أساتذة يخشون فقدان "الهيبة بالأقسام" بعد حبس "أستاذ تارودانت"
أساتذة يخشون فقدان "الهيبة بالأقسام" بعد حبس "أستاذ تارودانت"
محمد الراجي
الأربعاء 29 يناير 2020
خلّف الحكم الصادر في حق الأستاذ المتابع بتهمة تعنيف تلميذة في تارودانت، الاثنين، القاضي بستة أشهر حبسا نافذا وأربعة أشهر حبسا موقوف التنفيذ، علاوة على تعويض مدني قدره 40 ألف درهم، موجة انتقادات واسعة من طرف الأساتذة زملاء المعتقل.
وانبرى عدد من الأساتذة إلى التعبير عن رفضهم للحكم القضائي الصادر في حق زميلهم، فيما تساءل آخرون ما إذا كان "أستاذ تارودانت" يستحق العقوبة التي حُكم عليه بها، في ظل عدم تأكيد تعرض الطفلة للضرب بشهادة طبية، وما إذا كان قد قام فعلا بتعنيفها.
"ما يؤرقني في قضية الأستاذ (ب. ب)، وفي ظل تضارب الشهادات وتأكيد الشهادة الطبية عدم وجود أي أثر للضرب وأن التلميذة تعاني من حساسية، هو سؤال هل كان الحكم عادلا؟ هل قام الأستاذ بالفعل بتعنيف التلميذة؟"، تتساءل فدوى الرجواني، أستاذة التعليم الثانوي.
وتضيف فدوى، في تعليقها على الموضوع في صفحتها على موقع "فيسبوك"، قائلة: "إن أي دفاع لا مشروط على الأستاذ غير مقبول ولا مخرج له إلا عبر القانون، سواء كان مذنبا فلا يمكن الحكم عليه إلا بالعقوبة المناسبة خارج أي تأثير للرأي العام، أو كان بريئا فيجب على هيئة دفاعه إثبات ذلك".
ويرى مصطفى بوكرن، أستاذ التعليم الثانوي، أنّ الظروف غير المريحة التي يشتغل فيها الأساتذة داخل المؤسسات التعليمية، من الطور الابتدائي إلى الثانوي، حيث توجد "كائنات غريبة من البشر"، على حد تعبيره، تحتم على الأستاذ أن يقوم بقراءة شاملة لمنظومة القيَم التي "انقلبت رأسها على عقب"، ويراجعَ موقعَه والدور المنوط به.
وعلق بوكرن على واقعة تعنيف التلميذة مريم بالقول: "ينبغي أن يقتنع الأستاذ بأنه ليس أستاذا بالمواصفات المعروفة. عليه أن يقتنع بأنه فاعل خير، يساعد الدولة والمجتمع، حتى لا يحدث انفجار، بمعنى أنه يساهم في حماية الأمن القومي للبلاد. وإذا لم يقم الأستاذ بهذه القراءة غيخلي دار بو شي واحد، أو يخليو دار بوه".
الحكم بحبس الأستاذ (ب. ب) وتغريمه، جعل عددا من الأساتذة يبدون مخاوفهم من أن يؤدي ذلك إلى إفقاد الأستاذ "هيبته" داخل القسم، حيث اعتبر كريم أوفقير، أستاذ التعليم الابتدائي، أنّ "الرسالة وصلت"، مضيفا: "من الآن فصاعدا، حضّر الجذاذة، ادخل إلى القسم، الْقِ الدرس، والسلام عليكم ورحمة الله".
في هذا الإطار، قال عبد الوهاب السحيمي، عضو التنسيقية الوطنية لموظفي وزارة التربية الوطنية حاملي الشهادات، "هذا الحكم الجائر ستكون له انعكاسات جد سلبية على المدرسة العمومية، وسيشكل لها ضربة قوية ستأتي على ما تبقى بها من جودة، فعموم الأساتذة يعتبرون أن هذا الحكم الظالم صادر في حقهم جميعا وليس في حق الأستاذ (ب. ب) وحده".
ويرى السحيمي، في تصريح لهسبريس، أنّ الأساتذة "أصبحت نفسيتهم، بعد الحكم الصادر في حق الأستاذ (ب)، مهزوزة ويصعب عليهم القيام بواجبهم في الفصول على أكمل وجه"، ذاهبا إلى القول إن الحكم الصادر في حق زميلهم "حكم قاسٍ، وأعتبره حكما جائرا".
وأضاف قائلا: "الأساتذة اليوم خائفون، لأن الشطط الذي مورس في حق الأستاذ رغم كل القرائن والأدلة التي تثبت براءته، جعلهم جميعا يعتبرون أنفسهم أنهم فقط في حالة سراح مؤقت، وأنه من الممكن في أي لحظة أن يجروا إلى المحاكم بالباطل ويصدر في حقهم حكم ظالم، لا لشيء سوى لأن هناك جمعيات وشخصيات تحقد على الأساتذة وتشتغل تحت الطلب، لها إمكانيات لتهييج الرأي العام وتأليب المجتمع".
وانتقد السحيمي وزارة التربية الوطنية لعدم دفاعها عن الأستاذ (ب. ب)، "وهذا المُعطى كان له دور حاسم في هذا الحكم القاسي"، على حد تعبيره، مضيفا: "للأسف لم تكلف الوزارة نفسها حتى عناء تخصيص محام للترافع عليه، خاصة بعدما تأكد لها أنه لا علاقة له بما أصاب الطفلة من كدمات على مستوى الوجه، وهذا متضمن في بيان صادر عن المديرية الإقليمية بتارودانت قبل أسبوعين".
وفيما تتواصل ردود الفعل التي أعقبت الحكم بحبس الأستاذ (ب. ب)، حذّر خالد البكاري، أستاذ بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بالدار البيضاء، من أن يؤدي الحكم إلى صراع بين الأساتذة وأولياء الأمور أو المجتمع ككل.
وأضاف البكاري في تعليقه على الموضوع، في صفحته على "فيسبوك"، أن بعض التصريحات والتدوينات من قبيل "بعد هذا الحكم، بنادم مسوقوش لي بغا يقرأ ولي مبغاش،" يمكن أن تفهم دوافعها النفسية، ولكن لا يجب أن تتحول إلى حالة معممة، مشيرا إلى أنه في غياب نسخة من قرار الحكم على أستاذ تارودانت يتضمن تعليلات الهيئة القضائية، يصعب الجزم في صواب الحكم من عدمه، خصوصا بالنسبة لمن لم يحضر أطوار المحاكمة ولم يطلع على المحاضر.
وتابع أن "القضية مرتبطة باعتداء جسدي على طفلة، ولا يجب أن تتحول لإدانة كل أسرة التعليم ولا لتبرئتها، فما يجب أن يجمع الأساتذة هو الدفاع عن حقوقهم المادية والمعنوية، وتحصين مهنتهم النبيلة قيميا، لاستعادة موقعها الاعتباري وسط المجتمع، وليس الدفاع بفهم خاطئ لمنطق: انصر أخاك ظالما أو مظلوما".
وخلق الحُكم الصادر في حق "أستاذ تارودانت" انقساما بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي المغاربة؛ ففيما حظي الأستاذ المعتقل بتعاطف واسع من طرف زملائه، ذهب معلقون إلى انتقاد المتضامنين معه، معتبرين أنّ الحكم الصادر في حقه سيكون رادعا للأساتذة لعدم تعنيف التلاميذ.
هسبريس
========================================