فرنسا تفرض على حملة الباكلوريا إثباث مدخول شهري يفوق 620 أورو للدراسة في جامعاتها
بعدما منعت الشغل على المتخرجين الأجانب من جامعاتها
المعطي قبا ل
المساء : 23 - 12 - 2011
كشفت صحيفة «لوموند» عن صدور مرسوم بالجريدة الرسمية وقعه كلود غيان يفرض شروطا جديدة على حاملي الباكالوريا
والراغبين في الحصول على تأشيرة لمتابعة دراستهم في فرنسا، أحد هذه الشروط : توفر الطالب على حساب بنكي براصد شهري يصل إلى 620 أورو. أي بزيادة 30% على المبلغ السابق. وحسب التبرير الذي قدمه الوزير، فإن هذا المبلغ سيسمح للطلبة بالتفرغ لدراستهم بدل البحث عن عمل لتمويل الدراسة.
لا زالت «مذكرة غيان» نسبة إلى كلود غيان، وزير الداخلية الفرنسي، والمؤرخة ب31 ماي، مثارا للجدل والتنديد في أوساط الطلبة الأجانب وفي أوساط الجمعيات الحقوقية وفي الوسط السياسي الفرنسي. وللرد على هذه المذكرة، التي تحرم على المتخرجين الجامعيين الأجانب حق العمل في فرنسا، تشكل فريق عمل في اسم «مجموعة 31»، نسبة إلى تاريخ المذكرة، من تسيير وتنشيط فريق من حملة الشهادات العليا، كان على رأسهم المغربي نبيل السبتي. وقد طرح الفريق موقعا على الفايسبوك وموقعا إلكترونيا باسم المجموعة، كما نظم سلسلة من المظاهرات والوقفات الاحتجاجية بجامعة جوسيو بالمقاطعة الخامسة. وفي أول مظاهرة للجمعية أمام جامعة السوربون مزق المجازون رمزيا شهاداتهم العليا. وخرجت مظاهرة ضخمة بحي بيلفيل، رفعت أثناءها شعارات تطالب بسحب المذكرة، وبتسوية الوضعية القانونية لجميع المجازين وضمان فرص الشغل لهم. أما على المستوى السياسي فطرحت الاشتراكية باريزة خياري، نائبة رئيس مجلس الشيوخ، مقترحا وقعه مائة عضو بالمجلس، دعوا فيه إلى سحب المذكرة. وقد اغتنمت مجموعة 31 مناسبة الاحتفال ب«اليوم العالمي للمهاجرين» للخروج في هذه المظاهرة التي شاركت فيها اثنى عشرة جمعية. جنبا إلى جنب، تظاهر الطلبة الأجانب والمهاجرون السريون تحت يافطات بشعارات: «جميعا من أجل حقوق وكرامة المهاجرين والمهاجرات» «يا فرنسا، العالم ينظر إليك». كما ردد المتظاهرون: «نصوت هنا، ندرس هنا، نعيش هنا وسنبقى هنا». وللتذكير، تنطبق المذكرة، التي هي قيد تشويه سمعة فرنسا في الخارج، على ثمانية آلاف طالب أجنبي من حملة شهادات الجامعات والمعاهد العليا. وتنص المذكرة، التي وقعها وزير الشغل، غزافييه بيرتراند، على عدم السماح للطلبة الأجانب بالعمل في المؤسسات، الخصوصية والعمومية الفرنسية. بمعنى أنه على الطالب فور الانتهاء من الدراسة، حتى وإن تعاقد مع إحدى الشركات، أن يلتحق ببلده الأصل. لا تنطبق المذكرة على الطلبة المغاربيين والأفارقة فحسب، بل تشمل كل الطلبة الأجانب، بمن فيهم الكنديون أو الآسيويون وبالأخص الصينيون الذين يتربعون عدديا على رأس قائمة الطلبة الأجانب. هكذا وضعت المذكرة هؤلاء أمام ثلاثة خيارات تعجيزية: إما العودة إلى بلدانهم، إما البقاء بفرنسا لكن في وضع غير قانوني، وإما الهجرة إلى بلد آخر، الشيء الذي يتطلب إجراءات معقدة. ولما نعلم أن غالبية هؤلاء الطلبة أقاموا علاقة سيكولوجية وثقافية مميزة مع فرنسا، ندرك من دون عناء حجم وهول الخسارة. وترددت كلمة «خيانة» في شهادة غالبيتهم. وردت الكلمة مثلا على لسان نبيل السبتي المنشط السابق لمجموعة 31 الذي قرر الدخول إلى المغرب. فرنسا التي كان ينظرون إليها كحلم، أصبحت الأم الخائنة.
وستكون انعكاسات هذه المذكرة جد وخيمة على صورة وموقع المدرسة الفرنسية في هذه البلدان. في المغرب مثلا، إن كان ينظر لثانويات مثل ديكارت وليوطي وفيكتور هيغو كبوابة لإنتاج النخبة، فإنها مع هذه المذكرة فقدت حظوتها ورونقها. ولم يكتف كلود غيان بتضييق الخناق على حملة الشهادات العليا من المدارس والمعاهد العليا، بل سدد رصاصة الرحمة لحاملي شهادة الباكالوريا الراغبين في متابعة دراستهم في فرنسا. فقد كشفت صحيفة «لوموند» عن صدور مرسوم بالجريدة الرسمية وقعه كلود غيان يفرض شروطا جديدة على حاملي الباكالوريا والراغبين في الحصول على تأشيرة لمتابعة دراستهم في فرنسا، أحد هذه الشروط : توفر الطالب على حساب بنكي برصيد شهري يصل إلى 620 أورو. أي بزيادة 30% على المبلغ السابق. وحسب التبرير الذي قدمه الوزير، فإن هذا المبلغ سيسمح للطلبة بالتفرغ لدراستهم بدل البحث عن عمل لتمويل الدراسة. وذكر كلود غيان بأنه تمنح سنويا 66 ألف تأشيرة للطلبة الأجانب وأن نسبة منهم، لم يحدد عددها، ليسوا سوى طلبة مزيفين. المؤكد أن هذا النوع من المراسيم والقوانين لن تساهم إلا في تبخيس قيمة الجامعات الفرنسية. كما أن الرهان على الفرنسة قد يؤدي إلى تجفيف المواهب والكفاءات وتنوع المعرفة في الجامعات والمعاهد العليا الفرنسية. الحقيقة أن كلود غيان يتحرك بأمر من الرئيس ساركوزي لبواعث أيديولوجية وانتخابية صرفة. فهو يسعى في أفق الانتخابات الرئاسية القادمة، ومن خلال سياسة الأرقام، إلى طرد أكبر عدد من الأجانب، من بينهم الطلبة، وذلك بغية استقطاب الناخبين المحسوبين على اليمين المتطرف. أما الوعد الذي سبق لساركوزي أن قطعه على نفسه لما ترشح لرئاسية 2007، بجلبه لخيرة الكفاءات الأجنبية، فقد تأكد مع مر الأيام أنه لا يعدو كونه مجرد شعار ظرفي.