أيها الزوج.. بيتك دعوة
بقلم: أمل صبري
يجب أن يكون الهدف الذي يرمي إليه المتزوجون في المجتمع المسلم الآن هو تجديد حياة البيوت المسلمة من خلال عودة كلِّ فرد من أفراد البيت المسلم إلى النبع الأصيل في حياة المسلمين جميعًا أفرادًا و بيوتًا والقرآن الكريم، وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم التي تعد المنهج العملي لكل حركة من حركات حياة المسلمين، والذي ارتضاه لهم الله قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا (21)﴾ (الأحزاب)، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى قالوا: ومن يأبى يا رسول الله: قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى" (البخاري) قال تعالى: [[﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31)﴾ (آل عمران)]] كيف كان الرسول الزوج؟
بعض صفات الرسول- صلى الله عليه وسلم- الزوج:
1- يحب زوجته:
لتعلم أيها الزوج الكريم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان زوجًا يحب زوجته ويخبرها بذلك، فالنساء بطبعهن يحببن الكلام الجميل؛ لأن الله تعالى وضع فيهن العاطفة الحساسة.
2- يحترم مشاعرها:
يواسيها عند بكائها: كانت صفية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر, وكان ذلك يومها, فأبطأت في المسير, فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تبكي, وتقول:
حملتني على بعير بطيء, فجعل رسول الله يمسح بيديه عينيها, ويسكتها.."(النسائي).
المبالغة في حديث المشاعر: للحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرخص في شيء من الكذب إلا في ثلاث منها: "الرجل يحدث امرأته, والمرأة تحدث زوجها". (النسائي)
3- يكظم غيظه ولا يهينها عند الخلاف ويتحمل صدودها:
عن عمر بن الخطاب قال: "صخبت علىَّ امرأتي فراجعتني, فأنكرت أن تراجعني قالت: ولم تنكر أن أراجعك؟ فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه، وإن إحداهن لتهجره اليوم حتى الليل". (البخاري) قال صلى الله عليه وسلم: "لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقًا رضي منها آخر". (مسلم) ، ولأن الحياة الزوجية بحاجة إلى التغافل عن الزلَّات، فيجب أن تأخذ معك ممحاة إلى بيت الزوجية؛ لكي تمحو بها الأخطاء.
ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأةً قط:
4- العدل في معاملة الزوجات :
5- أمين على خصوصيَّاتها قال صلى الله عليه وسلم:
"إن من أشرِّ الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه ثم ينشر سرَّها" (مسلم) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقبِّل وهو صائم" (مسلم)
6- يشاركها جميع أحوالها :
في الرياضة البدنية واللهو المباح: عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي: "تعالى أسابقك" فسابقته, فسبقته على رجلي وسابقني بعد أن حملت اللحم وبدنت فسبقني وجعل يضحك وقال: "هذه بتلك". (أبو داود)
7- يعينها على إسعاده:
يمهلها حتى تتزين له: عن جابر قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر, فلما رجعنا ذهبنا لندخل, فقال: "أمهلوا حتى ندخل ليلاً أي عشاء؛ حتى تمتشط الشعثة, وتستحد المغيبة"" (النسائي) لماذا كل هذه الأحاديث التي اهتمت بأن تنقل لنا تفاصيل علاقة الرسول صلى الله عليه و سلم بزوجاته؟ لتوريث فن العلاقة الزوجية الصحيحة للأجيال القادمة؛ لأن استقرار المجتمع المسلم يبدأ من استقرار البيت المسلم، وتعليم الأمة الأصول والمبادئ التي تستقيم بها الحياة الزوجية، والبيت هو المصنع البشري الذي يفرز أجود أصناف البشر في المجتمع المسلم الذين تنهض بهم الأمة من مظاهر نجاح الزوج:
1- بثُّ مشاعر الأمان الحقيقية لدى زوجته.
2- ربانية العلاقة بين الزوج والزوجة، قال سبحانه: ﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (21)﴾ (النساء) ﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ (الروم: من الآية 21) وقال صلى الله عليه وسلم:
"اتقوا الله في النساء، فإنكم استحللتم فروجهن بكلمة الله".
3- اختيار الزوجة الصالحة التي تعد إضافة للزوج وللدعوة الإسلامية مثل أمِّ المؤمنين السيدة خديجة.
4- ممارسة مسئوليته الأخلاقية نحو أسرته فيكون متواضعًا، متسامحًا، عطوفًا، هينًا، لينًا.
5- قادرًا على التحكم بانفعالاته، ويكظم غيظه في أحرج المواقف وأصعبها.
6- يلتمس الأعذار، ويصبر على أخطاء أفراد أسرته، ويعمل على تصحيحها.
7- وسطيًّا ومتوازنًا بين الرومانسية الرقيقة، والواقعية المدركة.
8- يمارس الشورى واحترام الرأي الآخر داخل البيت.
9- يملك القدرة على الموازنة بين الحزم والمرونة، وبين الرعاية والعدل.
10- يخلع عنه هموم العمل ومشاكل المجتمع، ولا يدخل البيت ومعه هذه الهموم والمتاعب التي ستؤثر على تفاعله مع أهل بيته.
11- يُشعر زوجته أن العمل والواجبات وهموم الحياة وحتى الأولاد لن يستطيعوا تغييب مكانتها المميزة، وموقعها الخاص في قلبه.
بعض الخطوات العملية نحو بناء البيت السعيد:
1- الربانية، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)﴾ (التحريم) أساس الانطلاق والحركة وأداء الحقوق والواجبات هو صدق التوجه إلى الله تعالى، ومتانة العلاقة والصلة معه سبحانه، فالله هو الموفق والهادي إلى كل خير، ومهما حاول الإنسان أن يُعطي حق بيته وهو ضعيف الصلة بالله فلن ينجح، وستبوء محاولاته بالفشل، ولن يُنتج في ذلك الميدان، ففاقد الشيء لا يُعطيه، وماذا عساه أن يُعطي مَن فقد المدد بقطع الصلة مع الإله؟!
2- الابتسامة، الابتسامة هي باب لشراء السعادة بأرخص ثمن ابتسم في وجه زوجتك قدر المستطاع، وستنعمان بمشيئة الله بسعادة بالغة تعيد إليكما الأيام الخوالي التي تتندران عليها وتبحثان عنها الآن. لقد شقّ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- طريقه إلى القلوب بالابتسامة، فأذاب جليدها، وبثَّ الأمل فيها، وأزال الوحشة منها، بل سنّ لأمته وشرع لها هذا الخلق الجميل، وجعله من ميادين التنافس في الخير، فقال: "تبسمك في وجه أخيك صدقة" (الترمذي، وصححه ابن حبان). وتذكروا هذه النصيحة العظيمة "إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، ولكن يسعهم منك بسط الوجه، وحسن الخلق"
3- الكلمة الطيبة قال الله تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ (البقرة: من الآية 83)، وقال سبحانه: ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ (الإسراء: من الآية 53) وقال سبحانه: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ (فاطر: من الآية 10) قال صلى الله عليه وسلم: "اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة" قال صلى الله عليه وسلم: "إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرفعه بها درجات" وقال: "والكلمة الطيبة صدقة" وقال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصمت" وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "في الجنة غرفةٌ يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها" فقال أبو مالك الأشعري: لمن هي يا رسول الله؟ قال: "لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وبات والناس نيام"
4- اللسان نعمة من نعم الله، وميزان لصاحبه في الدنيا والآخرة، فاستخدمه لك؛ حتى لا يكون عليك، وقبل أن تتحدث اعرف ما ستقول، وتجنب القول المنفر.. واختر كلامًا جميلاً حتى في مجال النقد؛ لأن الزوجة لها مشاعر وأحاسيس.. وكم أسرت كلمة جميلة قلوبًا وأفئدة، وأسعدت زوجات، وحافظت على استمرار علاقات زوجية كثيرة، رغم وجود الكثير من الظروف المحيطة التي تنغص الحياة وتجعلها مريرة.. وتأتي الكلمة الطيبة من لسان الزوج مثل نسمة الصيف في يوم شديد الحرارة.
5- النفقة والمسلم يؤجر على الإنفاق على أهله كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "دينارٌ أنفقته في سبيل الله, دينارٌ أنفقته في رقبة, ودينارٌ تصدَّقت به على مسكين, ودينارٌ أنفقته على أهلك, أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك" (مسلم). والنفقة على الزوجة مهما كانت ميسورة الحال يجلب لها السعادة والشعور بالبهجة؛ لأنها تشعر بأن زوجها يهتم بها، ويشعر بالمسئولية نحوها، مهما كانت هذه النفقة بسيطة بالنسبة لما تملك من مال أو دخل.
6- المعاشرة بالمعروف، وهو أهم حق لاستمرار الحياة الزوجية واستقرارها، قال تعالى ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19)﴾ (النساء)، وقد فسر ابن كثير المعاشرة بالمعروف بقوله: "أي طيبوا أقوالكم لهنَّ، وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم، كما تحبون ذلك منهنَّ، فافعلوا أنتم بهن مثله". إن مفتاح السعادة الزوجية في يدك أنت، وكذلك حالة زوجتك النفسية، فأنت قائدها، وإحسانك إليها لا ينقص من رجولتك شيئًَا، بل تقوى الله تعالى فيها هو من كمال رجولتك.
7- الهدية، وروى الترمذي من حديث أبي هريرة: "تهادوا فإن الهدية تذهب وحر الصدر" "تهادوا تحابوا" (البخاري في الأدب المفرد) الهدية لو تكلمت بلسان حالها لقالت: أنا رمز التجديد في الحياة الزوجية.. تقول للمُهدى له: أنا أشكرك جدًّا على ما قمت به.. الحمد لله على السلامة.. كم اشتقت إليك؟.. أنا آسف، إن الهدية كلما كانت لها خصوصية، كلما كان لها أثر أكبر، ولعل فرح الزوجة بالورد أكثر من الهدايا الغالية يعود إلى أنها عاطفية تهتز مشاعرها لشكل الورد نموذج للتذكرة بالخطوات العملية نحو البيت السعيد يومي، مثل أسبوعي، مثل شهري، مثل سنوي، مثل: الابتسامة- الملامسة- الكلمة الطيبة- صيام نافلة- قيام الليل- لقاء تدبر للقرآن الكريم هدية- الشورى (حول شئون الأسرة التي تحتاج إلى اتخاذ قرار) ليس بالضرورة يكون كلَّ شهر حسب الحاجة، ولكن لا يغفل الزوج بندَ الهدية أو مشاركة الزوجة في اتخاذ القرارات الأسرية؛ حتى يضمن تفاعلها معه في تنفيذها نجاح الأولاد- تاريخ يوم الزواج وأخيرًا.. وصايا للتذكرة أيها الأزواج:
أيها الأزواج.. إذا كنتم تطمحون في أن تكون بيوتكم وأسركم بحق لبنات المجتمع المسلم المنشود فإن هذا يحتِّم عليكم:
1- المثل الأعلى والقدوة الحسنة لغيركم من خلال بيوت تنبعث منها أخبار المودة والمحبة والاحترام والتقدير والتفاهم بينكم و بين زوجاتكم.
2- أن تبنوا بيوتكم بنجاح، وأن تكون علاقتكم مع زوجاتكم قائمة على أساس حقين اثنين للزوجة: الأول: أنها مسلمة، ولها حق الإسلام "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" الثاني: أنها زوجة، والإسلام كذلك أوجب لها حقوقًا "وإن لزوجك عليك حقًّا".
أيها الأزواج.. اجعلوا هدفكم في هذه الحياة أن تنجحوا في بناء البيوت المسلمة؛ لتكونوا بذلك حراسًا أمناء على ذلك الثغر المهم، والبؤرة الحساسة في جدار وحصن الإسلام، وإلا فإنكم إذا أهملتم هذا الثغر، وفشلتم في بناء البيوت المسلمة، والحفاظ عليها، فإنها المسئولية التي ستحاسبون عليها يوم القيامة. ولا تنسوا قول القائل: "الزوج الكريم يستر مساوئ زوجته؛ حتى عن أوليائها، والزوج اللئيم يتحدث عن مساوئ زوجته حتى لأعدائها". فكونوا كرماء أيها الأزواج، وكونوا ناجحين، ولا تكونوا غير ذلك, أسوة بنبيكم وقدوتكم وإمامكم سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم، وليكن دعائكم دائمًا هو قول الله تعالى: ﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74)﴾ (الفرقان).