هكذا تستنزف وزارة الأوقاف المؤسسات التعليمية من أطرها !

[nasser]

هبة بريس الرباط الاثنين 22 فبراير 2016

- نجاح على حساب الغير.. استنزاف لأطر التعليم..
-غيابات مبررة للأساتذة من أجل الوعظ والإرشاد !
- أجور محترمة لوظائف متعددة..

جهد مبذول من أجل ضبط الشأن الديني بالمغرب يكاد يبدوا واضحا من خلال العديد من الإجراءات ذات الطبيعية الوقائية، الهادفة إلى ربط المغاربة بما صار يعرف بالثوابث الوطنية.

فوزارة الأوقاف مع مختلف المؤسسات الرسمية الرديفة ذات العلاقة بالشأن الديني، استطاعت ضبط مساجد المملكة، وفك الارتهان بين الديني والحزبي، كما عكفت على تخريج مرشدين في الشأن الديني يعتبرون بمثابة العين القريبة من المجتمع، والجهاز الأمني لوزارة الأوقاف.

نجاح على حساب الغير.. استنزاف لأطر التعليم..

النجاح الذي حققته وزارة الأوقاف بعد تراكم دام سنوات، كان للأسف على حساب مصالح أخرى خاصة تلك التي لها علاقة بالتربية والتعليم، وتحديدا استنزافها لأطر التعليم بمختلف مستوياته الإبتدائية والإعدادية والثانوية وحتى الجامعية، حيث يعتبر هذا العامل من بين العوامل التي تساهم في إفشال البرامج التعليمية، بسبب غيابات الأساتذة المتكررة " المبررة " بالأيام والاسابيع، ناهيك على تسخير العديد من الوظائف ذات الأجر المحترم لموظفين في قطاعات أخرى، وحرمان الطلبة المعطلين منها، وخاصة اولائك المنحدرين من التعليم العتيق.


وتعتبر وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، من أكثر الوزارات التي تستنزف وزارة الاوقاف أطرها، حيث تعتمد هاته الأخيرة في برامجها على الآلاف من أطر التعليم الموزعين في مختلف ربوع المملكة، سواء في برامجها ذات العلاقة " بالوعظ والإرشاد " أو التي لها علاقة ب " محاربة الأمية " أو " مستشاري برامج محو الأمية " ناهيك عن الرحلات التأطيرية لموسم الحج، وما يسبقها من برامج تكوينية، وكذا البعثاث الأجنبية خاصة عند حلول شهر رمضان.


غيابات مبررة للأساتذة من أجل الوعظ والإرشاد !

استنزاف وزارة الأوقاف لأطر التعليم، يتجلى في الغيابات المستمرة للأساتذة بالأيام والاسابيع، والتي غالبا ما يتم تبريرها من طرف الأساتذة، ب " التكليف بمهمة دينية " أو " التكليف بمهمة تم من خلالها تنزيل المخطط الديني لصاحب الجلالة " حيث غالبا ما يقحم اسم الملك في تبريرات تغيب الأساتذة عن مزاولة مهامهم التعليمية، كما يتم أيضا إقحام اسم الملك بوصفه أميرا للمؤمنين، من أجل الإستفادة من برامج زمنية مخففة لا تتجاوز في كثير من الاحيان عشر ساعات من التدريس في الاسبوع، وفي أيام يختارها الأستاذ المستفيد مستعينا في ذلك بمراسلة من مندوبية الأوقاف، أو رئيس المجلس العلمي الذي يقع ضمن نفوذه الترابي، يطلب من خلالها هذا الاخير " تخفيف ساعات الاشتغال وملائمة أيام اشتغاله مع مهامه ذات الطبيعة الدينية " وهو ما يجعل مدير المؤسسة منصاعا لما ورد في المراسلة خاصة عندما تستعمل عبارة " تنزيل مخطط الاصلاح الديني لصاحب الجلالة ".

ومن بين الأمثلة التي توضح بجلاء إخلاء المؤسسات التعليمية من هاته الاطر، أن السنة الحالية عرفت تكوين دورتين بالرباط لفئة تسمى " مستشاري التوجيه " تتحدد مهامها في مراقبة وتتبع عمل برامج محو الأمية، ومراقبة مدى احترام مدرسي محو الأمية لبرامج الوزارة، وهي المهمة التي يتقاضون عليها ما يناهز 2000 درهم، حيث استفادت هاته الفئة خلال الموسم الجاري من دورتين تكوينيتين استغرقت 15 يوما، غاب فيها الأساتذة المشتغلون كمشرفين تربويين بوزارة الاوقاف عن حجراتهم الدراسية طيلة هاته المدة دون تعويض لحصصهم، ولا اقتطاع من أجورهم، علما أنهم يأخذون تعويضا عن الدورات التكوينية بالإضافة إلى راتبهم الشهري من وزارة الأوقاف !


الغيابات " المبررة " للأساتذة المشتغلين مع وزارات الاوقاف لا تقتصر فقط على ماسلف ذكره، بل يتعدى ذلك ليصل إلى مشاركتهم في لقاءات اللجان التي تعقدها المجالس العلمية، وكذا دروس الوعظ والإرشاد التي يؤطرها هؤلاء بعد صلاة العصر بمساجد المملكة، والتي يصل التعويض الشهري فيها إلى 1500 درهم.

أجور محترمة لوظائف متعددة..

في الوقت الذي تمنع فيه وزارة الأوقاف القيمين الدينيين من مزاولة أي مهمة تدر عليهم دخلا استنادا إلى نص داخلي "يُمنع على القيم الديني أن يزاول بصفة مهنية أي نشاط في القطاع العام أو الخاص، يدر عليه دخلا كيفما كانت طبيعته، إلا بترخيص مكتوب من السلطة الحكومية المكلفة بالأوقاف، باستثناء الأعمال العلمية والفكرية والإبداعية " فإنه بالمقابل يسمح فيه لأطر التعليم ببسط سيطرتهم الكاملة على وظائق وزارة الأوقاف والمجالس العلمية، خاصة في وظيفة ( خطبة الجمعة1000 درهم، الأذان500 درهم، الإمامة 1300 درهم، الوعظ والإرشاد 1500 درهم، تكوين الأئمة 800 درهم، التوجيه التربوي 2000 درهم، محو الأمية 2000 درهم، التأطير في الحج والعمرة (غير محدد)، الوعظ خارج المغرب غير محدد ) ما ينتج عنه إقصاء للآلاف من خريجي مدارس التعليم العتيق وتخصصات الدراسات الإسلامية، والعديد من المعطلين.

الغريب في هذا الأمر أنه يمكن أن يجمع موظف في قطاع التعليم بين العديد من الوظائف التابعة للحقل الديني، فليس غريبا أن تجده خطيبا للجمعة، وواعظا، ومكونا للأئمة، وعضوا في المجلس العلمي ولجانه، ومستشارا تربويا ومدرسا لمحو الأمية حتى.. بل إن بعضا منهم يضيف إلى هذا كله إمامة الصلوات الخمس بغية الاستفادة من سكن المسجد كما هو الحال مع أحد الأساتذة الجامعيين بأكادير الذي جمع بين وظيفته وعضوية المجلس العلمي وخطبة الجمعة والإمامة ؟

وبالرغم من أن الحكومة المغربية منعت عن المشتغلين في قطاع التلعيم مزاولة أي مهام أخرى بغية تجويد العملية التعليمية ( منع الساعات الإضافية وضبط الاشتغال في القطاع الخاص ) إلا أن مجال الشأن الديني لازال يستأثر بوقت كثير من أطر التعليم، ما ينتج عنه غيابات متكررة ومبررة، وتردي الأداء التربوي والتعليمي، ناهيك عن حرمان الآلاف من وظائف شبه قارة داخل وزارة الأوقاف والمجالس العلمية، قد تقيهم بأس الجوع والبرد ولو لفترة من الزمن.