التعليم خارج الصندوق .. إبداعات مشرقة
علي راجي عبد الرضاونه
إنَّ المتأمل لطرق التدريس التي يستخدمها معلمونا في الميدان التربوي يشعر بالدهشة والحيرة للصور الباهتة لعدد كبير من المواقف التعليمية ، وعلينا الاعتراف أنَّ المدرسة ــ غالباً ــ أصبحت مكاناً طارداً لا جاذباً للطالب ؛ فهو يتمنى الهروب منها ، ويشعر بسعادة غامرة في يوم الإجازة المنتظر ؛ من أجل ذلك يجب علينا أن نسأل أنفسنا نحن كتربويين : ما سبب عزوف عدد كبير من أبنائنا الطلبة عن التعليم ؟! .
إنَّ قضية عزوف الطلبة عن التعليم من القضايا التي استحوذت على عقول التربويين والدارسين ، وقد توصلت مجموعة من الدراسات إلى جملة من الأسباب المؤدية إلى تسرب أعداد من الطلبة وعدم رغبتهم بالتعليم ، ولكنني في هذا المقام سأطرح إحد هذه الأسباب التي أعتقد أنَّ لها الدور الكبير في تنفير الطلبة من التعليم والتعلّم داخل الحجرة الصفية ، إنَّه سبب له علاقة ظاهرة بطريقة التعليم المعتمدة على التلقين وبالتالي استرجاع المعلومات المحفوظة دون إ**** للعقل إلا في جوانب محدودة مما يؤدي إلى إهدار للطاقات وكبح للتفكير والإبداع ، وكل ذلك يُحدث الرتابة والملل الذي يجعل تواصل المعلم مع طلبته من الأعمال المضنية والمرهقة ، ويجعل عندئذ استقبال الطالب للمعلومة من الغايات والمطالب الصعبة والشاقة .
من هذا المنطلق كان من الواجب علينا نحن كمعلمين أن نبحث عن طرق تدريسية إبداعية تجذب الطلبة وتساعدهم على التعلّم الذاتي بتوجيه وتيسير من المعلم .
إنَّ حرص المعلم على التنويع في طرق التدريس وأسـاليبه ؛ ــ بحيث لا يكون التلقين هو سـبيله الوحيد في جميع المواقف التعليمية ــ دليل على إصراره بأن يجعل تعليمه خارج الصندوق ، وهذا ما يعنيه المصطلح التربوي : « التعليم خارج الصندوق « .
إنَّ هذا المصطلح يعتمد على إتباع المعلم لطرق حديثة جاذبة تساعد الطلبة على التفكير الإبداعي ليصبحوا قادرين على التعليم والتعلّم داخل الحجرة الصفية وخارجها بإفهام وإقناع وإمتاع .
في كلِّ يوم نقرأ أو نسمع عن نظريات تربوية غربية حديثة،وتدهشنا تلك المصطلحات المذكورة في تلك النظريات ، ولكننا عندما نتمعن في جوهر ما نقرأ أو ما نسمع نجد أنَّ في مجتمعنا العربي العديد من التجارب العملية التي توازي ما قرأنا أو ما سمعناه عن تلك النظريات ، فهناك الكثير من معلمينا في ميدان التدريس استطاع بهمته العالية وإبداعاته النيّرة أن يقدم نموذجاً فريداً للتعليم المميز فاستحق أن يكون لذلك معلماً مبدعاً ومتميّزاً.
إنَّ تجارب معلمينا المبدعين كثيرة ولا أستطيع حصرها عبر سطور محدودة ولكنني سأقدّم في هذا المقام تجربة فريدة لإحدى المعلمات القديرات وهي المربية الفاضلة : هيا محمد الحاج منصور ، التي أمضت في التعليم ثلاثين عاماً استطاعت من خلالها أن تسجل لمحات من تجربتها وخبرتها العملية في كتابها : « التعليم خارج الصندوق بين النظرية والتطبيق « ، إنَّه كتاب جدير بأن يدرس بتمعن ؛ فقد وجدت فيه تجارب وحكايات حقيقية تجعل التعليم سبيلاً ميسراً ومحبباً وممتعاً وكل ذلك عندما يخرج المعلم من الصندوق إلى فضاء الابتكار والإبداع .
لقد نجحت الكاتبة في عرض عدد من الدروس التطبيقية التي استطاعت من خلالها أن تضفي الجانب العملي المعتمد على استراتيجية التعلّم التعاوني واستراتيجية التعلّم من خلال النشاط واستراتيجية البحث وحل المشكلات والاستقصاء وغير ذلك من الأساليب التي تجعل التعليم أكثر فائدة وحيوية وجاذبية .
اهتمت الكاتبة بصورة واضحة بعنصر الإبداع ، وحرصت على التأكيد على أهمية رعاية المبدعين وتحفيزهم ، وعرضت لطلبتها نماذج لمبدعين من مجتمعنا في مجالات حياتية عديدة ؛ ليكونوا مثالاً يحتذي به كل طالب يسعى للإبداع والتميّز . والكاتبة توّجت فكرتها تلك بتدريب طلبتها على العمل الإبداعي ، ورعت تنمية مواهبهم وواظبت على تحفيز إبداعاتهم المتنوعة وخاصة في مهارات لغتنا الجميلة .
تميّزت الكاتبة بجاذبية الأسلوب وسلاسة الأفكار في عرضها المميّز لتاءات النجاح التي لخصت من خلالها عدداً من المبادئ التي تساعد المعلم ليكون معلماً ناجحاً ومبدعاً وقادراً عند ذلك على العطاء خارج الصندوق بثقة واقتدار .
إنَّ ما ذكرته المربية الفاضلة : هيا منصور يعدّ من الدلائل الواضحة على إبداع معلمنا وتميّزه ؛ ففي الميدان التربوي الكثير من الأمثلة التي يظهر من خلالها إبداعات عظيمة للعديد من المعلمين الأجلاء ، وإنَّ الباحث في سيرة عدد من المعلمين سيجد صوراً مضيئة يعكس إشراقها مستقبلا واعدا ليس منحصراً داخل الصندوق ؛ وهو مستقبل لن يرضى بضبابية الرؤية ولن يقبل محدودية التفكير ، والمعلم القدير هو الذي يسعى بجلال عمله إلى النهضة والازدهار بأمل آت مشرق ، وهو يفخر بماضٍ نهلت من نبعه العذب جميع حضارات الأمم .