نشرت جريدة "السياسة الجديدة" يوم 13 دجنبر 2002 [عدد 413] حوارا مع المناضل، والمسؤول القيادي بالاتحاد المغربي للشغل، حول مسألة وحدة الحركة النقابية بالمغرب. يعيد موقع " كفاح نقابي" نشره تعميما للفائدة، وتوخيا لإثراء النقاش حول هذا الموضوع ذي التبعات المصيرية على نضال طبقة الأجراء بالمغرب.
سؤال:
لماذا ما زلتم ترفعون شعار الوحدة النقابية داخل المركزية الواحدة رغم كل التحولات التي عرفها الفضاء النقابي.
عبد الحميد أمين: إن مكونات الوحدة النقابية تكمن في العناصر التالية:
أولا: إن الطبقة العاملة طبقة متجانسة ومصالحها واحدة وبالتالي فإن النقابة التي هي جهاز الدفاع عن المصالح المادية والمعنوية المشتركة للعمال يجب أن تكون موحدة.
ثانيا: الطبقة العاملة تواجه في نضالاتها المباشرة والبعيدة المدى الباترونا مدعما بأجهزة الدولة . وما دام الباترونا موحدا في منظمة واحدة ، وما دامت الدولة واحدة فيجب أن يكون الجهاز النقابي موحدا كذلك حتى يضمن الفعالية في التفاوض والمواجهة للتنظيم النقابي للباترونا ولجهاز الدولة.
سؤال :
كيف يمكن تحقيق وحدة نقابية في غياب ديمقراطية داخل هذا الجهاز؟
عبد الحميد أمين: إن مسالة غياب الديمقراطية داخل الجهاز النقابي الموحد هي كلمة حق يراد بها باطل، وهذا ما يدفعني إلى إثارة مجمل المبررات التي تم الاعتماد عليها في بلادنا من اجل إنشاء نقابات أو مركزيات نقابية جديدة.
المبرر الأول وهو الذي استند عليه حزب الاستقلال لتأسيس الاتحاد العام للشغالين بالمغرب هو أن الاتحاد المغربي للشغل نقابة سياسية تقدمية منحازة للتوجه التقدمي وبالتحديد آنذاك الاتحاد الوطني للقوات الشعبية.
أما المبرر الثاني الذي تم الاعتماد عليه لنقد توجه الاتحاد المغربي للشغل ولإنشاء نقابات ومركزيات جديدة هو أن الاتحاد المغربي للشغل نقابة خبزية تهتم بالمطالب النقابية دون الاهتمام بالتغيير السياسي للبلاد.
ويكمن المبرر الثالث في أن الاتحاد المغربي للشغل نقابة بيروقراطية لا تحترم فيه قواعد الديمقراطية.
في حين يتجلى المبرر الرابع في أن التعددية النقابية هي إحدى مرتكزات الأنظمة الديمقراطية.
إذا تفحصنا بشكل نقدي هذه المبررات سنجد أولا أن المبررين الأولين متناقضين بحيث ُيتهم الاتحاد المغربي للشغل بالإفراط في التسييس وُيتهم في نفس الوقت بالإفراط في الخبزية والاكتفاء بالدفاع عن المصالح المادية للعمال. وفي الحقيقة إن الاتحاد المغربي للشغل كان دائما يتخذ مواقف سياسية إلى جانب الدفاع عن المصالح المادية للطبقة العاملة.
والدليل على ذلك هو موقفه من التحرر الوطني واستقلال المغرب، حيث فضل مؤسسو الاتحاد المغربي للشغل التركيز على المطالبة بالاستقلال بدل التركيز على المطالب الملموسة التي كانت سلطات الحماية مستعدة لتحقيقها شريطة تخلي الاتحاد المغربي للشغل عن مواقفه الوطنية، والدليل الثاني هو موقف الاتحاد المغربي للشغل من الديمقراطية المزيفة حيث كان دائما يرفض مختلف حلقات المسلسلات الديمقراطية الذي كان يتغنى بها الحاكمون منذ 1975، وكان دائما يطالب بديمقراطية حقيقية سياسية واقتصادية واجتماعية.
يتبين إذن أن الاتحاد المغربي للشغل لم يقتصر على المواقف السياسية وحدها أو النقابية وحدها، بل كان يهتم بالاثنين معا. قد يكون الاتحاد الغربي للشغل لم يحسن الربط في هذه الفترة أو تلك بين السياسي والنقابي، أو انه لم يتخذ مواقف سياسية في ظروف كان عليه أن يتخذ هذه المواقف لما فيه مصلحة الطبقة العاملة، أو انه لم يطرح بحزم النضال النقابي لمواجهة بعض التراجعات عن المكاسب آو لتحقيق بعض المطالب الأساسية، كل هذا ممكن... لكن من المجحف الانطلاق من هذه الملاحظات لاتهام الاتحاد المغربي للشغل بأنه نقابة أفرطت في السياسة أو في النضال النقابي الضيق، واعتماد هذا التصور لتكسير الوحدة النقابية.
أما بالنسبة للمبرر المتعلق بغياب الديمقراطية داخل الاتحاد المغربي للشغل وسيادة البيروقراطية داخله ، فالجميع يعلم أن نقيض البيروقراطية هي الديمقراطية، وليس التقسيم وانه كان على الذين ينتقدون بيروقراطية الاتحاد المغربي للشغل أن يناضلوا من اجل الديمقراطية على كافة المستويات داخله بدل إنشاء مركزية أخرى. ولا بد من الإشارة والتأكيد هنا أن أولئك الذين كانوا ينتقدون بيروقراطية الاتحاد المغربي للشغل وأسسوا مركزية جديدة كبديل تاريخي له قد سقطوا في ممارسات بيروقراطية ولاديمقراطية خطيرة جدا. وهذا ما أصبح يعرفه الجميع. وكل هذا لا يعني أن الاتحاد المغربي للشغل خال من الممارسات اللاديمقراطية والبيروقراطية ، إنما يعني فقط ان الصراع من اجل الديمقراطية يجب أن يتم بالوسائل الملائمة وباستتباب الفكر الديمقراطي داخل القواعد العمالية مع الحفاظ على الوحدة النقابية بأي ثمن. أما فيما يخص المبرر الرابع المتعلق يالتعددية النقابية كأساس ومكون للديمقراطية ، فهذه مغالطة كبرى أخرى. فان كانت التعددية السياسية والحزبية من إحدى المكونات الجوهرية للديمقراطية في مجتمع طبقي، حيث من حق كل الفئات والطبقات الاجتماعية أن يكون لها معبرون سياسيون عن مصالحها الطبقية، فان التعددية النقابية ليست من مقومات الديمقراطية بدليل ان البلدان الاسكندينافية وبلدان أوربا الشمالية وبريطانيا والولايات لمتحدة، وهي نماذج الديمقراطية الليبرالية، ليست لها سوى مركزية نقابية واحدة تتوفر فيها شروط التعدية السياسية.
سؤال :
وإذا كنتم تعتبرون أن هذه مجرد تبريرات واهية ، فما هو التفسير الحقيقي في نظركم لهذه التعددية القائمة؟
عبد الحميد أمين: إن الأسباب الحقيقية للتقسيم النقابي الذي أدى إلى التعددية النقابية يكمن أولا في سياسة الدولة المخزنية الهادفة إلى تقسيم الحركة النقابية العمالية لإضعافها، وهو ما أدى إلى مساندة ودعم تشكيل عدد من المركزيات النقابية، كما يكمن ثانيا في المخططات التقسيمية للأحزاب السياسية الانتهازية التي كانت تسعى إلى توظيف الحركة النقابية ومن خلالها الطبقة العاملة في مخططاتها السياسية الضيقة الأفق ، ومن هنا نجد المفارقة العجيبة كون أن جل الأحزاب السياسية الكبرى لها ذيول نقابية تابعة لها تسميها مركزيات نقابية .
سؤال:
لكن التعدد النقابي قائم، وقد يكون راجعا إلى ما ذكرت ، وقد يكون راجعا إلى أشياء وتقديرات أخرى. لكن كيف ترى التعامل مع التعددية النقابية حاليا، خاصة وان أمام الشغيلة المغربية قضايا ملحة مثل قانون الشغل، قانون الإضراب؟
عبد الحميد أمين : قبل أن أجيب عن هذا السؤال أريد أن اؤكد على نتيجتين سلبيتين للتعددية النقابية، أولهما انه كلما تعددت المركزيات النقابية إلا وقل عدد المنخرطين، فإذا كان عدد المنخرطين في الاتحاد المغربي للشغل في نهاية الخمسينات، عندما كانت مركزية نقابية واحدة، يصل إلى 650 ألف منخرط فان تقديري الشخصي لعدد المنخرطين في جميع المركزيات النقابية الحالية التي يتجاوز عددها العشرين لن يتعدى حوالي 300 ألف منخرط بينما تضاعف عدد العمال ثلاث مرات منذ ذلك الحين . أما ثانيها فهي انه كلما تعددت المركزيات النقابية ، كلما تم التراجع والإجهاز على المكتسبات، ومن ضمنها الإجهاز على قانون السلم المتحرك للاثمان والأجور، وعلى استقرار العمل وعلى الحريات النقابية. وضمن الإجهاز على المكتسبات طرح مشروعي مدونة الشغل والقانون التنظيمي للإضراب وهما مشروعان تراجعيان بالنسبة للمكتسبات.
والآن أمر للجواب عن سؤالك حول التعامل مع واقع التعددية النقابية . إن الهدف الاستراتيجي يظل بالنسبة إلينا داخل الاتحاد المغربي للشغل هو إعادة بناء الوحدة النقابية داخل الاتحاد المغربي للشغل باعتبارها المركزية المستقلة الوحيدة ببلادنا. ولكن كيف الوصول إلى هذا الهدف؟ شخصيا اعتقد انه لا بد ومن اجل التعامل مع المركزيات النقابية الأخرى أن تحترم هذه المركزيات شرطا أساسيا وهو شرط الاستقلالية عن الأحزاب السياسية حتى نتمكن من التنسيق معها، لان في غياب هذه الاستقلالية سنجد أنفسنا مجبرين على التنسيق مع امتدادات نقابية لأحزاب سياسية وبالتالي مع أحزاب سياسية، مع كل ما ينتج عن ذلك من إخضاع التنسيقات للحسابات السياسية بدل إخضاعها لمصلحة الطبقة العاملة وللشروط التي تعمل فيها الطبقة العالة.
وعلى الرغم من كل ذلك فإننا في الاتحاد المغربي للشغل سبق لنا عدة مرات في الشهور الأخيرة ان نسقنا في نضالاتنا اليومية مع نقابات تنتمي للمركزيات الأخرى، وهذا ما حصل بالضبط بالنسبة للتعليم والجماعات المحلية ، وبالنسبة للنضالات الفئوية للتقنيين والمتصرفين والإعلاميين.
سؤال :
بالنظر الى واقع التعدد ، وبالنظر الى المشاكل الاجتماعية الملحة المطروحة، و بالنظر إلى التصريح الحكومي، كيف ترون الآفاق ، التوتر أم السلم الاجتماعي؟
عبد الحميد أمين: بالفعل لقد طرح الوزير الأول الجديد في البرنامج الحكومي شعار السلم الاجتماعي الدائم. ونحن في النقابة لسنا ضد السلم الاجتماعي بشكل مبدئي ولكننا نطالب بتوفير شروط هذا السلم الاجتماعي والمتجسدة في تحسين الأوضاع المعيشية عبر الزيادة العامة في الأجور وفي ضمان استقرار العمل ، وفي احترام الحريات النقابية، وفي التخلي عن تمرير قوانين تراجعية، وفي غياب هذه الشروط لن يكون السلم الاجتماعي إلا استسلاما اجتماعيا ، لذا فنحن في غياب هذه الشروط سنكون مضطرين لتصعيد نضالاتنا والعمل على ضمان وحدة كافة المناضلين النقابيين الشرفاء في مواجهة المخططات العدوانية للباترونا والتي من المحتمل ان تكون مدعمة بشكل قوي من قبل الحكومة الجديدة .
حاوره محمد أبوطاهر
الوحدة النقابية والسلم الاجتماعي حوار مع عبد الحميد أمين
المواضيع المتشابهه
