طلاب جامع القرويين يضربون عن الدراسة مطالبين بـ«رحيل» المدير
خلافات بين الطلاب والإدارة حول «خبزة المحسنين» والمنحة والتسيير
لحسن والنيعام
في خطوة لافتة، أعلن طلبة جامع القرويين في فاس العتيقة، منذ السبت الماضي، قرار توقفهم عن متابعة دراستهم في هذا الجامع وطالبوا وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وهي الجهة المعنية بالتعليم العتيق، بفتح ملف «اختلالات» في تدبير شؤونه.
وقرر عشرات الطلبة، في تجمع عقدوه مساء أول أمس الثلاثاء في مدرسة «باب عجيسة»، المخصصة لإيواء بعضهم، مواصلة قرار الإضراب إلى حين الاستجابة لمطلبهم، الذي سبق أن دفعهم، في أبريل من السنة الماضية، إلى اتخاذ قرار مماثل، لم ينهوه إلا بحلول لجنة من الإدارة المركزية لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. وقالت لجنة ممثلة لطلاب الجامع، في لقاء مع «المساء»، إن «توصيات» هذه اللجنة لم تجد طريقها نحو التنفيذ، ما دفعهم إلى معاودة الاحتجاج عن طريق مقاطعة الدراسة في هذا المسجد، الذي يعتبر أقدم جامعة في تاريخ العالم الإسلامي.
ويبلغ العدد الإجمالي للطلاب الذين يتابعون دراستهم في حلقات الجامع حوالي 400 طالب، منهم قرابة 80 طالبا أجنبيا. ويُشترَط لولوج الجامع أن يكون الطالب حافظا للقرآن الكريم وأن يحفظ بعض المتن وأن يكون مُلمـّاً بالحد الأدنى من القضايا الدينية. ولا تعير إدارة الجامع إلا قليل اهتمام لسن المرشحين وتقدم فيه الدراسة، وفق طرق تقليدية، في المستويات الإبتدائية والإعدادية والثانوية والجامعية، والتي تنتهي بالحصول على شهادة «العالمية»، وهي شهادة تعادل شهادة الإجازة. ويرتبط اسم الجامع بعدد من العلماء الكبار، في التاريخ، منهم من مروا منه لأخذ العلم، ومنهم من استقروا به لإعطاء الدروس للطلاب. ويفد إلى الجامع الطلاب من مختلف مناطق المغرب.
ويقول الطلاب المضربون عن الدراسة إن الأوضاع في الجامع وصلت في السنتين الأخيرتين إلى مستوى من التدني تستوجب من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية التدخل لمعالجة الوضع، الذي وصفوه، في مراسلات لهم بـ«المَفسدة»، وأشاروا إلى أنه حوّل مجد الجامع إلى «انحطاط».
ويضطر عدد من طلبة الجامع إلى الانسحاب من مواصلة التعليم بسبب غياب الإيواء، كما كان في السابق، بسبب قرار إغلاق عدد من المدارس كانت قد تحوّلت، بعد توقيف الدراسة فيها، إلى مقرات لإيواء طلاب الجامع. وقررت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، في الآونة الأخيرة، إغلاق مدرستي الصفارين والأندلس، بمبرر الترميم، لكن أشغال الترميم لم تنطلق بعد. واتخذت إدارة الجامع قرار منح منحة للطلاب غير المستفيدين من السكن، محددة في 160 درهما، لكن الطلاب يوردون أن هذا القرار لم يطبق. كما اتخذت قرار إعطاء الأولوية في السكن للطلبة الوافدين من مناطق بعيدة، لكنّ هذا القرار بدوره، شابته عدة «خروقات»، حسب تعبير الطلبة. واضطر هذا الوضع عددا من الطلاب الوافدين على الجامع إلى اتخاذ قرار الانسحاب الطوعي من متابعة الدراسة في الجامع والتحول إلى التسجيل في الجامعة، ومنهم من فضلوا «الشرطة»، ومنهم من هاجروا إلى دولة الإمارات لمزاولة مهنة الإمامة.
ويستفيد كل طالب مسجل في الجامع من منحة تحدد في المستويات ما قبل الجامعية في 300 درهم، وفي المستوى الجامعي تصل إلى 400 درهم. ويرى المحتجون أن هذه المنحة أصبحت لا تكفي لسد الحاجات الأساسية في ظل ارتفاع الأسعار. ويقول الطلاب إن الإدارة الحالية تحرم عددا من الطلاب من المنحة، بمبرر الغياب عن الدراسة، ويضيفون أن الإدارة تلجأ إلى هذا القرار لـ«الانتقام» من الطلبة الذين يحتجون ضدها، وهو «الانتقام» ذاته الذي يتحدثون عنه أثناء «مراقبة الغش» في الامتحانات التي تنظم في الجامع بطريقة تقليدية، بالاتكاء على «الساريات».
ولم يقف التوتر في العلاقة بين الطلاب والإدارة عند هذا الحد، فالطلبة المحتجون يوردون أن الأزمة أدت أيضا إلى «اختلالات» في تدبير شؤون العلماء والأستاذة، وتم الاستغناء عن خدمات بعضهمـ إما بمبرر الغياب أو التقدم في السن، واختار آخرون أن يذهبوا لحال سبيلهم بعد تغير الأوضاع. وقد لجأت الإدارة إلى جلب أساتذة وعلماء آخرين في إطار إدخال مواد جديدة عن برامج الجامع، في إطار مواكبة التطورات، لكن الطلاب يرون أن هذه «التحولات» أثـّرت على جودة التعليم في الجامع، والذي كان مرتبطا بصنع اسم العاصمة العلمية لمدينة فاس.
وتمنح إدارة الجامع للطلبة، إضافة إلى السكن والإيواء، ما يعرف في أدبيات التعليم العتيق في فاس بـ»خبزة المحسنين»، وهي خبزة واحدة في اليوم تـُستخرَج من مداخيل ما يذره وقف المحسنين من أملاك على الجامع من عائدات مالية. وقررت إدارة الجامع ربط منح هذه «الخبزة» اليومية للطلاب بناء على مدى حضورهم الدروس، ولا تمنحها للطلاب المتغيبين، حسب تصريحات هؤلاء، وهو معيار يصفه الطلاب بـ»غير القانوني»، لأن الطلاب يعاقبون لأكثر من مرة وبأكثر من طريقة، بسبب مبرر الغياب.
ويربط الطلاب المحتجون بين هذه الأوضاع التي يعيشها الجامع وبين توجه يقضي بنقل التعليم فيه إلى معهد يجري بناؤه في منطقة «المرجة» في حي بنسودة، ويعتبرون أن تحويل الدراسة في الجامع إلى هذا المعهد سيقضي، بشكل مباشر، على خصوصية الجامع والتعليم العتيق وعلى تاريخه في العاصمة العلمية.
المساء