كيف ندير فصلا دراسيا صعبا؟ - منتديات دفاتر التربوية التعليمية المغربية
تسجيل جديد
أبرز العناوين



الديداكتيك ومنهجيات التدريس هذا الركن بدفاتر dafatir خاص بالديداكتيك ومنهجيات التدريس

أدوات الموضوع

الصورة الرمزية nasser
nasser
:: مراقب عام ::
تاريخ التسجيل: 26 - 1 - 2008
السكن: فاس
المشاركات: 72,998
معدل تقييم المستوى: 7521
nasser في سماء التميزnasser في سماء التميزnasser في سماء التميزnasser في سماء التميزnasser في سماء التميزnasser في سماء التميزnasser في سماء التميزnasser في سماء التميزnasser في سماء التميزnasser في سماء التميزnasser في سماء التميز
nasser غير متواجد حالياً
نشاط [ nasser ]
قوة السمعة:7521
قديم 09-04-2022, 23:25 المشاركة 1   
برامج كيف ندير فصلا دراسيا صعبا؟

كيف ندير فصلا دراسيا صعبا؟

الباحث: جان كلود ريشوز(سويسرا)

تقديم
أحيانا يحيل بعض التلاميذ المشاغبين أو المزعجين الفصل الدراسي إلى ساحة فوضى . ويمكن للمدرسين التدخل لاستعادة أفضل بيئة عمل وإرساء علاقة سلطة ملؤها الاحترام والتسامح مع التلاميذ.
*****
بات المدرسون في السنوات الأخيرة، وبشكل متزايد يوما بعد يوم، يواجهون فصولا دراسية صعبة، حيث يلاقون صعوبات جمة في فرض الانضباط. وغالبًا ما يشتكون من نقص في التربية وقلة في الاهتمام لدى التلاميذ، فضلاً عن مشقة ظروف العمل. وفي مواجهة هذه الصعوبات الجمة في ممارسة المهنة، ينتهي الأمر بالبعض منهم إلى فقدان متعة التدريس، فيشعرون بالتعب ويتملكهم الإحباط وأحيانًا يشعرون بالاشمئزاز من التلاميذ. وتُظْهِرُ دراسات أُجْرِيَتْ في سويسرا حول الفصول الدراسية في الطور الابتدائي أن حوالي واحدا من كل أربعة فصول معنية بالمشكل. ويمكن التقدير أن هذه النسبة في فرنسا تتراوح بين فصل واحد من كل أربعة إلى فصل واحد من كل ستة. إن هذه النسبة عالية جدا وتتطلب الوعي بها حتما. وفي مواجهة ازدياد عدم الانضباط في الفصول الدراسية، من الضروري إيجاد الحلول المناسبة قبل أن تصبح الظاهرة أكثر خطورة.
تظهر الخبرة المكتسبة من إدارة الفصول الصعبة، أنه يمكن التدخل بنجاح في كثير من الحالات. وسنعرض في هذا المقال لبعض الوسائل والأدوات التي طورها المدرسون لاستعادة مناخ العمل في الفصول الدراسية، وسنصف كيف أفلحوا في إعادة بناء علاقة سلطة مع التلاميذ يسودها الاحترام والتسامح.
وفي هذا الإطار المحدود، رسا الاختيار عندنا على دراسة المشكلة في فصول الحضانة والطور الابتدائي، لأنه يكون من السهل جدا أن نتصرف خلال هذه المستويات الدراسية، من جهة، ولأن تدخلا مبكرا قد يشكل أفضل وقاية لتجنب تدهور نحو وضع أخطر في الطور الإعدادي من جهة أخرى.
ما هي الفصول الدراسية الصعبة؟
من أجل التبسيط، يمكن القول إن فصلا دراسيا ما فصل صعب لما يُحَالُ بين المدرس وبين أداء مهمته على نحو سليم، وأن أغلب التلاميذ لم يعد بإمكانهم التركيز والعمل في سكينة وهدوء نتيجة اضطرابات شتى تتفاوت في الكثافة والمدة.
في أغلب الأحيان، تكون المشكلات بسيطة (ثرثرة، إزعاج، رفض أداء العمل، خمول، إلخ....)، ولكن تكاثرها وتراكمها يؤدي في نهاية المطاف إلى تعطيل خطير لعمل المدرسين والتلاميذ معا، بل وشله في بعض الأحيان. ومن النادر حدوث تجاوزات خطيرة من قبيل العنف الجسدي، على سبيل المثال.
ومن المهم اعتبار أن فصلا دراسيا ما ليس فصلا صعبًا في حد ذاته أبدًا، ولكنه يصير صعبًا في سياق علائقي وفي ظروف معينة. يمكن أن يكون فصل دراسي بعينه في بعض الأحيان غير قابل للإدارة لبضعة أسابيع أو أشهر ثم يعود لاحقا إلى وضعه الطبيعي، ببساطة لأن الصعوبات قد حلت مع مرور الوقت، أو بسبب اتخاذ التدابير المناسبة التي أعادت تأسيس علاقة أكثر ثباتا وهدوء بين المدرس وتلامذته، وبيئة عمل مناسبة في الفصل الدراسي.
.على المستوى الفردي، يُنْظَرُ إلى تلميذ على أنه تلميذ صعب، من الناحية السلوكية، عندما يَتَطَلَّبُ تعليمه قدرا كبيرا من الانتباه والجهد بحيث لا يستطيع المدرس تدريس بقية أفراد الفصل والاهتمام بهم كما يمليه عليه الواجب. ويتم التمييز بين عدة أنواع من التلاميذ الصعاب: المشوشون، والمزعجون، والمعارضون. ويمكن لبعض التلاميذ أن يظهروا مزيجا من هذه الخصائص.
غالبًا ما يثرثر التلميذ المشوش (perturbateur) في الفصل الدراسي، ويعرقل سير الدرس، ولا يحترم القواعد، ويثير الضجيج، ويجذب انتباه زملائه التلاميذ، ويصرف انتباههم، ويثير ضحكهم، ويقاطع المدرس، ويحدث الضوضاء عمدًا. وغالبًا ما يبدي ملاحظات أو يعلق بصوت عالٍ.
ولا يلزم التلميذ المشاغب (agitateur) مقعده في هدوء، بل ينهض، ويتحرك في الفصل، ولا ينتبه، ويَسْهُلُ تشتيت انتباهه، ويلهو، ويحدث ضوضاء بأدواته، ويقاطع الآخرين، ويأخذ الكلمة بشكل تلقائي، ويلاقي صعوبات لإنهاء عمله، ولا ينجز ما يطلب منه، ويغفل عن إنجاز المطلوب، وهو إلى ذلك عصبي المزاج وضعيف أو سيئ التنظيم إلخ...
وأخيرًا يرفض التلميذ المعارض (opposant) العمل، أو القيام بالمطلوب، ولا ينجز واجباته، ويرفض الامتثال، ويعترض، ويعبر بصراحة عن عدم اهتمامه، يستفز، يرد على المدرس، يتحداه، يغضب، يَخْشُنُ في المعاملة، يهين، يهدد، ويفتعل الأزمات إلخ.
في الفصول الابتدائية التي تنطوي على مشاكل، يوجد في المتوسط خمسة تلاميذ من ذوي السلوك الصعب (من بين 20)، مع نفس العدد تقريبًا من التلاميذ المشوشين والمشاغبين، وعدد أقل بكثير من التلاميذ المعارضين. ويُظهر التحليل الإحصائي أنه كلما كان التلميذ أكثر تشويشا زاد شغبه (والعكس صحيح)، حتى لو لم تكن هذه العلاقة منتظمة.
إن التلميذ المشاغب في معظم الحالات تلميذ مشوش، والعكس ليس صحيحًا. والتلاميذ المعارضون هم أقل عددًا أربع مرات من التلاميذ المشوشين أو المشاغبين، لكنهم يمثلون عاملاً مهمًا من عوامل التشويش، حتى أن المعلمين ينظرون إلى بعض الفصول على أنها صعبة بسبب وجود تلميذ واحد من نمط المشوش أو المشاغب أو المعارض.
ومن أجل العمل بأسلوب وقائي أو النجاح في إعادة فصل دراسي صعب إلى الاشتغال، من الضروري أولاً إعادة بناء علاقة سلطة تستند إلى عدة مكونات: سلطة الوضع (l’autorité de statut) (الحق والواجب في فرض بيئة عمل)، سلطة الاختصاص (l’autorité de compétence) (إتقان أو خبرة في مجال من مجالات المعرفة أو المعرفة -الفعل)، والسلطة العلائقية (l’autorité relationnelle) (المشاركة والتأثير والقدرة على الدخول في علاقة)، والسلطة الداخلية (l’autorité intérieure) (امتلاك القدرة على ضبط النفس والتصميم والشجاعة).
إرساء إطار عمل
أول ما يجب أن يستند عليه المدرس في ممارسته الصفية هو سلطة الوضع. في الفصل الدراسي تَمْنَحُ سلطة الوضع المدرس الحق في المطالبة والحصول على امتثال التلاميذ لقواعد الاشتغال التي تضمن الحفاظ على الانضباط والسير الطبيعي لأنشطة التعلم. ولكن قبل كل شيء، يجب اعتبار هذه السلطة واجبًا ومسؤولية يجب على المدرس الاضطلاع بها، لأن الامتثال لبعض قواعد العمل ضروري لضمان بيئة عمل آمنة، مواتية، لتعلم جميع التلاميذ.
ويجب أن يحدد إطار الانضباط هذا المباح والمحظور بوضوح، وأن يكون ثابتا ونزيهًا وحياديا، ويستلزم احتراما متبادلا. ولإرساء هذا الإطار، هناك ثلاثة عناصر مهمة: القواعد الأساسية، والقواعد العملية، والطقوسيات (rituels)، وتسهل هذه الأخيرة فهم واحترام القواعد من قبل الأطفال. وفي قائمة القواعد الموصى بها لدور الحضانة والصفوف الابتدائية، من المهم أن نشرح بقناعة شديدة القواعد الأساسية التالية:
- الفصول الدراسية مكان للدراسة؛
- يطيع التلاميذ المدرس.
- لكل تلميذ الحق في التعلم ؛
-على المدرس واجب وحق التدريس؛
- يجب أن يشعر الجميع بالأمان للعمل في الفصل الدراسي.
في معظم المواقف التي يكون فيها التدريس صعبًا، يُظْهِرُ التحليل أن المدرسين يضعون قواعد عملية، على سبيل المثال، تلك المتعلقة بالحركة في الفصل، وتخزين المعدات، والذهاب إلى المرحاض، وتناول الطعام (تناول العلك من بين أمور أخرى)، والتأخرات، وباختصار قواعد تدبير اليومي؛ ولكن هناك القليل من الطقوسيات (rituels)، مثل مصافحة التلاميذ عند الباب، أو مطالبتهم بالوقوف في بداية الدرس، أو انتظار أن يُطْبِقَ الصمت الفصل الدراسي قبل البدء، أو حتى بدء السرد اليومي لقصة ما.
علاوة على ذلك، يكشف التحليل أيضًا أن المدرسين غالبًا ما يغفلون عن شرح القواعد الأكثر أهمية لحسن سير عملهم، وبخاصة قاعدة الطاعة والامتثال. ففي المواقف المحفوفة بالمشاكل، تصبح بعض الفصول الدراسية لذات السبب "مناطق ينعدم فيها القانون"، فلا يعود للمدرس الحق في التدريس ولا التلاميذ الذين يرغبون في العمل الحق في القيام بذلك.
الأعمار الثلاثة للنمو الأخلاقي
أول شيء يجب القيام به في موقف تعليمي صعب هو إعادة بناء قواعد العمل وإنفاذها. ولكن لوضع هذا الإطار بشكل صحيح، يجب أن يؤخذ في الاعتبار أن تعلم القواعد يتم من خلال سيرورة اكتساب تمر بمراحل مختلفة تتناسب والمراحل الرئيسية للتطور الأخلاقي للكائن البشري. خلال السنوات العشرين الماضية، ظهرت العديد من الممارسات التربوية التي دعت إلى بناء قواعد صفية "مع التلاميذ"، من خلال الاستفادة بشكل كبير من الانضباط الذاتي للأطفال واستهداف نمو استقلاليتهم بشكل مبكر. وطبقت هذه الأساليب بشكل أساسي في الحضانة والصفوف الابتدائية، وأعطت خلال الأيام الأولى الانطباع بالسير على المسار الصحيح.
ولكن على الرغم من كل العناية التي تم إيلاؤها لتشجيع هذه المقاربة التشاركية، فقد لاحظ عدد متزايد من المدرسين أن القواعد لم تنل احترام الأطفال بشكل أفضل، وأن عدم الانضباط، على العكس من ذلك، آخذ في الازدياد بشكل مطرد. تنشأ الصعوبة من حقيقة أن هذه الطريقة في ممارسة سلطة الوضع لا تتوافق مع مراحل التطور التي يجب أن يمر الأطفال بها من أجل تعلم قواعد الحياة في المجتمع، وينتج عنها على المدى الطويل سلوك غير ناضج بدلاً من الاستقلال الذاتي الحقيقي للأطفال.
ومن أجل أداء الدور المنوط بها على النحو الصحيح، يجب أن تتكيف سلطة الوضع مع عمر التلاميذ. وقد وصف عالما النفس جان بياجيه (Jean Piaget) ولورنس كولبرغ (Lawrence Kohlberg) مراحل هذا النمو، وأظهرا كيف يصل الكائن البشري تدريجيا إلى الاستقلال الأخلاقي الناضج والمسؤول. وتوفر هذه النظرية مؤشرات تربوية أساسية لحل الصعوبات التي تطرحها الفصول الدراسية والتلاميذ في المدرسة أو الأطفال في الأسرة. ولتسهيل أجرأة هذه المؤشرات، يتم التمييز بطريقة مبسطة بين ثلاث مراحل رئيسية في تعلم القواعد: مرحلة المباح والمحظور أثناء الطفولة المبكرة، مرحلة الأخلاق خارجية المنشأ (la phase de la morale hétéronome) أثناء الطفولة ومرحلة الأخلاق ذاتية المنشأ (la phase de la morale autonome) ابتداء من مرحلة المراهقة
.هذا المخطط يجعل من الممكن تكييف علاقة السلطة مع عمر التلاميذ والتصرف بشكل ملائم في المواقف التعليمية، سواء كانت هذه المواقف عادية أو صعبة. كما يسلط الضوء على أن تعلم القواعد يمر عبر تعلم ضمني للطاعة والامتثال. وهو تعلم أساسي، يتم تنفيذه بدوره وفقًا لتدرج من ثلاث مراحل: الطاعة التي يمكن تسميتها بالطاعة بالمحاكاة أو الجبر، وهي طاعة يلزم تلقينها صغار الأطفال بإعطائهم معايير تربوية ملموسة، دقيقة ومتكررة، الطاعة الفطرية للطفل نحو البالغين، والتي تتطور تلقائيًا على خلفية العلاقة العاطفية أثناء الطفولة، والطاعة الداخلية أو الاستقلالية الأخلاقية، والتي تظهر في مرحلة المراهقة وتؤدي لاحقًا إلى نضج البالغين.
إرساء العلاقة العاطفية:
خلال المرحلتين الأوليتين من هذا التطور، واللتين تتوافقان مع فصول الحضانة والصفوف الابتدائية، من الضروري أن ندرك أن الطفل يعيش في مرحلة الأخلاق خارجية المنشأ (l’âge de la morale hétéronome)، أي الأخلاق التي تأتي من الخارج، وأن علاقة السلطة تتوقف بشكل أساسي على الرباط العاطفي الذي يربط الطفل بالكبار الذين يمثلون له السلطة. ينصاع الطفل للقواعد المفروضة عليه إذا كانت هناك علاقة حب مع الشخص البالغ. فهو يحتاج إلى العيش في جو من الأمان العاطفي، ولذلك يمنح الثقة المطلقة للأشخاص الذين يكن لهم مودة وعاطفة. إنه يقر ويقبل بشكل طبيعي طلبات ومتطلبات البالغين الذين يمثلون له السلطة. يريد ترضيتهم أو التشبه بهم. هذه هي مرحلة التعابير المتكررة من قبيل "قال أبي ...»، "قالت معلمتي ..." وحيالها نعدم الحيلة في مواجهتها، اللهم القبول والتسليم.
إن أفضل طريقة لتوقي عدم الانضباط أو استعادة بيئة عمل في فصل دراسي مختل هو إعادة بناء علاقة سلطة وعلاقة عاطفة مع التلاميذ المعنيين في آن واحد. إن إعادة تأطير من خلال التأديب يؤثر بالفعل في علاقة المدرس بتلامذته، لأنها تجلب لهم أمانا عاطفيا أكبر. لكن من الضروري تنفيذ أنشطة خاصة لتحسين بيئة الفصل الدراسي والعلاقات كذلك.
إن أسهل الطرق وأفضلها تكمن في سرد أو قراءة قصة لتلامذة الفصل يوميا، مع طقوس انتقالية صغيرة للتحليق بالأطفال إلى عالم الخيال. ولكن هناك طرق أخرى عديدة، على سبيل المثال تلوين الماندالا (رسومات الأشكال المتمركزة) بوصفها طقوسا انتقالية بعد الاستراحة، والأنشطة الإيقاعية، وألعاب حفظ الكلمات، واستظهار القصائد أو الأغاني في نهاية الأسبوع، إلخ.
في هذه الأنشطة المتعددة، يسعى المربي إلى تحسين العلاقة مع الأطفال من خلال ترك مجال التعلم الصارم مؤقتًا. وتطلق هذه الأنشطة العنان لخيال الأطفال وتحرر إبداعيتهم من خلال الرهان على ميولهم للإيقاعات. إنهم بذلك يمرنون ذاكرتهم الإيقاعية المدهشة، فالطفل يحتفظ بشكل عفوي وسلس جدا بما يقدم له في شكل إيقاعات، سواء كان ذلك الإيقاع الموسيقي بالطبع، أو الإيقاع الخاص لـ "جرس الكلمات" لأغنية أطفال أو قصيدة شعر. وأخيرا، إن هذه الأنشطة تحفز بزوغ فردانية الأطفال. فهي تبدو أقل ارتباطا بالبرامج المدرسية من الأنشطة التي تمارس عادة في الفصل، وتتحول سريعا إلى مصدر استرخاء ومتعة متقاسمة بين المدرس والتلاميذ. تظهر التجربة أن هذه الأنشطة تساعد المدرسين الذين يواجهون مواقف صعبة في إرجاع الهدوء إلى فصولهم الدراسية، وبعث الحماس في الحياة المدرسية والتعلم من جديد. كما قد تحيي في الأطفال الرغبة المفقودة في المجيء إلى المدرسة للدرس!
الحاجة إلى فرض السيطرة
يجب أن تستند علاقة السلطة في فصول الحضانة والمرحلة الابتدائية إلى رباط عاطفي قوي. ولكن يجب أن تكون في نفس الوقت علاقة عمودية، هرمية، وتسمح للطفل أن يعيش تجربة الطاعة والامتثال للبالغين، وأن يعترف ويقبل أن الشخص البالغ هو الذي يصدر الأوامر. ولذلك فإنها تستدعي الالتزام الأخلاقي للمدرسين الذين، وبقدر من التصميم والإصرار والاقتناع، يطرحون شروطا ويرسمون حدودا، ويعلمون الطفل احترام القواعد من خلال معاقبة الانحرافات في السلوك دون هوادة. وخلال مرحلة الأخلاق خارجية المنشأ، تكون تجربة الطاعة هذه أمرا طبيعيا جدا للطفل. فهذا هو العمر الذي يكون فيه الطفل على استعداد للطاعة والامتثال، لأنه يعتقد اعتقادا راسخا أن القواعد عطية البالغين وأنها مقدسة.
اليوم، للأسف، لم يعد العديد من المدرسين يجرؤون على فرض سلطتهم داخل الفصول الدراسية، لأنهم يرتابون في الأمر، ويعتقدون أنه لم يعد هناك ما يبرر القيام بذلك، أو يخشون الظهور في هيأة المتسلطين. وهذا خطأ جسيم على نحو ظاهر، خاصةً لما نعاين أطفالا في سن ست أو سبع سنوات يُخْرِجونَ المدرسين عن أطوارهم في الفصول الدراسية. يجب على كل مدرس أن يفرض وجوده بين التلاميذ، بغض النظر عن المستوى الدراسي الذي يدرسه. ومن أجل إيجاد إطار وتهيئة بيئة عمل لائقة في فصل دراسي، من المشروع والضروري أن يفرض المدرس وجوده في الفصل. ويُنْصَحُ بشدة القيام بذلك في اليوم الأول من العام الدراسي، عن طريق بعث رسالة شفهية واضحة للتلاميذ، مع شرح قواعد العمل لهم في نفس الوقت.
في الحضانة والصفوف الابتدائية، يمكننا، على سبيل المثال، أن نقول للأطفال: "في هذا الفصل، المعلمة هي المسؤولة، وهي التي تقرر، والأطفال يطيعون". في مرحلة الأخلاق خارجية المنشأ، يقبل الأطفال طواعية بأن تفرض عليهم سلطة هرمية، ثم تسير الأمور على يرام بعد ذلك. عند ظهور اعتراضات أو احتجاجات، يكفي التذكير أن "المعلمة هي من تقرر"؛ فإذا كانت المعلمة قد أفلحت في إقامة علاقات عاطفية جيدة معهم، فإن الأطفال يتقبلون جيدًا أن يكون الأمر كذلك.
إن شرح القواعد الأساسية وإقامة علاقة عاطفية مع التلاميذ هي الخطوة الأولى لتوقي عدم الانضباط أو القضاء عليه إذا كان موجودًا في فصل دراسي. وعندما يتم إقرار كل هذا، يبقى علينا معاقبة التجاوزات، لأنه لا يوجد نظام للقواعد يعمل بدون عقوبات. في كثير من الأحيان، يتردد المدرسون، أو حتى يبدون تحفظات، في إنزال العقوبة، لأنهم غير مقتنعين بالحاجة إلى إنزالها ولا يعرفون كيفية القيام بذلك.
بشكل عام، ينزل المدرسون العقاب (punir) بالتلاميذ بدلاً من تأديبهم (sanctionner)، وهو ما يشكل أحد أسباب الصعوبات التي تحدث في الفصول الدراسية. تُظهر تجارب إعادة تأطير العديد من الفصول الصعبة والتلاميذ ذوي المراس الصعب أن التأديب ضرورة تعليمية، وأنه يُؤَمِّنُ الأطفال، وأن فن التأديب مهارة تلقن بسرعة. وإذا ما جرى التصرف بحزم، فلن يكون من الضروري اللجوء إلى التأديب في الغالب، أو خلال فترة طويلة، حتى ينجح فعل إعادة التأطير.
أَدِّبْ ولا تعاقب
وبغية أن يكون هذا التحليل ذا طابع عملي؛ إذا ما أخل طفل بنظام الفصل، يكفي أن يقترب المدرس منه بهدوء ويطلب منه بصوت منخفض أن ينهض ويدفع كرسيه ويطوي يديه خلف ظهره وأن يظل على هذه الحال خلف طاولته. في المرة الأولى، يشرح المدرس للطفل أنه يجب أن يظل واقفًا لفترة من الوقت لأنه لم يمتثل لهذه القاعدة أو تلك، وأنه سيسمح له بالجلوس عندما يصبح هادئًا وعلى استعداد لمتابعة الدرس مرة أخرى. وبعد أربع إلى خمس دقائق، يخبر المدرس الطفل أنه يستطيع الجلوس. عندما يعتاد التلاميذ على هذا الجزاء، تكفي إشارة بسيطة للدلالة عليه.
هذه هي العقوبة الأولى التي يمكن أن ننصح بتطبيقها في فصول الحضانة والصفوف الابتدائية؛ وهو إجراء بسيط ومباشر وفعال للغاية مع معظم الأطفال.
العقوبة الثانية بالغة الفعالية، خاصة عندما يعرقل الطفل نشاطًا جماعيًا، هي مطالبته بالعودة للجلوس في مكانه لفترة من الوقت وطي ذراعيه في صمت، في انتظار أن يشير إليه المدرس بالعودة إلى المجموعة. ليس من الضروري تأليب الفصل بكامله لاتخاذ هذا الإجراء. بل من الأفضل إخطار الطفل خفية بإيماءة رأس بسيطة أو مرافقته إلى مكانه وشرح ما يحدث بصوت خفيض في أذنه. أربع إلى خمس دقائق تكفي لتمكين طفل من استعادة هدوئه، وتشجيعه على الامتثال للقواعد بشكل أفضل لبقية اليوم. تظهر التجربة أنه بهاتين العقوبتين، من الممكن بالفعل حلحلة عدد كبير من المشكلات السلوكية في فصول الحضانة والصفوف الابتدائية. وكي يكون لها بعد تعليمي حقيقي وتتسم بالفعالية، من المهم دائما اتخاذ مثل هذه التدابير بقصد التأديب وليس العقاب.
إن التأديب عملية علائقية، ويجب احترام مبادئ معينة لكي ينظر إلى الإجراء المتخذ على أنه تأديب وليس عقابا. التأديب هو حكم يجب تحمله، وثمن ينبغي دفعه بسبب خطأ مرتكب وقاعدة منتهكة. ولكن نفس الإجراء، كأن نجعل الطفل ينهض من مكتبه ويقف أو يُطْلَبُ منه العودة إلى مكانه، على سبيل المثال، قد يكون تأديبا أو عقابا. إن موقف المدرس وطريقته في الإشارة إلى العقوبة وقصده في اللحظة التي يتصرف فيها هو الذي يجعل الطفل يعيش هذا الإجراء بوصفه تأديبا مستحقا أو عقابا غير عادل أو مهينا من شأنه أن يولد الغل في نفس التلميذ.
يكون الجزاء الذي يجب تحمله أو الثمن الواجب دفعه مقابل الخطأ عقابا عندما يكون القصد الذي يرافق الفعل، شعورياً أو لا شعورياً، يستهدف الشخص المعني وليس سلوكه، ويقصد إيلامه وإذلاله. ويعتبر فعل إرسال تلميذ إلى ركن من أركان الفصل، أو إبقائه في مقعده، ومخاطبته بطريقة مؤذية وإخباره بأنه عديم الفائدة أو وصمه بالفشل، مثال شائع نسبيا دال على العقاب. يكتسب الجزاء الذي ينبغي تحمله أو الثمن الواجب دفعه مقابل الخطأ، قيمة التأديب عندما يكون القصد موجها إلى فعل انتهاك قاعدة وليس إلى الطفل في ذاته، وعندما ينشد توعية الطفل بعواقب أفعاله، وتعزيز الشعور لديه بأنه ينتهك بسلوكه القواعد الأساسية. إن الهدف من كل هذا هو تربية الطفل على المسؤولية، وحضه على التصرف بشكل أفضل، وربما جبر الضرر التي تسبب فيه للآخرين.
إن هذه الظلال في المعنى بين العقاب والتأديب رهيفة، لكنها ضرورية. اليوم، العقاب هو بالأحرى الإجراء المفضل في المؤسسات التعليمية، وهو في رأيي أحد أسباب انتشار عدم الانضباط. من الضروري أن يكف المدرسون عن إنزال العقاب ويشرعوا في التأديب. في الصفوف أو مع التلاميذ ذوي المراس الصعب، تظهر التجربة أن التأديب ضروري للحصول على فرصة للنجاح في إعادة تأطير وأنه يجب تأديب التلاميذ الذين لا يحترمون القواعد الموضوعة. التحذير أو التهديد لا يجدي نفعا.
عندما يُلْهِمُ الحكم المدرس
والأسوأ من ذلك، أنه إذا كانت القواعد واضحة، وفي حالة انتهاكها ولم يتخذ المدرس أي إجراء، تفقد تلك القواعد فعاليتها. فيدرك التلاميذ بسرعة أن تلك القواعد مجرد تدبير شكلي لا غير، ويغذون في قرارة أنفسهم شعورا بالإفلات من العقاب تكون له عواقب وخيمة. فالقاعدة التي لا تقابلها عقوبة هي مجرد مزحة. يجب على المدرسين أن يظهروا عبر أفعالهم أنهم لا يمزحون. يجب ألا ينذروا التلاميذ بفرض عقوبات بعد الآن، ولكن في الواقع يجب عليهم إنزالها بالفعل. وللقيام بذلك، يجب أن يقتنعوا بأن العقوبة ليست فشلًا، ولكنها شرط لا غنى عنه، ليس فقط لاستعادة بيئة عمل مقبولة للجميع، ولكن أيضًا للسماح للتلاميذ بالتغيير وتعليمهم تحمل المسؤولية عن أفعالهم.
الخطوة الأولى التي يجب اتخاذها هي التصميم على وجوب إنزال العقوبة، تمامًا كما يفعل حكم كرة القدم عندما يدخل الملعب وهو يعلم مسبقا أنه سيضطر بالضرورة إلى معاقبة هذا اللاعب أو ذاك، لأن الحوادث ستطرأ لا محالة والقواعد ستنتهك.
الخطوة الثانية هو تعلم فن إنزال العقوبة. لهذا، فإن الحكم، وهو أيضًا مثال جيد للاقتداء، عادةً ما يُطلق صافرات الركلات الحرة الفورية وأحيانًا يشهر بطاقته الصفراء أو الحمراء دونما تهديد، لكن بطريقة حازمة تمامًا وفي نفس الوقت متسامحة ومحترمة. قد يبدي أحيانًا بعض الأسف على اللاعب الذي ارتكب الخطأ ويلزم أن يدفع الثمن، لكنه ينزل العقوبة رغم ذلك، لأنه ضامن احترام القواعد.
من واقع تجربتي، من النادر جدا أن يرفض التلميذ العقوبات في المرحلة الابتدائية، إذا كانت تلك العقوبة التي يتم اتخاذها هي أولى العقوبتين اللتين أشرت إليهما سلفا، وإذا كان المدرس مصمما وسمح الطبع. ومن النادر أن يضطر المدرس إلى اللجوء إلى عقوبات أخرى في هذه المرحلة، ولكن من الضروري أن يلجأ للتأديب وليس العقاب. إن العقاب هو الذي يولد الرفض، وليس التأديب.
لكن ماذا أنت فاعل عندما يأتي الآباء إلى المدرسة لدعم أطفالهم ويرفضون العقوبات التي يفرضها المدرس؟ عموما، هم يدركون أن من مصلحتهم التعاون مع المدرس من أجل أطفالهم؛ ومع ذلك، هناك الآباء "المعارضون" الذين يجب أن نوضح لهم (وعند الاقتضاء، من خلال إشراك إدارة المدرسة) أن المدرسين هم مهنيون وأهل دراية وأن الآباء ليسوا مضطرين للتدخل في شؤون فصولهم الدراسية. إن رسم حدود واضحة بين المدرسة والأسرة أمر مفصلي بالنسبة للجميع، وضروري للغاية للتعاون الجيد.
لا تيأس!
للتعامل مع الفصول الدراسية الصعبة أو التلاميذ ذوي المراس الصعب، يحتاج المدرسون إلى استعادة الأمل في أن يتمكنوا من التأثير في المواقف التي يواجهونها بأنفسهم -داخل فريق وبدعم من إدارتهم، -وتقوية التصميم المناسب لتنفيذ إعادة التأطير اللازم. من الضروري أن ندرك أن معظم المشكلات السلوكية التي تنشأ في الفصل الدراسي يمكن حلها في الفصل ذاته وأن الفخ الذي يسقط فيه المدرسون هو الشعور بالعجز من خلال عزو أصل المشكلات إلى أسباب خارجية (الأسرة أو غير ذلك). يتطلب الأمر اقتناعًا وتصميمًا، كما تقول ماري جولي، معلمة مدرسة ابتدائية تمكنت من التعامل مع فصل صعب بمفردها: "الآن بعد أن عشت هذه التجربة مع تلامذة فصلي. أدرك أن الأمر يتعلق قبل كل شيء بالثقة، والإيمان بما نقول لتسير الأمور على ما يرام. الجوهري، أن نكون أصحاب تصميم"
*********************
الكاتب: جان كلود ريشوز (Jean-Claude Richoz)، أستاذ مكون بالمدرسة العليا للتربية بلوزان، سويسرا
Bibliographie
J.-C. Richoz, Gestion de classes et d’élèves difficiles, Éditions Favre, 2010.
C. Halmos, L’autorité expliquée aux parents, Nil Éditions, 2008.
J. Blin et al. Classes difficiles, Delagrave Édition, 2001.
M. Auger et al. Elèves « difficiles ».Profs en difficultés, Édition Chronique sociale, 1995.

======================









الحمد لله رب العالمين
آخر مواضيعي

0 مواصلة لقاءات الحوار الاجتماعي.. الاتحاد العام للشغالين بالمغرب يقدم مطالبه
0 الحكومة توافق مبدئيا على الزيادة في الأجور في الوظيفة العمومية
0 منتخب الأردن بقيادة عموتة يحقق فوزا كاسحا في تصفيات مونديال 2026
0 موخاريق بعد استئناف الحوار الاجتماعي: هذه أبرز مطالب الاتحاد المغربي للشغل
0 وزارة بنموسى تتراجع عن شرط يقصي “المتعاقدين” من مباراة لتدريس أبناء الجالية
0 قرار لبنموسى يؤخر المنحة عن الأساتذة المتدربين الجدد (وثيقة)
0 المحكمة الإدارية تُلغي توقيفات بنموسى في حق أساتذة
0 ملف تعاضدية الموظفين.. بلغازي يحصل على 20 مليون درهم قبل البدء في تنفيذ صفقة
0 ​بلاغ إخباري الإثنين 25 مارس 2024 - الإعلان عن اللوائح النهائية للمترشحين الأحرار المقبولين لاجتياز امتحان نيل شهادة التقني العالي (bts) - دورة 2024.
0 نقابات ترفض "استهداف الأجراء" في مخطط إصلاح أنظمة التقاعد بالمغرب

إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

« إرساء علاقة تربوية عن بعد... هل هذا ممكن؟ .........( الجزء 1) | 6 مبادئ عامة في علم التدريس "الديدكتيك" »
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
اقتحم فصلا دراسيا بضواحي خريبكة وحاول قتل أستاذة وهذا مصيره nasser أخبار الحوادث 0 05-01-2019 20:21
فضلا..فليرحلوا ميمون بوجنان 2 الشعر والزجل 2 26-02-2016 21:47
بالفيديو.."أنت ماشي راجل" تُشعل فصلا دراسيا nasser أخبار الحوادث 6 05-03-2015 21:04
طلب مسآعده ..فضلا لا امرا Soraya التوجيه و الإستشارة 2 22-07-2012 10:10
فضلا أمن على الدعاء عسى يصادف القلب الصادق ابن الاسلام دفاتر الأخبار الوطنية والعالمية 5 11-01-2009 10:26


الساعة الآن 12:41


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات دفاتر © 1434- 2012 جميع المشاركات والمواضيع في منتدى دفاتر لا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة المنتدى بل تمثل وجهة نظر كاتبها
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات دفاتر تربوية © 2007 - 2015 تصميم النور اونلاين لخدمات الويب المتكاملة