" السر المهني...من مبدأ نبيل إلى كمامة للشرفاء! "

[nasser]

حمزة محمدي :تازة أون لاين : 26/08/2017

تتميز بعض المهن بخصوصيات معينة - بحكم طبيعتها - تجعل الشخص الذي يلجأ إلى ممتهنها مضطرا للبوح ببعض من أموره الشخصية له تسهيلا لعمله و ابتغاءا لنتيجة أفضل...مع مرور الأيام و توالي التجارب المهنية يصبح هذا "المهني" مستودعا لأسرار الناس...و هي أمور قد تكون في غاية الخصوصية ...و طبعا هم لا يريدون لأحد أن يطلع عليها... من هنا تتضح أهمية قدرة هذا المهني على الاحتفاظ بأسرار عمله لئلا يكون سببا في مفسدة المجتمع و ضياع الخصوصية التي يبتغيها الكل...و لهذا - و لغيره - تم استنباط مبدأ نبيل و سام اسمه " السر المهني" يقضي بعدم إفشاء أسرار الناس ممن ساقتهم الأقدار مكرهين إلى البوح بها لأشخاص معينين بحكم عملهم...كما أن للسر المهني غايات أخرى كحفظ خصوصيات بعض المهن و براءات الاختراع لضمان منافسة اقتصادية شريفة ..و أيضا حفظ المصالح العليا كأسرار الدولة و كل ما يمس بالأمن العام و مصلحة الأمة ...و هي كلها أمور جد حساسة و في غاية الأهمية.
تتعدد المهن التي تستوجب حفظ السر المهني، فالطبيب و الممرض مؤتمنان على حفظ المعلومات الصحية للمريض..و المحامي مؤتمن على حفظ أسرار موكله...و موظف البنك مؤتمن على معلومات زبنائه...و عامل المصنع مؤتمن على أسرار تصنيع مواد مصنعه .. إلى غير ذلك من الأمثلة التي يطول سردها...و التي تحيلنا جميعها إلى نبل مبدأ السر المهني و سموه لكن للأسف نلاحظ في مجتمعنا تشويها و تحريفا مقصودا لهذا المبدأ لتصبح له بذلك غايات أخرى بعيدة تماما عن سبب وجوده...فكثيرا ما يصبح السر المهني مطية يبتغي بها البعض التغطية على أوجه الفساد السائدة بإداراتنا و مؤسساتنا سواء منها العمومية أو الخاصة و الأمثلة على ذلك كثيرة و سأكتفي بواحد منها و هو ما يسمى "بقضية المكافآت المتبادلة" بين وزير المالية السابق و والي بنك المغرب الحالي صلاح الدين مزوار و خازن المملكة حيث تمت متابعة موظف المالية الذي فضح هذه الصفقة الفاسدة بتهمة إفشاء السر المهني و طبعا مع عدم متابعة المجرمين الحقيقيين طرفي الصفقة...
للأسف هذه ليست سوى حالة من بين
الكثير من الحالات التي استغل فيها مبدأ السر المهني أبشع استغلال ليصبح، بدلا من كونه مدرأة للفساد محفظة للأسرار و الأعراض، مبعثة للفساد بل و كمامة لأفواه الشرفاء الذين يبتغون مغربا أفضل خاليا من أوجه الفساد بتزكية من قوانين بلدنا المتقادمة التي لا تضع تعريفا محددا و دقيقا للسر المهني بل تتركه مجالا خصبا للتأويلات و لاجتهاد القضاء غير النزيه في غالبه الأعم .