أيهما أولى حفظ القرآن أم تدبره ؟
الأصل أن هذا السؤال غير وارد لأنه لا تعارض بين حفظ ألفاظ القرآن وتدبر معانيه فيجب أن يسيرا معا ، ولم يكن هذا السؤال واردا في أذهان الصحابة رضي الله عنهم فمنهجهم في هذه القضية واضح ظاهر وإنما نشأت الحاجة للكلام في هذه المسألة بعد وفاة النبي صلىالله عليه وسلم وتوسع الفتوحات وتعدد أجناس وفئات الداخلين في الإسلام حين خفي على البعض الهدف والغاية التي من أجلها أنزل القرآن { كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ } [ سورة ص - الآية : 29 ] فنسوا أن حفظ الألفاظ وسيلة إلى تدبر المعاني ومن ثم العمل بهافقصروا همتهم وغايتهم وهدفهم على حفظ الألفاظ فصار جل وقتهم وجهدهم وانتباههم ووعيهم منصب على تثبيت صور الكلمات وحروفها مع نسيان للمعاني، وحتى حفظ الألفاظ لايتم بصورة منهجية بل ما يحفظ اليوم ينسى غدا ثم يعود للأول وينسى الثاني وهكذا دأبه طول حياته تعاقب بين الحفظ والنسيان.
وقد جاهد الصحابة رضي الله عنهم في علاج هذه القضية ومن أقوالهم في هذه المسألة :
1-عن ابن عمر رضي الله عنهما قال كان الفاضل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر الأمة لا يحفظ القرآن إلاالسورة ونحوها ورزقوا العمل بالقرآن وإن آخر الأمة يقرؤون القرآن منهم الصبي والأعمى ولا يرزقون العمل به
2-وقال ابن مسعود رضي الله عنه : إنا صعب عليناألفاظ القرآن وسهل علينا العمل به وإن من بعدنا يسهل عليهم حفظ القرآن ويصعب عليهم العمل به
3-وعن أبي عبد الرحمن السلمي قال حدثنا من كان يقرئنا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كان يقترئون من رسول الله عشر آيات فلا يأخذون في العشرالأخرى حتى يعلموا ما في هذه من العلم والعمل قالوا: فعلمنا العلم والعمل
وقدحذر النبي صلى الله عليه وسلم من الفصل بين حفظ اللفظ وتدبر المعنى حين وصف طائفةمن المسلمين أنهم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، وأن مثل هذا النقص في تدبرالقرآن يكون سببا للخروج من الدين والزيغ عن الصراط المستقيم ،ويصبحون شؤما على الأمة وسببا في تفريق صفوفها وتمزيق وحدتها .
فالمنهجية في هذه القضية أنه عندناثلاثة أمور لا بد من العناية بها:
الأول : الحفظ المتقن للألفاظ ولو كان المحفوظ قليلا .
الثاني : التأكيد على هدف التفكر والتدبر وأنه الأصل،والاجتهاد في الأخذ بالأسباب المؤدية إليه.
الثالث : الاجتهاد في ربط العلم المكتسب بالعمل بتدريب مستمر مكثف إلى أن يحصل النجاح في اقتران العلم بالعمل والنظر بالتطبيق .
إن تحقيق هذه الأمور هو الطريق إلى التربية على أخلاق القرآن .
منقوول