لجنة البرلمان للتقصي حول ما جرى بايفني يوم 7 يونيو2008: أحزاب تواصل عداءها لأهالي ايفني – ايت باعمران
الخميس 19 شباط (فبراير) 2009
محمود جديد
قدمت لجنة البرلمان للتقصي حول ما جرى بايفني تقريرها، نشرته كاملا جريدة رسالة الأمة يوم 19 ديسمبر 2008 . حددت اللجنة هدفها في الجواب الموضوعي والصريح، والمستقل عن كل التأثيرات و البعيد عن الأحكام المسبقة، عما جرى في ايفني يوم 7 يونيو 2008.
في ايفني شباب معطل أشبع وعودا كاذبة طيلة سنوات، واعتصم على طريق الميناء حيث تخرج يوميا ثروات باهضة تذهب الى جيوب أقلية غنية تزداد غنى كل يوم. نتج عن الاعتصام ضياع كمية من السمك كما يحدث بسبب الإضراب. جرى تهويل هذه "الخسارة " لتبرير ضراوة العنف المستعمل ضد سكان ايفني.هذا معروف ولا يحتاج الى تقصي الحقائق لكشفه.
ما يستدعي التقصي هو ما أقدمت عليه قوات من تنكيل وفتك بسكان ايفني، مرتكبة فظائع همجية من تعذيب و مداهمة للبيوت واقتحامها بكسر أبوابها وإلحاق أضرار بممتلكات الناس وضرب الصغير والكبير و إهانة النساء بمعاملتهن بعنف وتهديد بالاغتصاب، وغير هذا مما لن ينساه كادحو ايفني ابد الدهر.
شباب ايفني اعتصم على الطريق العمومي لان سياسة الدولة أوصلته إلى ذلك، والاعتصام حق مثلما الإضراب حق. لماذا منع اعتصام تضررت منه أقلية غنية وعدم منع تجويع شباب ايفني والحكم عليهم بالبطالة ؟
ما يحتاج التقصي هو جرائم قوات القمع؟ يجب أن تتم مساءلة قادة تلك القوات. من أمر باقتحام البيوت اقتحاما حربيا ؟ من أمر بالتعذيب ؟ من أمر بتلك المعاملة الهمجية التي تعرضت لها النساء؟ من أمر بتخريب ممتلكات الناس البسطاء؟
لا جواب عن هذا كله في تقرير اللجنة البرلمانية. ولم تكن اللجنة تبحث عن جواب. أمثلة بسيطة تفضح اللجنة وتبرز أنها لم تفعل أي شيء ذي فائدة.
1- ليس في التقرير ما يدل على أن اللجنة استمعت إلى والي امن الجهة، وهو أهم من يجب الاستماع إليه بالنظر الى الهمجية التي مورست ضد السكان. فقد سبق ان اشترط على اللجنة ان تستمع إليه بشكل جماعي مع والى الجهة وعامل تزنيت، ورفضت اللجنة الاستماع الجماعي ولم تستمع إليه فرديا.
2- لم تستمع اللجنة سوى لثمانية من قوات القمع التي مارست أعمالا همجية بحق السكان يوم 7 يونيو ، وعددها رسميا 1300 . وما قيل عن مضمون الاستماع إليهم لا يتطرق سوى لما أصيبوا به من رشق بالحجارة وجروح وليس إلى كسر أبواب البيوت واهانة السكان وتعذيبهم. 3- حسب ما نشرته الصحافة، ولم تكذبه اية جهة رسمية، جرى عزل مسؤول كبير من القوات المساعدة من مهامه بعد الأحداث. لم تذكر اللجنة أنها استمعت إلى هذا المسؤول، ولا هي حاولت ذلك.
مرتكبو الجرائم ضد سكان ايفني حاولوا أيضا إسكات من يفضحهم، فتعرض مراسل جريدة المساء للاعتقال والتعنيف. هذا أمر لا يهم اللجنة.
أما توصيات اللجنة ففيها كلام عن وجوب تحسين الوضع الاجتماعي بايفني ، هو عين الكلام الذي قيل في تقرير لجنة تقصي الحقائق عن انتفاضة المفقرين في فاس قبل 19 سنة. [بذل المزيد من الجهود على جميع المستويات للنهوض بمدينتي فاس وطنجة وكل المناطق التي توجد بها أوضاع مشابهة قصد التخفيف من حدة الهجرة ومن البطالة] (من تقرير اللجنة ، جريدة لعلم 12 ابريل 1992). الاهتمام بالاوضاع الاجتماعية كلام يستهلكه الساسة البرجوازيون كلما انفجرت في وجوههم نتائج سياساتهم المفقرة لغالبية الشغب. كان العقاب الجماعي لسكان ايفني وحشيا بكل المقاييس، عقاب لم تكشف اللجنة لا الجهة المسؤولة عنه بل واخذت السلطة على قلة الحزم في ما تسميه "فرض احترام القانون ونطاق ممارسة الحريات والحد من التجاوزات": أي التدخل القمعي.
نعم لقد شهدت ايفني مظاهرات شعبية عارمة ودفاع عن النفس ضد همجية القمع. وكل ما يمكن ان يعتبره رجال القانون تجاوزا وعدم احترام لنطاق ممارسة الحريات ما هو الا نتيجة للقمع، ردة فعل عليه. السلطة تمنع المسيرات الشعبية السلمية المطالبة بالحقوق، فيفرضها الناس لأنها من حقهم. هذا ما جرى لا غير. لماذا لم تتطور الأوضاع بمدينة طاطا سنة 2005 خلال المظاهرات الشعبية العارمة ضد إلغاء مجانية المستشفى إلى نظير ما وقع بايفني. الجواب هو ان مظاهرات طاطا لم تقمع. الدولة هي من يخرق القانون لأنها تلغي الحق في التظاهر مخافة تنامي الوعي الشعبي. هذا هو المشكل، وهو مشكل الحاكمين وليس مشكل الشعب.
لم تكن اللجنة محايدة، فهي تنظر بعين ساخطة الى الشباب المعتصم و تسمي تمسكه بمطالبه وعدم ثقته في الأكاذيب المألوفة "تعنتا"، بينما تنظر بعين مراعية متفهمة إلى ما تسميه " تجاوب السلطة مع المطالب رغم عدم رقيها إلى مستوى انتظارات السكان". و تلتمس، من جهة أخرى، المبررات لمهاجمة المنازل الذي تسميه "توسيع نطاق تدخل قوات الأمن".
توصي بالمعالجة الآنية لما تسميه الاحتجاج المخالف للقانون. يعني ذلك ان اللجنة تعتبر عدم قمع معتصم الشباب الافناوي المعطل منذ اليوم الأول (30 مايو 2008) خطأ ارتكبته السلطة. هذه التوصية دليل ان اللجنة لم تفهم شيئا مما جرى ويجري في ايفني. زعم وزير الداخلية أن القمع لم يتدخل ضد المعتصمين منذ اليوم الأول لإعطاء فرصة للحوار ولتفادي المساس بسير امتحانات الباكالوريا، الحقيقة أن تردد القمع ناتج عن كون معتصمي الميناء لم يكنوا أقلية معزولة بل يحظون بمساندة السكان الذين احتضنوهم ومدوهم بمقومات الصمود من مواد غذائية وتشجيع معنوي وما يحتاجون للاستمرار في اعتصام مفتوح ونظموا مسيرة تضامن معهم وأنشؤوا لجنة لدعم المعتصم. وكان من شأن القمع ان يجر انتفاضة المدينة بكاملها، وهذا ما أكدته مظاهرات ما بعد 7 يونيو نفسه.
لماذا أتت اللجنة هذا النوع من التقصي ؟
سبب خواء تقرير اللجنة البرلمانية أنها مكونة من أحزاب هي طرف في الصراع الدائر في ايفني: أحزاب كانت في السكرتارية المحلية وانسحبت منها بعد ان اتجهت الجماهير الى النضال الحقيقي، النضال في الشارع. لهذا لم يكن ممكنا انتظار فائدة من اللجنة البرلمانية. لقد أصابت جمعية اطاك برفض اللعبة معتبرة في جوابها إلى لجنة تقصي الحقائق ان لا صدقية لدى لجنة يرأسها حزب قام رئيسه بإنكار وقوع أي شيء في المدينة المنكوبة. تقرير لجنة تقصي الحقائق حول إحداث ايفني ليس الا وسيلة إضافية تواصل بها أحزاب عداءها لتطلعات شباب ايفني المشروعة، ولكفاحات أهالي ايفني ايت باعمران البطولية.
خلاصة: ما شهدته ايفني عقاب جماعي لكادحين يطالبون باوضاع اجتماعية لائقة عوقب السكان لانهم احتضنوا الحركة الاحتجاجية التي نظمها شباب المدينة العاطل.
عوقب اهالي ايفني ايت باعمران لانهم ضغطوا بالاحتشاد الهائل في الشارع لفرض اطلاق سراح المعتقلين في يوليوز 2006، وخاضوا أشكال نضالية تمثل تحولا نوعيا في الاحتجاج الشعبي بالمغرب.
عوقب اهالي ايفني ايت باعمران ليكونوا عبرة لملايين كادحي المغرب الذي يكابدون الفقر المدقع.
عوقب كادحو ايفني لأنهم بنوا حركة نضالية شعبية واعية لأهدافها، ومطورة لأشكال نضالية شعبية أخرجت الاحتجاج الشعبي من مجرد فورات عرضية وحالات عابرة من التمرد التلقائي الفاشل إلى كفاح منظم وواع.
لقد أفشل كادحو ايفني رهان الحاكمين على امتصاص النقمة الشعبية بما سمي تنمية بشرية. ما هي تنمية، بل سياسة خادعة تقوم، برعاية من البنك العالمي وغيره من المؤسسات الاستعمارية الجديدة، على معالجة آثار الفقر بإجراءات ترقيع جزئي، كـمؤسسات الإنعاش الوطني والتعاون الوطني ووكالة التنمية الاجتماعية والقروض الصغيرة، بدل التصدي لأسباب الفقر الكامنة في طبيعة البناء الاجتماعي نفسه، المرتكز على احتكار الثروة واعتصار الشعب الكادح من عمال ومنتجين صغار وباقي الفئات الشعبية، وبيع البلد للشركات متعددة الجنسية.
هذا الإفشال اكبر انتصار لحركة ايفني النضالية. لقد دخل مناضلو ايفني قلوب الملايين من كادحي المغرب، وأصبحوا مثالا يقتدى.
محمود جديد