه الفئة ، في ما يتعلق بالترقي ، ليدخل في خانة " صدق أولا تصدق "
سأقتصر على ما لحق فئة هيئة التفتيش من حيف بخصوص نظام الترقية – ما دامت موضوعا راهنا مع ظهور لوائح لنتائج الترقي بالاختيار لسنة 2010 – فأقول إن ما طال هذه الفئة من حيف لا يوازيه ما يمكن أن يكون قد أصاب فئات أخرى ، والدليل على ذلك أن الترقي إلى السلم الحادي عشر ، عند هذه الفئة ، قد تطلب عند أغلبيتها ، سنة تكوينية بمركز تكوين المعلمين ، وتسع سنوات ، على الأقل ، من الخدمة معلما ، ثم امتحانا كتابيا وآخر شفويا ، ثم ثلاث سنوات من التكوين بمركز تكوين المفتشين ، وما رافقها من إكراهات مادية ومعنوية ، ثم ما يفوق عشر سنوات من الخدمة مفتشا ، بل إن فئة من المفتشين لم تحصل على السلم الحادي عشر إلا بعد سبع سنوات من التكوين ( سنتين بمركز تكوين المعلمين ، ثم مباراة وسنتين بالمركز التربوي الجهوي ، ومباراة وسنة بمركز تكوين المفتشين ، ثم مباراة وسنتين تكوينيتين بنفس المركز لتسمى "مفتشا رئيسيا " ) ، بالإضافة إلى عشرات السنين من الخدمة . بينما جازت إلى السلم المذكور هيئات أخرى في قطاع التربية والتكوين ، ولا يطوي سجلها يوما تكوينيا واحدا ، وبمواضيع إنشائية ، عن طريق الامتحانات المهنية .
[u]لا يغير الله ما بقوم ......
إن ما سبق من كلام لا يعني أن بيتنا – معشر المفتشين – سقفه من حديد وركنه من حجر، كلا ، بل إنه في حاجة إلى ترميم داخلي ، ذاتي ، جدي وحقيقي . هناك آفات وممارسات ونزوات يجب أن نتحلى بالشجاعة اللازمة ، جميعا ، لنعترف بها أولا ، ليسهل القطع معها ثانيا .
عن موقع نقابة مفتشي التعليم