قراءة في كتاب:الخطاب الإصلاحي التربوي بين أسئلة الأزمة وتحديات التحول الحضاري - منتديات دفاتر التربوية التعليمية المغربية
تسجيل جديد
أبرز العناوين



دفاتر أخبار ومستجدات التربية الوطنية و التكوين المهني هذا الركن بدفاتر dafatir خاص بالأخبار والمستجدات الوطنية المتعلقة بقطاع التربية الوطنية والتعليم المدرسي و التكوين المهني

أدوات الموضوع

ابن خلدون
:: دفاتري ذهبي ::
تاريخ التسجيل: 7 - 2 - 2008
المشاركات: 2,478
معدل تقييم المستوى: 448
ابن خلدون على طريق التميزابن خلدون على طريق التميزابن خلدون على طريق التميز
ابن خلدون غير متواجد حالياً
نشاط [ ابن خلدون ]
قوة السمعة:448
قديم 23-06-2009, 23:04 المشاركة 1   
افتراضي قراءة في كتاب:الخطاب الإصلاحي التربوي بين أسئلة الأزمة وتحديات التحول الحضاري

قراءة في كتاب:
الخطاب الإصلاحي التربوي بين أسئلة الأزمة وتحديات
التحول الحضاري: رؤية سوسيولوجية نقدية"
تأليف: ذ.مصطفى محسن(*)


قراءة: نور الدين الطاهري(**)
تندرج هذه الدراسة القيمة، للأستاذ مصطفى محسن، حول موضوع الخطاب الإصلاحي التربوي…[1]في إطار مشروعه الفكري الهادف إلى المساهمة في تأسيس فكر تربوي وسوسيولوجي قائم على منظور نقدي.
ولهذا المشروع الفكري مقومات معرفية إبستمولوجية تؤطر رؤية الباحث المنهجية التي يقترحها منطلقا للحوار التكاملي والنقد المنفتح، وهو ما يسميه الباحث بالنقد المتعدد الأبعاد: Critique multidimensionnelle.
ومن أهم هذه المقومات المعرفية-الإبستمولوجية للمشروع[2]:
أولا، ضرورة تحديد الإطار التخصصي، الذي ينطلق منه الباحث في النقد والتحليل في كل مقاربة أو قراءة أو تحاور؛
ثانيا، الاعتراف بأن المسافة النقدية التي يفترض أن يتخذها الباحث في مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية تجاه الواقع المبحوث لا تتسم سوى بصلاحية أو مصداقية نسبية،
ثالثا، أهمية الوعي بالخلفية النظرية والمنهجية التي يتم اعتمادها في مقاربة ما، أو في مجال تخصصي معين،
رابعا، الوعي بتعددية وتعقد واختلاف أبعاد الظواخر الاجتماعية -والتربوية منها بشكل خاص- والتي يتم اتخاذها موضوعا للدراسة،
خامسا، العمل على تجنب الطروحات الاختزالية الضيقة، أي أهمية الاحتراس من اختزال الواقع المتعدد والمتحول في أحد أبعاده أو جوانبه.
هذه باختصار وتركيز شديدين أهم المقومات المعرفية-الإبستمولوجية للمشروع الفكري للباحث، رأينا ضرورة تسجيلها في مقدمة هذه القراءة لدراسته الجديدة حول موضوع الخطاب الإصلاحي التربوي… ويبقى أن نشير في هذا الإطار، إلى أن لهذا المشروع الفكري مقومات أخرى ذات طبيعة اجتماعية-تاريخية، منها: نقد الذات في هويتها الخصوصية والكونية، وفي بعدها الزمني-التاريخي، وفي كل أبعادها السوسيولوجية والثقافية والحضارية؛ ونقد الآخر/المغاير الحضاري أيضا في اختلافه وتميزه؛ وثالثا، نقد اللحظة الحضارية بكل أبعادها ودلالاتها محليا وكونيا[3]. وهكذا، فإن تكامل هذه المقومات المعرفية والاجتماعية-التاريخية هو ما يعطي لهذا المشروع شموليته النقدية وأهميته التأسيسية الكبيرة. وخصوصا في هذا المنعطف الحضاري الكوني الجديد، الذي تمر منه مجتمعاتنا، والذي تتقاذفه رياح العولمة الزاحفة.
الإشكالية المحورية في الدراسة وتساؤلاتها الأساسية:
اهتمت الإشكالية المحورية في هذه الدراسة، أساسا، بتحليل مرجعيات الخطابات السائدة حول الأزمة والإصلاح التربوي، وذلك من خلال تقديم قراءة نقدية لمضامين وتصورات وتوجهات الخطاب الإصلاحي التربوي، وبالتالي لمفهومي الأزمة والإصلاح بالذات، وما لهما في هذا الخطاب من أبعاد ودلالات فلسفية وسياسية واجتماعية متعددة.
ويمكن اختزال أهم الأفكار والطروحات والتصورات التي عالجتها هذه الدراسة في مباحثها الستة، في التساؤلات الأساسية التالية:
أولا، ما المقصود، تحديدا، بمفهوم الأزمة؟ وهل هي أزمة قطاع تربوي أم أزمة نظام مجتمعي؟ وكيف تعاملت الخطابات السائدة مع هذا المفهوم "الجدلي"؟
ثانيا، ما هي أهم التجليات أو التمظهرات(*) التي تعبر فيها وبواسطتها هذه الأزمة عن ذاتها؟ وما هي، تبعا لذلك، أهم عواقبها(**) وآثارها التربوية والاجتماعي السلبية؟
ثالثا، ما هي أهم المقترحات التحليلية والتفسيرية التي يقدمها، حول مفهومي الأزمة والإصلاح في المجال التربوي، كل من المرجعية الليبرالية، والمرجعية النقدية الماركسية، والمنظور التكاملي الحواري؟
وإجمالا، تنتهي مجموعة علامات الاستفهام هذه بسؤال أكبر: ما هي أهم العناصر الأولية للتفكير في شروط ومستلزمات الإصلاح التربوي المنشوذ، الكفيل يتجاوز الأزمة القائمة بكل عواملها وحواملها واستتباعاتها السلبية؟
وفي هذه القراءة، سنركز على مجموعة من المحاور التي نراها أساسية، وهي تحديدا محاور ستة:
1 ـ مفهوم "الأزمة" في المجال التربوي بين المنظور النقدي والمنظورات التقنوية والاختزالية
2 ـ أهم تمظهرات الوضع المأزمي التربوي في المجتمع المغربي
3 ـ العواقب والامتدادات التربوية والثقافية والاجتماعية لأزمة النظام التربوي بالمغرب
4 ـ نحو منظور تكاملي شمولي لمفهومي الأزمة والإصلاح.
5 ـ عانصار أولية للتفكير النقدي في شروط ومستلزمات الإصلاح التربوي المنشود
6 ـ الخطاب الإصلاحي التربوي ومسألة الهوية الإسلامية.

I ـ مفهوم الأزمة في المجال التربوي بين المنظور النقدي والمنظورات التقنوية والاختزالية:
لتأسيس رؤيته النقدية للخطابات التي تتعامل مع مفهوم الأزمة ينطلق الباحث من الدلالة العامة للمفهوم: فالأزمة عنده هي: "مجموعة من العوائق والمشكلات والعراقل والتوعكات التي يعاني منها قطاع أو مجال أو شيء ما، والتي تشل حركيته العادية، وتخلخل أو تعوق إيقاع سيره الكبيعي، أو تجعله محدود المردودية والكفاية، غير مستجيب، بشكل فعال، لمجمل الأهداف والغايات والمقاصد، التي من المفترض أن يسير باتجاه تحقيقها"[4].
وانطلاقا من هذا المفهوم في دلالته الأكثر عمومية، تقترح هذه الرؤية النقية تجنب الوقوع في منزلقين: التعامل الذي يجعل من الأزمة مجرد اختلال وظيفي Dysfonctionnement لا يتطلب سوى بعض التعديلات الإصلاحية البسيطة، هذا أولا، ثانيا، الوقوع في منزلق المنظورات التقنوية والاختزالية الضيقة: Technicistes et Réductionistes التي تفسر الكل بالجزء، "فتقلب بذلك منطق الأشياء، وتجعل من هذا الجزء ممتكلا لقدرة تفسيرية عجيبة للكل المجتمعي، وذلك بدل أن يكون هذا الكل هو المتحكم في الجزء، يفسره، ويحدد معالمه، بل ومآله أيضا. وذلك دون إلغاء نهائي لهذا الجزء ولدوره التفسيري أيضا"[5].
وعلى عكس الطروحات التقنوية المغرقة في التبسيطية والميكانيكية يعتقد الباحث أن أزمة النظام التربوي، في المغرب على الخصوص، هي "أزمة مركبة متشابكة العناصر والمكونات. إنها أزمة بنيات وهياكل، وتوجهات تنموية، واختيارات سياسية وثقافية واقتصادية واجتماعية شمولية، وناظمة للكل المجتمعي، بتعدد مجالاته وقطاعاته الإنتاجية والاجتماعية العامة"[6].
II ـ أهم تمظهرات الوضع المأزمي التربزي في المجتمع المغربي:
ومن أهم التمظهرات، من وجهة نظر الباحث، التي تعبر عن بعض جوانب ومؤشرات الواقع المأزمي للنظام التربوي بالمغرب راهنا[7]:
1 ـ عجز النظام التعليمي والسياسة التربوية عموما عن تحقيق الدمقرطة الحقيقية والتكافؤ الشامل للفرص التعليمية والاجتماعية،
2 ـ واقع الانفصام القائم حاليا بين مضامين التربية والتعليم والتكوين وبين الحقل الثقافي والاجتماعي العام،
3 ـ وضعية اللاتطابق بين مخرجات أنظمة التعليم والتكوين وبين قطاعات الشغل والاقتصاد والمجالات الإنتاجية والاجتماعية العامة،
4 ـ ضعف المردودية أو الكفاية الداخلية للأنظمة التعليمية والتكوينية،
5 ـ تمامي شروط ومظاهر التبعية لمراكز القرار الأجنبية (كالهيئات الفرانكوفونية، وصندوق النقد الدولي، واليونسكو… وغيرها من الهيئات والمنظمات الحكومية وغير الحكومية النشطة في المجالات التربوية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية المتعددة)
6 ـ فشل النظام التربوي في المغرب في التوصل إلى تأسيس مدرسة وطنية موحدة ومستجيبة في مقوماتها، ومضامين تعليمها، ولغتها، وأهدافها، وتوجهاتها لمتطلبات وحاجات المجتمع المغربي المعاصر،
7 ـ الواقع المتأزم للمسألة التعليمية في الوسط القروي،
8 ـ أزمة الجامعة والتعليم العالي عموما: (أزمة البنيات والهياكل التنظيمية، إشكالةي مضامين التعليم والتكوين، أزمة البحث العلمي والأطر الجامعية الباحثة، مشكلات التنامي غير المراقب وغير المنظم لقطاع التعليم العالي الخاص، أزمة الثقافة الجامعية).
III ـ العواقب والامتدادات التربوية والثقافية والاجتماعية لأزمة النظام التربوي بالمغرب:
وكما تعبر هذه الأزمة التربوية الاجتماعية نفسها من خلال بعض المظاهر المشار إليها قبلا فإن لها عواقب وامتدادات تربوية وثقافية واجتماعية… من أبرزها[8]:
1 ـ على مستوى تكوين المواطن:
ـ غياب المرجعية الفكرية والاجتماعية المتكاملية التي يفترض أن تكون مؤطرة وموجهة لنظامنا التربوي،
ـ هشاشة الربط المخطط والهادف لأنظمة التعليم والتكوين المختلفة في أنماطها ومستوياتها، بالمحيط الثقافي والاقتصادي والاجتماعي الشامل.
2 ـ على مستوى المكانة الاجتماعية والاقتصادية للمدرسة:
فنتيجة لعلاقة اللاتكامل والانفصال القائمة بين النظام التربوي والنظام الإنتاجي والاجتماعي عامة، فقدت المدرسة المغربية في الشروط الراهنة الكثير من قيمتها أو مكانتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي كانت تحظى بها في مواقف وتصورات المواطن المغربي.
3 ـ على مستوى تحولات النسق القيم والمجتمعي العام:
"إن تدهور القيمة الاجتماعية والاقتصادية للمدرس لا يعمل، في واقعنا الراهن، سوى على تعميق العديد من التصورات التي تساهم في تجدير آليات تبخيس قيم العلم والتعليم والمعرفة والثافة والفن، وكل أشكال الإبداع والابتكار، واستبدلها بقيم مناقضة، منحطة في مجملها، تؤكد على تصدر قيم المال والوجاهة الاجتماعية وامتدادها…"، كما يقول المؤلف نفسه في كتابه (ص: 47).
4 ـ على مستوى بروز أو تفاقم بعض المشكلات والقضايا التربوية والثقافية:
كاستفحال ظاهرة الأمية بكل مفاهيمها ودلالاتها وأنماطها، وانفجار المسألة الشبابية، على حد تعبير الباحث، وهجرة الكفاءات والخبرات العلمية والفنية…
IV ـ نحو منظور تكاملي شمولي لمفهومي الأزمة والإصلاح:
ينطلق الباحث من ملاحظة منهجية أساسية مفادها: أن الإصلاح التربوي يتضمن –في دلالته الشمولية- محمولات ومضامين مجموعة من المفاهيم المجاورة ويتجاوزها في الآن ذاته. ومن هذه المفاهيم: التجديد التربوي Innovation Educative والتطوير والإنماء التربوي: Développement Educatif، والتحديث التربوي: Modernisation Educative، والتغيير التربوي: Changement Educatif…الخ.
وتأسيسا على المنظور السوسيولوجي الذي يعتمده الباحث خلفية منهجية موجهة لهذه المقاربة، يؤكد على أهمية النظر إلى هذا المفهوم "في أبعاده الشمولية، وليس كمجرد إجراء جزئي أو ظرفي يمارس على مكون أو مجال تربوي ما داخل قطاع التربية والتعليم والتكوين، أو حتى على هذا القطاع برمته، وإنما باعتباره إصلاحا شاملا يجب أن يمتد مفعوله ليتداخل ويتفاعل مع كل مكونات ومجالات النظام الاجتماعي الشمولي"[9].
ومن هذا المنظور يخصص الباحث مساحة صفحات المبحث الثالث من دراسته لأهم المقترحات التحليلية والتفسيرية التي يقدمها، حول مفهوم الأزمة والإصلاح التربوي، كل من المرجعية الليبرالية، والمرجعية النقدية الماركسية، ليخلص إلى تبنيه للمنظور السوسيوبنائي التاريخي، فاسحا المجال، في اعتقاده، لمرجعية ثالثة أطلق عليها تسمية: مرجعية حوارية أو تكاملية أرادها أن تكون قائمة على اعتبارات منهجية واجتماعية محددة[10]وهادفة إلى تدعيم التقارب بين النظريتين الكبيرتين: الماركسية والبنيوية الوظيفية.
إن المنظور التكاملي الشمولي لمفهومي الأزمة والإصلاح في المجال التربوي عند الباحث يتطلب "الالتزام برؤية واسعة تتجنب الاختزال، وتقوم على نقد مختلف الرؤى والتصورات الضيقة المحدودة، وتنظر بناء على ذلك، للأزمة التربوية التي تعرفها مجتمعاتنا في مختلف أبعادها ودلالاتها ومكوناتها وامتداداتها… كما تنظر إلى الإصلاح التربوي أيضا في شموليته، أي باعتباره أنه يجب أن يكون ناظما للكل التربوي، وممتدا، ومتداخلا مع المحيط الاقتصادي والسياسي والاجتماعي العام الذي يستهدفه"[11].
V ـ عناصر أولية للتفكير النقدي في شروط ومستلزمات الإصلاح التربوي المنشود:
يزاوج الباحث في تناوله لمسألة الإصلاح التربوي بين نموذجين يتمحوران حول مستويين من التحليل: الأول المستوى الميكرو سوسيولوجي ومجاله التحليل هو النظام التربوي تحديدا، والثاني المستوى الماكرو سوسيولوجي، والذي يربط بين إصلاح القطاع التربوي وبين الإصلاح الشمولي للنظام المجتمعي القائم.
ومن هنا يؤكد الباحث على استخلاص مركزي في دراسته مفاده أن الإصلاح التربوي القادر على تجاوز الأزمة التربوية والاجتماعية القائمة هو ما يسميه الباحث بـ: "الإصلاح المتوازي والمتكاملي المسارات"[12]أي ذلك الإصلاح "الذي تنتظم فيه بشكل جدلي وتكاملي، كل الجوانب والمكونات التي تجعل منه إصلاحا شموليا متجنبا لكل اختزال أو تجزيء تبسيطي للمجال المعني"[13].
وانطلاقا من هذه الرؤية التكاملية، التي استلهمها الباحث خلفية موجهة لمقاربته للخطاب التربوي الإصلاحي في هذه الدراسة، يستنتج أهم العناصر الأولية للتفكير النقدي في شروط ومستلزمات الإصلاح التربوي المنشود، الكفيل، في اعتقاده، بتجاوز الأزمة القائمة بكل عواملها وحواملها واستتباعاتها السلبية، وهي[14]:
1 ـ إن الإصلاح التربوي، الذي يطمح إلى أن يكون عقلانيا وإيجابيا يفرض ضرورة الانطلاق من التحديد الدقيق للأزمة التربوية القائمة، ومن المعرفة العلمية الكافية لأسبابها، ومكوناتها، وتجلياتها، وامتداداتها،
2 ـ يترتب على ما سبق أهمية تدعيم البحث العلمي، لا في الميدان التربوي فقط، بل في مختلف المجالات الاجتماعية،
3 ـ إن التحديد الشمولي للأزمة، لا ينبغي أن يفهم منه أنه يلغي الأهمية النسبية، التي يمكن أن يحتلها بعض عواملها ومكوناتها في إطار تراتبيتها البنيوية، غير أن إقرار هذه الأهمية النسبية لا يتنافى، نظريا ومنهجيا، مع ضرورة الإدراك الشمولي لكافة عوامل وعناصر الأزمة،
4 ـ من أبرز المظاهر السلبية للخطاب التربوي الرائج حاليا، تبنيه لبعض الطروحات والمفاهيم والنظريات بلا وعي نقدي كاف بأسسها وخلفياتها ونتائجها،
5 ـ من أهم أسباب فشل الإصلاحات التربوية والاجتماعية التي توالت على مجتمعنا منذ الاستقلال إلى الآن، أنها لم تكن منبثقة من اختيارات وحاجات وتوجهات وطنية ذاتية وخاصة، بقدر ما كانت نابعة –في إطار أوضاع التبعية- من جهات ومصادر أجنبية غربية، لا تمت، في أهدافها ورهاناتها، بأية صلة إلى هذه المجتمعات.
6 ـ تؤكد التجارب والنماذج الإصلاحية في المجتمعات المتقدمة بالذات أهمية التخطيط التربوي في ترشيد السياسات والمشاريع الإصلاحية[15].
7 ـ إن الإصلاح يستلزم ألا يعد أنه مجرد إجراء يمكن الانتهاء من تنفيذه في ظرفية تاريخية واجتماعية معطاة، ولمعالجة بعض المشكلات أو الأزمات الظرفية العابرة، وأنه بذلك يتوقف فور تخطيها وتجاوزها، وإنما يجب اعتبار هذا الإصلاح سيرورة أو مواصلة اجتماعية مستمرة ودائمة،
8 ـ يستلزم الإصلاح التربوي تحديد إطار توافقي عام يشارك في بلورته وتأسيس دعائمه ومنطلقاته جميع الأطراف والجهات والفعاليات الوطنية، سواء المنتمية منها إلى المجتمع السياسي أو المجتمع المدني.
VI ـ الخطاب الإصلاحي التربوي ومسألة الهوية الإسلامية:
من بين جوانب القوة في الرؤية النقدية للباحث تخصيصه لحيز هام لعامل اللغة العربية في مجال الإصلاح التربوي، حيث نجده يشدد، غير ما مرة، على أهمية هذا العامل اللغوي، إذ أن "أي إصلاح تربوي، أو أي تحديث، أو إصلاح اجتماعي لا يمكنه أن يستقيم إذا هو أغفل، أو تجاهل لسبب أو لآخر هذا المقوم الحضاري الهام: اللغة العربية"[16].
ومن جوانب القوة، أيضا، في هذا الرؤية النقدية النظرة الشمولية والربط المنهجي بين "المسافة التربوية" و"المسألة السياسية" و"المسألة الاجتماعية". فبعض خطابات الإصلاح التربوي –كما لاحظ بحق الباحث- إذ تفصل بين هذه المسائل، فإنها "تكشف بذلك عن مفارقتها للواقع الملموس، بل وعن مساهمتها في تحريف وتزييف الوعي به"[17].
وإذا كان الباحث قد وفق في أطروحاته التحليلية النقدية لبعض خطابات الإصلاح التربوي في تقديم مقدمات لبدائل ناضجة من خلال ربطه بين "المسألة التربوية" و"المسألة السياسية" و"المسألة اللغوي" فإننا نلاحظ عدم تركيز كبير على مسألة الهوية الإسلامية[18]، وهي في اعتقادنا، أم المسائل ومسألة المسائل في أي مشروع غصلاحي أو تغييري، تربوي أو اجتماعي. إننا لا نجد في المرجعية الحوارية والتكاملية التي يقترحها علينا الباحث، في معالجته لمفهومي الأزمة والإصلاح التربوي، حضورا بارزا لمسألة الهوية الإسلامية. فهذه المرجعية النقدية الحوارية تركز على محاولات التوفيق والمكاملة بين المرجعية الليبرالية والمرجعية المراكسية، بهدف تجاوزهما بمرجعية بديلة. وفي اعتقادنا، فإنه لا يمكن تبني مثل هذه المرجعية التوفيقية بأمان إلا من خلال الحذر من التسليم بالأطروحات التالية، وهي تحديدا أطروحات أربع:
أولا، ضرورة التضحية بالهوية الإسلامية من أجل الوجود، وهي أطروحة مردود عليها، فلا وجود من دون هوية، فالهوية والوجود متلازمان، وبالتالي لا يمكن التضحية بأحدهما دون التضحية بالآخر. فمن يفقد هويته يفقد وجوده، تماما كما يفقد النهر وجوده بمجرد أن يترك هويته ليتلاشى في البحر، عندها يصبح بحرا لا نهرا[19].
ثانيا، إن ما يميز أمة عن أمة هو ماضيها فقط، وهي أطروحة مردود عليها، أيضا، فالهوية الحية هي التي تعرف كيف تلائم بين تاريخها وإمكاناتها ومستقبلهان بين ما كان وما هو كائن وما ينبغي أن يكون. فحركة التاريخ تتميز عن كل الحركات الأخرى بأنها حركة غائية لا سببية فقط. وهذا ما يبدو أن المؤلف يراهن على الوعي به من خلال اهتمامه بالبعد السوسيوتاريخي لمشروعه النقدي.
ثالثا، الصلاحية المطلقة لكل زمان ومكان للمنظومة المعرفية التي شيدها الغرب لنفسه، بهدف إعادة بناء التاريخ البشرية ومحورته حول الذات، من خلال فلسفات التاريخ التي عرفت رواجا واسعا في أوربا، خلال القرنين الثامن والتاسع عشر، ومن خلال "الاستشراق" الذي شيد لأوربا "ثقافة كاملة عن الشرق تجعله الآخر بالنسبة إليها، لا الآخر الند، بل الآخر الأدنى الجامد المنحط المتخلف"[20]. هذا مع التذكير بالموقف النقدي المتحفظ والحواري للمؤلف إزاء هذه المنظومة المعرفية الغربية.
رابعا، أن الغرب قد تحرر من خلفياته الثقافية الدينية، وأنه غرب علماني خالص براغماتي لا غيير. ويرد الدكتور الجابري على هذه الأطروحة بقوله: "وسنكون مخطئين إذا نحن اعتقدنا أن الغرب قد تحرر من تلك الخلفيات الثقافية الدينية التي كانت توجه فلاسفة التاريخ والمستشرقين وأنه الآن غرب علماني خالص، عقلاني براغماتي لا غيير، سنكون مخطئين إذا نحن جردنا الغرب عن ذاكرته الثقافية الدينية، ذلك لأنه إذا كانت هذه الذاكرة تفعل بصورة واعية في الكنسيين والمتطرفين العنصريين في كل من أوربا وأمريكا فهي تفعل بصورة لا واعية في العلمانيين والليبراليين، وهي تميط عن نفسها بين حين وآخر من خلال ردود فعل معينة غير مراقبة"[21]. بهذه الآفاق الحوارية التي تفتحها هذه الدراسة، ننهي هذه القراءة لكتاب الخطاب الإصلاحي التربوي…للأستاذ مصطفى محسن، وهو كتاب جدير بالقراءة والمناقشة والنقد من طرف المهتمين بمجالات الفكر التربوي والاجتماعي بعامة، وسوسيولوجي التربية بخاصة. وسواء تعلق الأمر بالواقع المغربي أو بسياقنا العربي والثالثي بشكل عامn




(*)أستاذ سوسيولوجيا التربية والتنمية والشغل، مركز التوجيه والتخطيط التربوي، الرباط، المغرب.

(**)مفتش في التوجيه التربوي، القنيطرة، المغرب.

[1]ـ مصطفى محسن، الخطاب الإصلاحي التربوي: بين أسئلة الأزمة وتحديات التحول الحضاري…، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء،بيروت، الطبعة الأولى، 1999.

[2] ـ مصطفى محسن: في المسألة التربوية: نحو منظور سوسيولوجي منفتح، شركة بابل للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط، الطبعة الأولى، 1992، ص5-7.

[3]ـ للمزيد من التفاصيل حول المقومات الاجتماعية-التاريخية للمشروع الفكري للباحث انظر: مصطفى محسن في المسألة التربوية…، نفس المرجع السابق، ص7-8.

(*) المقصود بتمظهرات الأزمة عند الباحث، تلك التجليات التي تبرزها أمام الملاحظة، وتشكل مؤشرات دالة عليها.
(**) يحدد الكاتب عواقب الأزمة في تلك الامتدادات والآثار العميقة والسلبية عموما لهذه الأزمة، أي تغلغل مفاعيلها في ثنايا النسيج المجتمعي برمته، فكرا وممارسة عينية ملموسة.



[4]ـ مصطفى محسن، الخطاب الإصلاحي…، مرجع مذكور سالفا، ص19.

[5]ـ نفس المرجع السابق، ص23

[6]ـ نفس المرجع السابق، ص23-24

[7]ـ يراجع في هذا الإطار المبحث الثاني من الكتاب المذكور سالفا، والمتحور حول أهم تمظهرات الوضع المأزمي التربوي الراهن في المجتمع المغربي المعاصر، ص27-41.

[8]ـ انظر المبحث الثالث من نفس المرجع السابق، والمتمحور حول أبرز العواق والامتدادات التربوية والثقافية والاجتماعي لأزمة النظام التربوي في المغرب، ص43-55.

[9]ـ مصطفى محسن، الخطاب الإصلاحي…، مرجع مذكور سالفا، ص61

[10]ـ فيما يتعلق بالاعتبارات المنهجية والاجتماعية للمرجعية الحوارية عند الباحث، راجع المرجع السابق نفسه، ص67-70

[11] ـ المرجع السابق نفسه، ص69

[12]ـ ركز الباحث في هذا الإطار على المسارات التالية: المسار الفكري والسياسي العام، المسار البيداغوجي، المسار الاقتصادي، المسار التنظيمي، المسار الاجتماعي، والمسار الثقافي. للمزيد من التفاصيل حول طبيعة هذه المسارات، راجع الصفحات 84-88 من الكتاب موضع هذه القراءة.

[13]ـ مصطفى محسن، الخطاب الإصلاحي…، مرجع مذكور سالفا، ص84

[14]ـ لقد خصص الباحث المبحث الخامس لموضوع العناصر الأولية للتفكير في بناء رؤية اجتماعية نقدية لأهم شروط ومستلزماتن مشروع الإصلاح التربوي، ص71-88.

[15]ـ يؤكد الباحث، في هذا الإطار، على أهمية التخطيط الاستراتيجي وما أصبح له من مكانة في السياسات التخطيطية المعاصرة.

[16]ـ مصطفى محسن، الخطاب الإصلاحي…، مرجع مذكور سالفا، ص103.

[17] ـ نفس المرجع السابق، ص106-107

[18]ـ يميز الجرجاني في تعريفاته بين الماهية والهوية والحقيقة والذات والجوهر، فيقول: "والأمر المتعقل (أي فكرتنا عن الشيء) من حيث إنه مقول في جواب ما يسمى ماهية، ومن حيث ثبوته في الخارج يسمى حقيقة، ومن حيث امتيازه عن الأغيار هوية، ومن حيث حمل اللاوازم له ذاتا، ومن حيث يستنبط اللفظ مدلولا، ومن حيث إنه محل للحوادث جوهرا".

[19]ـ مصطفى الحاج علي، الهوية من منظور فلسفي-إسلامي، مدخل نظري لنقاش علاقة المثقف بالهوية، مجلة المنطلق، العدد 99، شعبان/رمضان، 1413، ص23.


[20] ـ محمد عابد الجابري، مسألة الهوية: العروبة والإسلام… والغرب، مركز دراسات الوحدة العربية، سلسلة الثقافة القومية.(27)، الطبعة الأولى بيروت، أبريل 1995، ص126.

[21] ـ نفس المرجع السابق، ص136-137.











آخر مواضيعي

0 نتائج الحركة الانتقالية الجهوية الخاصة بهيئة التدريس بجهة طنجة تطوان
0 بلاغ تنسيقية خريجي المدارس العليا للاساتذة
0 الصحة الجسدية والعقلية للطفل موضوع برلمان الطفل في أكاديمية الجهة الشرقية
0 المغرب يشارك في الدورة ال61 لمجلس المكتب الدولي للتربية
0 فروع النقابة الوطنية للتعليم في الجديدة تحتج
0 وقفة احتجاجية لثلاث نقابات في طانطان
0 التعيين المباشر أهم من التكوين في سلك التبريز!.. ا
0 العصبة الوطنية للدكاترة تطالب بالتعجيل بتغيير إطارها
0 ددوشي: قطاع التربية البدنية يعاني عدة إكراهات في المدرسة المغربية
0 أعوان الجامعة الحرة للتعليم في الجديدة يطالبون بتنظيم عملهم


ابن خلدون
:: دفاتري ذهبي ::


تاريخ التسجيل: 7 - 2 - 2008
المشاركات: 2,478

ابن خلدون غير متواجد حالياً

نشاط [ ابن خلدون ]
معدل تقييم المستوى: 448
افتراضي
قديم 23-06-2009, 23:10 المشاركة 2   

ط§ط¶ط؛ط· ط¹ظ„ظ‰ ط§ظ„طµظˆط±ط© ظ„ط±ط¤ظٹطھظ‡ط§ ط¨ط§ظ„ط­ط¬ظ… ط§ظ„ط·ط¨ظٹط¹ظٹ
مجلة ثقافية فكرية
المدير الإداري : محمد إبراهيم بو علو
صدرت أول مرة في سبتمبر 1997
المدير ورئيس التحرير المسؤول : محمد عابد الجابري
سكرتير التحرير: عبد السلام بنعبد العالي

إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أسئلة, الأزمة, التحول, التربوي, الحضاري, الإصلاحي, بين, وتحديات, قراءة, كتابالخطاب

« أساتذة جامعة ابن طفيل يطالبون بمراجعة القانون 00.01 | خطأ وراءه جامعة الحسن الثاني بالمحمدية يرهن مستقبل العديد من الطلبة »

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
قراءة في كتاب حول النظام التربوي بالمغرب للدكتور سعيد الراشدي abdou_rabbih دفاتر أخبار ومستجدات التربية الوطنية و التكوين المهني 4 27-06-2009 09:53
الكفايات في الخطاب التربوي nour eddine baligh الدفتر العام لللتكوين المستمر والامتحانات المهنية 0 13-12-2008 10:58
بوفيس فانسون رئيس تحرير مجلة 'تشالينجز': أظن أننا بحاجة أكثر في هذه الأزمة إلى قراءة pikasso55 دفاتر المواضيع الإسلامية 1 18-10-2008 07:37


الساعة الآن 15:47


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات دفاتر © 1434- 2012 جميع المشاركات والمواضيع في منتدى دفاتر لا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة المنتدى بل تمثل وجهة نظر كاتبها
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات دفاتر تربوية © 2007 - 2015 تصميم النور اونلاين لخدمات الويب المتكاملة