بات موضوع الإضرابات مألوفا لدى أسماعنا، إذ لا أحد يصرخ أو يتذمر عندما يعود أبناؤه من المدرسة معللين ذلك:“الإضراب”، أو الأستاذة ”عاملة مالاضي”، أو الأستاذ “عاندو شي شغل” ، أو ما شابه هذه المبررات. لكن السؤال المطروح: إلى متى سنظل ساكتين؟ المدرسين عندما يتضررون من وضعية، يشتكون للنقابات فتقوم هذه الأخيرة بإعطائهم تصريحا يخول لهم حق التظاهر أمام باب
الأكاديميات، والآباء إلى أين يذهبون كي يطالبوا بحق أبنائهم في التمدرس بشكل صحيح؟الكل أصبح يشتكي بوضعية أبناءه المتدنية في المستوى التعليمي، ما عدا من حباه الله عز وجل ذكاء أوفر، إذ وحده لا يعاني من هذه المشاكل، أما عن الباقي فلا أظن ذلك. أيا كان الوضع المادي والثقافي والمعرفي للآباء، حيث يعمل الكل جاهدا كي يحسن مستوى أبناءه في الدراسة، ولكن بدون جدوى“الله غالب“، بكل تأكيد.
كنا من قبل نخجل أن نقول لاباءنا بأننا نحتاج إلى “السوايع”أي أخذ الدعم من أساتذتنا في بعض المواد لأن ذلك كان حكرا على الكسالى-آنذاك كان التلميذ يصنف-في حين أن هذه الظاهرة أصبحت هي الشائعة حاليا، و من لا يستطع فعل ذلك يصبح مقصرا في حق أبناءه. أعلم بحال أسر لا تتغلب حتى على لقمة العيش و تجعل الدعم في أولويات مصاريفها كي تساعد أبنائها على الرفع من مستواهم الدراسي. بل الأغرب من هذا أن الأستاذ يتقاعس في القسم و يمضي الوقت في“ الخاويات“ و يطلب من التلاميذ في نهاية الحصة بأنهم في حاجة للدعم و هو من يستطيع القيام بذلك، ومن يذهب إلى أستاذ آخر يعطيه أقل نقطة ممن يأخذ الدعم معه.ألا تكفيه الأجرة التي يأخذها من الوزارة كي يشرح الدرس للتلاميذ جيدا فيقوم بدعمهم بعد الحصص المقررة, وقتها يستطيع إيصال الفكرة بوضوح, مائتا درهم أو أكثر من كل تلميذ تزيده الطاقة و تعلمه طريقة التلقين من جديد، و تمكن التلميذ من استيعاب الدرس؟ عن نفسي أعرف أشخاصا بالأسماء يقومون بهذا ولا يمكن لأحد أن يتوه عنهم بدليل أن الأماكن المتخصصة للدعم معروفة وواضحة للعيان، خاصة عندما يكتظ التلاميذ على أبوبها وقت الدخول والخروج.
مشكل آخر نخجل من ذكره، و هو المحسوبية التي أصبحت رائجة في مدارسنا, هناك جملة مألوفة لدى الأساتذة و المعلمين كي يعللوا ظاهرة:“هذا التلميذ أو هذه التلميذة-مزيونة في القراية- ما شاء الله”، و عندما نتساءل من تكون نجدها ابنة أو ابن معلم(ة)أو أستاذ(ة)، وكأن الذكاء و الفطنة لا ينزل إلا على هؤلاء. لماذا نزيل الحق لمن له في أن يكون أذكى و ألمع في الدراسة و نعطيه لمن يمكن لأمه أو أبيه أن يحزن أو يتشاجر مع الباقي؟ واضح لأن البقية يمكن أن يحدث معها هذا و قد تصبح في نفس الموقف فيرد لها الجميل...هل هذا عدل؟
آه، نسيت مشكلا أخر:“المدارس الحرة”التي تغدق النقط على تلاميذها، فلا نجد فيها إلا من يحصل على نقط جيدة أو ممتازة، الكل مجتهد و مثابر و ممتاز-غريب، أليس كذلك؟لا يلتحق بالمدارس الخاصة إلا الأذكياء و النوابغ-غير أن هذا يتغير عندما يجتاز هؤلاء اختبار الالتحاق بالسلك الإعدادي أو الثانوي أو الباكلوريا فتظهر المستويات على حقيقتها. هل هذا في صالح التلاميذ؟ نسبيا أجل، لأن هذه النقط يؤخذ جزء كبير منها بعين الاعتبار عندما تجمع مع اختبار آخر السنة فيعطي المجموع معدلا محترما, ولكن من الناحية الإنسانية، و من ناحية التكافؤ و إعطاء لكل ذي حق حقه، هل هذا جائز؟لا أظن لأن الله عز و جل لا يقبل الظلم على عباده، فكيف نقبل به على أنفسنا و على أبنائنا؟ يمكن القول بأن هذه المشاكل هي السبب الرئيسي بل المباشر في تدني مستويات أبنائنا، رغم أن شغلنا الشاغل أصبح هو التفكير في كيفية إصلاح هذا القطاع و النهوض به، إذ أن وصولنا إلى الدرجات الدنيا في الترتيب مع باقي الدول أصبح أمرا مخجلا نستحيي ذكره ، فلم لا نزيل الستار عن خفايا هذه الأوضاع ونناقشها و نضرب على أيدي مرتكبيها كي يكونوا عبرة لهم ولغيرهم، و نعيد التدريس على الأقل لما كان عليه من قبل إن لم نكن نطمح للأفضل، نعيد له هيبته وشرفه وقيمته، ولا نعطي الحق لمن أمه و أباه“ فلان أو علان”.
نترك التعليم في خانته المحترمة الوقورة كي يؤد الرسالة المنوطة به، و يحس أبناءنا بالفعل بأنه “ما ضاع حق وراءه طالب”، وكذلك كي نكسبهم الثقة في نفوسهم و نثمن مجهود من يستحق ومن يملك قدرات ذهنية أكبر ، لا من يملك ثروة أكثر باستطاعته التنقل من هذه المدرسة لتلك أو من هذا الأستاذ لذاك.
ألا تعتقدون معي بأنه آن الأوان كي نصحح عدة أخطاء ساهمت و لا زالت تساهم بشكل وفير في عدة مشاكل يعاني منها هذا القطاع؟ ونتمعن في فكرة: هل يؤد التعليم رسالته على الوجه الأكمل، هل نقوم بتربية جيل واع ، مثقف و كفء يستطيع تحدي الغد بصعابه، ويساير بل يتعقب من سار خطوات عريضة أو سبقنا بآلاف الخطوات؟؟؟