السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تتأزم شتات من المواقف فتحصر نطاق التفكير في منظور ضيق، وتحصر سعة البال وتقلصه عنرحابة الصدر، ينعكس ذلك على المحيّا من علامات البؤس والضيق والغضب، ومعها يبدوالوجه مسوداً قاتماً وقد كظم ضيقه في صدره؛ فما عاد أحد يطيق النظر إلى وجهه، وقدتطاير الشرر من سآمته، ولا مناص من رحابة تطلّ عليه، وبشاشة تغمره إلا بابتسامةغرّاء، تبدّل الخطوط المتعرّجة على القسمات، وتظلها بِطلّة بيضاء، وقد تفتّقت الوجنتان بحمرة زاهرة، وكشفت عن ثغر افترّ عن ابتسامة رقراقة صافية.
ولكم هي المواقف التي تثير في نفوسنا الشجن والألم، إلا أنه بابتسامة صغيرة من ذلك الثغرليكشف عن جمال دريّ بديع، يزرع الانشراح والسرور في قلب صاحبه وقلوب محبيه، ولا عجب من ذلك؛ فهي دوافع نفسية غريزية تسهم في بشاشة ورحابة تغرس في القلب، وتبث الهدوءوالراحة في أغلب الأوقات، وأتعجب من أناس أثقلتهم الهموم عن رغد الحياة والأنس فيظلالها، ومع ذلك كله تجد عند أحدهم بسمة برّاقة تشفي السقيم، وتنعش الكسول، وتحييالكئيب، لم تحُل الهموم بينهم وبين بث بسماتهم الجميلة لينيروا عتبات الحياة التي أظلمتها التعاسة واكفهرار الوجوه، وأكلتها بشقاء ما له نظير، وبأجواء كأنها جُرُفٌ هاوٍ.
كثير من المعضلات كانت أسمى حلولها ابتسامة مشرقة، فكانت كفيلة لوأدمشكلة وهي في مهدها، وما أشقى أناساً بخلوا بإشراق الابتسامة في وجوههم، ولو علمواما لتلك الابتسامة من إيجابيات فوّارة لما توانوا للحظة أن يجودوا بها، فهي تفتّ فتيل الأعصاب، وتزرع البشاشة والسعادة، وتبث الراحة في الخاطر، وتفعّل من عضلات الوجه، وتزيد من قوتها، وتبعد الانكماش والعزلة عن المرء، وتزرع في نفسه الهدوء وحلاوة المطية، وترخي البدن، وتجد من الناس المحبة والترحاب، وغيرها من ثمار نقطفهامن نتاج الابتسامة، ولو حُبّرت لها الصفحات تلو الصفحات لما كفتها ولا حتى حصرتها.
ولكم من صداقات رحبة كان أُسّها ابتسامة عابرة وضحكة صادقة، فهذان زميلان في العقد الثالث من صداقتهما، ولو سألتهما عن بداية هذا المشوار الزاخربالإخلاص والتواصل لأخبراك أنها ابتسامات كانت ترتسم على محياهما في المرحلةالدراسية حتى تجاوزت مداها إلى صداقة خالصة، وللابتسامة سحر خلاّب يجذب الأنظارويسلب القلوب ويملك العقول، فلا يكفي منك سوى ابتسامة بسيطة مهما تصاغرت فإن لهاوقعاً عجيباً على النفس لا يكاد يوصف.
وحتى من الناحية الطبية نجد أن الأطباء في دراساتهم يؤكدون أن المبتسمين أطول الناس عمراً لسرورهم وبشاشتهم، فلاضغينة يحملونها ولا أحقاد يبيتونها، بل ابتسامات ناصعة تزيد من سعادة الحياة ورغدهاالمحبوب، ونجد أن الأولين لم يغيبوا عن هذه الشجرة المحمّلة بكل البركات، فنسمع من أقوالهم ما يثير هذا المعنى، ويترك أثره في القلب، ونرى من مؤلفاتهم الناجعة في باب النكت والطرائف والنوادر من العجب العجاب من أقوال الشعر ودرر الحكماء وأخبارالمجانين والجهلاء، وحتى إن أعلام الفكاهة البارزين لا تغيب عن الذاكرة، وما كان ذلك إلا لانشراح نفوسهم وسعة صدورهم، فتجدهم الأقرب حباً والأكثر سُؤلاً من قبل الآخرين، وما تعجب إلا من بعض أضره أن يقطع في خطوط وجهه حتى يشهر بشبح ابتسامة عابرة ما أسرع أن تموت في مهدها فلا تترك أثراً، وعجباً أن تجد من كانت سمته الابتسامة والضحك والبشاشة يملك وسامة بيضاء وإطلالة مشرقة، أنارت وجهه، وفتلت منقسماته.
وما نشير إلا إلى الابتسامة اللطيفة اليانعة، بعيداً كل البعد عن الضحكات الممجوجة بصرخات مزعجة ممقوتة، فهي لا تزرع الراحة وتخيم الضوضاء أرجاء المكان، (ابتسم تبتسم لك الدنيا) حكمة من زهاء الأولين، صدقوا فيها أبلغ صدق،فابتسامتك تسر خاطرك وتبشّ أوداجك، ويسعد الآخرين منك، وقد رسمت على محيّاهم السعادة و البشر، ولا تنسى أن الابتسامة حالة نفسية تتعمق في الوجدان، وتتأصّل في النفس فتبث فيها البشاشة والسعادة، وكل ذلك من انحناءة صغيرة في الوجه تتمدّد من خلالها الوجنتان.
ولذا نرى من شرعنا الحكيم ما يؤكّد هذا السلاح الفعّال والمؤثر والمساهم في زرع المحبة في القلوب، فهذا سيد الخلق صلوات الله وسلامه عليه يقول: «تبسمك في وجه أخيك صدقة »، فهي سعادة ورضا وطمأنينة وأجور عظيمة وحسنات جزيلة تصبّ في نصيبك، فتزيد من مودة الناس إليك،ومحبتهم في مجالستك والرغبة في الحديث معك، فابتسامتك قد أثّرت فيهم، ولنا في ذلك موقف عجيب في حادثة تصادم سيارتين نجم عن سرعة من الأول الذي نزل من مركبته، وقدعلاه الخوف والفزع وخشي من غضب عارم سيُطلق من المصاب لكونه متضرّراً، وما أثاردهشته هي تلك الابتسامة الزاهية التي زُرعت على شفتي ذلك الرجل وقد دمي وجهه، فماكان من ذلك الرجل إلا أن هدأ روعه، وسكنت سريرته، وانتهت المشكلة بين الطرفين بصداقة محببة وقوية.
ثمار الابتسامة كثيرة، وما عليك سوى أن تقطفها، وهي متاحة لك ولا تكلفك شيئاً البتة. فابتسم وازرع البشاشة فيمن حولك.
منقووول