أعطاني عنوانها صديقي رشيد قائلا أنها ليست من الصنف الذي يثير إعجابه ، فهو دائم البحث على الانترنت، في كل يوم جديد يأتي محملا بكل ما جد من أرقام
هواتف الفتيات وصورهن و مقاطع أفلام لأجنبيات وعربيات يرقصن بعضهن عاريات وأخريات شبه عاريات، فرغم عمله في حقل التربية والتعليم إلا أنه قليلا ما يهتم بالقضايا التربوية.
فمنذ أن عرفني بها في فبراير 2008 و نحن نلتقي كل يوم، كنت أزورها و أتجول بين دفاترها الذهبية، وتزورني بدورها في منزلي الذي أقطن به في منطقة باردة من جبال الأطلس. تدخل بيتي من نافدة شبكة الانترنت وتأخذني في أحضانها، تضمني و تدفئني بأفكارها النيرة و المتفائلة والتي تخفف عني مأساتي في هذا الحقل الذي كتب لي، ربما، أن أكون من بين رجاله الشرفاء.
بقينا على هذا الحال لمدة تزيد عن ستة أشهر، أقرأ أفكارها كل يوم، أستشيرها في قضاياي و أحاول في الوقت نفسه الإجابة عن أسئلتها و تساؤلاتها، أحسست وكأني أعشق من جديد و ابدأ حياة حب جديدة لم تكن في الحسبان.
انتهى الموسم الدراسي بنهاية شهر يونيو ما عدا رسميات توقيع محاضر الخروج طبعا و التي تستمر حتى العاشر من يوليو. حزن و فرح، كثير من الفشل و قليل من النجاح، خيبة أمل في الانتقال و مغادرة المناطق النائية أو الالتحاق بشريك الحياة، ترقب ووعود، محاولات لتغطية الشمس بالغربال، ذر الرماد في العيون ، إحصاءات رسمية أريد لها أن تكون غير دقيقة، الكل مستعجل، مذكرات جديدة تحت المجهر، تدمر في أوساط المدرسين، حوار اجتماعي فاشل، ملاحقات و تبادل للتهم، مدراء أكثر قوة و تعسفا، تشديد للخناق، أوامر و نواهي من الأعلى غير قابلة للانتظار أو المخالفة و كأنها آتية من السماء، ترقيات فاقدات للمصداقية، طعون تلوى الأخرى، أباء ،أمهات و أولياء حائرون، غموض و ضبابية في الرؤية، تضارب في الأنباء و ضياع للحقيقة، والحقيقة الوحيدة المؤكدة هي ضياع الحقيقة. لا أحد يملك الجواب لما يجري، فحتى "المسؤولون" أنفسهم لم يفهموا شيئا، قلت لنفسي فحتى أصحاب الفخامة و الحكامة نقصوا في هذه الأيام من ال'فهامة' فكيف لي أنا أن أفهم شيئا؟ كنت قد حصلت على مستحقاتي المادية للسلم العاشر في أواخر شهر يونيو، فالحالة المادية مستورة و الحمد الله، وبعد أسبوع من توقيع محاضر الخروج قررت توقيع محضرا آخر للخروج من هذه الدوامة و سافرت ليلا كي أتجنب هذا الجو الحار و هذه الأجواء الساخنة.
وصلت طنجة حيث أقضي كل سنة شهرا من العطلة الصيفية، أذهب إلى الشاطئ لأستمتع بالسباحة صباحا ، إلى المدينة للتجول مساءا و أتحدث الى ملهمتي ليلا.
في يوم أحد ذهبت كالمعتاد إلى شاطئ أشاقار، كان غاصا بالمصطافين العراة و كأنه يوم الحشر، ألأمواج هذا اليوم جد عالية، البحر هائج و متقلب المزاج. أمضيت النهار في السباحة و لعب الكرة، عدت إلى المنزل متعبا، أخدت حماما ساخنا و بعده كأس عصير بارد. استلقيت على ظهري في غرفتي كي أستريح قليلا وعيناي تحدقان بسقف الغرفة المزركش من غير أن أفكر في شيء محدد، بقيت شارد الدهن لدقائق دون أن اهتم بكل الأفكار التي تتساقط على رأسي كقطرات المطر، فجأة شدت انتباهي صور المصطافين و أنا أسترجعها في خيالي، رأيت أمامي ألأمواج العالية و كل الناس العارية و تخيلت أن الله أمر الرياح أن تاخد المياه خارج الشاطئ بقوة لا متناهية و أرسل بإعصار بحري كا عصار "تسونامي" و ابتلع البحر كل العراة و كل من صاحبهم إلى الشاطئ و تخيلتني اجلس الى جانب كل الأولياء الصالحين وهم يصلون و يدعون لكل الأمة بالخلاص و الثواب و أن يصلح أمورنا و أمور "مسؤولينا".
استعدت حيويتي و نشاطي بعد عشرين دقيقة تقريبا ، قمت كي أتحدث الى عشيقتي لكني لم أتمكن من فتح الصفحة التي أجدها فيها على الانترنت، وبعد محاولات فاشلة أحسست برغبة في البكاء و كأني طفل فقد لعبته المفضلة، و من شدة الغضب أحسست بدوار في رأسي و كأن بداخله إعصارا كذالك الذي تخيلته قبل دقائق، استرحت قليلا ثم غادرت المكان في اتجاه المدينة.
سرت أتجول بين دروب المدينة و أسواقها. في هذا الوقت من النهار تكون الممرات مليئة بالمارة أجانب و مغاربة، الباعة المتجولون و الذين تستقر سلعهم على الرصيف. كل الدكاكين، المحلات التجارية و المقاهي مفتوحة، الكل منغمس في الملذات، الأعين مفتوحة على بعضها البعض. الجالسون في المقاهي يحدقون بمؤخرات النساء و صدورهن البارزة، فالزائر لشوارع المدينة في هذا الوقت من النهار يظن أنه في غرفة جماعية للنوم أو وسط أحياء الدعارة حيث كل النساء عارية. أعين الشرطي مفتوحة على أخرها على السيارات الفخمة ، يتعجب في صمت و يتساءل من أين يأتي هؤلاء بكل هذه النقود لاقتناء مثل هذه السيارات و يتخيل نفسه مهاجر سري في قارب صغير ، و يقترب من قاربه الصغير أخر أكبر لدورية مراقبة الشواطئ وعلى مثنه صديقه الذي يقتسم معه نفس الغرفة كمسكن لهما، يتعرف إليه و يقنعه بالهجرة معه للبحث عن الأموال الكثيرة و على قسط مقبول من الكرامة .
أيقضته من حلمه اللذيذ رؤية سيارة شبيهة بعربات 'الويسترن' و فتح عيناه التواقة إلى رشاوى و مخالفات غالبا ما تكون وهمية، أوقف السيارة بلهف شديد، طلب من السائق الشاب أن يعطيه كل الوثائق و ذهب بعيدا عن مرآى المارة، تبعه صاحب السيارة و بدأا يتفاوضان عن المبلغ الذي سيخلص هذا الشاب القليل التجربة من يد العدالة، فتح محفظته و أعطاه المبلغ خلسة وأعين الشحاذين، اللصوص و المشردين تراقب كل من يخرج شيئا من جيبه و لو كان منديلا ينظف به أنفه.
كررت محاولة مقابلة عشيقتي بعد عودتي من المدينة لكن بدون جدوى و انقطع الاتصال بيننا طيلة شهر غشت و ظننت أنني لن أراها ثانية.
في الأسبوع الأول من شهر شتنبر فتحت نفس النافدة التي كنا نلتقي بها على الشبكة و ادا بها تفتح أمامي كغار 'سيزام'،غمرتني الدهشة و الذهول لملاقتها بعد أن كدت أفقد الأمل في لقائها. اختلط بداخلي الحزن و الفرح، فرحت للقائها ثانية و حزنت لأن شكلها الذهبي الذي ألفته تغير، فبالكاد اصدق أنها هي. فلولا ثقتي بالتكنولوجيا الحديثة و بعالم الانترنت ما كنت لأ صدق أنها هي نفسها التي ألتقيها في هذا العنوان وبعد فتح هده النافدة. بدأت أتحدث إليها و استحضر صورتها الذهبية في خيالي وأبدل كل جهدي كي أآلف شكلها الجديد الذي لم يرقني كثيرا في البداية . مرت أيام على تحدثنا لبعضنا، بدأت ألمس نضجا في طريقة كلامها و في تنظيم أفكارها وبدأ الفرح يتغلب على الحزن بداخلي ، مساحات الظلام تتقلص و مساحات النور تتسع كلما التقيتها، فهي ملهمتي وبين دفاترها تعلمت الكتابة ، بدأت أصلي لأجلها و أحمد الله الذي ساعد المعلم على إخراجها للوجود ، و تطويرها و تسميتها بدفاتر، و كاد المعلم أن يكون رسولا
بقلم: مصطفى
ميدلت
عشق عبر النت
المواضيع المتشابهه
