كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الشأن التربوي خصوصا بعد صدور تقرير البنك الدولي الأخير واضعا المغرب في ترتيب تعليمي غير مشرف.
طبعا عند حلول كارثة ما فإن الكل يحاول التملص قدر الإمكان منها وإلقاء اللوم على الآخرين واتهامهم بأنهم هم مصدر الشرورجميعها.
المسؤولية الأكبر في نظري يجب أن تتحملها كل الحكومات التي تعاقبت على هذا الشعب
منذ بدء العمل بما يسمى "الميثاق الوطني للتربية والتكوين" وكذا مهندسو وواضعو الميثاق وكل الذين فشلوا في أجرأة بنوده وفق المدة الزمنية المحددة سلفا.
لكن هل هذا يعفي نساء ورجال التعليم من نصيبهم من المسؤولية ؟
قد يقول قائل : وما ذا بوسع المدرس أن يعمل وهو المجرد من كل الصلاحيات والمطالب بتنفيذ برامج
وتعليما ت مملاة عليه من الأعلى ومفروضة عليه فرضا.
قبل أن أجيب عن هذا التساؤل لابد من الإشارة إلى أن هناك مدرسين ومدرسات يقدرون جيدا جسامة المسؤولية التربوية الملقاة على عاتقهم ويتحدون كل الإكراهات لتطوير أدائهم التربوي بشكل يتناسب وتطورات العصر.
هؤلاء الرجال والنساء الذين لم تقهرهم قساوة الطبيعة ولم يحبط عزيمتهم جفاء المجتمع ولم تنل من إرادتهم في البذل والعطاء ضآلة الأجر و لا تجاهل المسؤولين لهمومهم.
إنهم درر لوامع ونجوم طوالع بهم يستنير المجتمع وبأخلاقهم ونبلهم تقتدي الأجيال.
لكن هؤلاء النبلاء الذين ذكرتهم آنفا يشكلون نسبة ضئيلة من الجسم التعليمي.
ينبغي إذن التجرد من العاطفة المفرطة التي قد تحجب عنا الرؤية الحقيقية للأمور وتجعلنا نتفادى رؤية أخطائنا والاعتراف بها وتحصر حقل رؤيتنا في ما يصدر عنا من إيجابيات.
في ما يلي سوف أحاول التحدث عن بعض التصرفات التي أراها سلبية وأتمنى أن أستيقظ يوما فلا أجد لها أثرا في مؤسساتنا التربوية خاصة وفي مجتمعنا بوجه عام.
أول هذه المظاهر هو عدم احترام التوقيت فلا يعقل أن يحضر المدرس متأخرا بشكل يومي دون مبرر ثم يقضي مدة أخرى ليست باليسيرة في تجاذب أطراف الحديث مع الزملاء وفي النهاية يتسلل قبل موعد الخروج بأكثر من نصف ساعة.إذا احتسبنا كل هذا الوقت الضائع فماذا سيبقى من الزمن الحقيقي للتعلم.
وتندرج ضمن نفس الإطار مسألة الغيابات غير المبررة أو المبررة بأسباب واهية.
الأمر الثاني هو عدم مواكبة المستجدات التربوية والاكتفاء بالتخصص في تدريس المستوى نفسه مدى الحياة المهنية .مما يجعل الأستاذ حبيس ثقافة عصره كارها لأي تجديد.
فتجد هذا النوع من المدرسين لا يكل من اجترار معلومات أصبحت متجاوزة وانتهت مدة صلاحيتها.بل إنه يدرس المقرر كل سنة بالطريقة والأمثلة نفسها دون تبديل أوتحديث.
أما الآفة الثالثة فهي مصيبة الدروس الخصوصية التي استشرت بشكل سرطاني وسط الجسد التعليمي . وهي ظاهرة خطيرة ينبغي اجتثاثها وتجفيف منابعها تحصينا للمدرسة العمومية وحماية لأبناء الفقراء الذين يعتبرون من أكبر ضحاياها.
من غير المقبول أن يترك التلاميذ عرضة لبعض المتاجرين بالعلم الذين يتحايلون عليهم بعدم شرح الدروس داخل القسم كما ينبغي لإيهامهم أنهم في حاجة إلى دعم أو يلجؤون إلى تضخيم النقط تشجيعا للآخرين وترويجا لبضاعتهم البائرة.
حقيقة هناك بعض المتعلمين الذين هم في حاجة إلى تقوية ومؤازرة وأقترح أن يتم ذلك بطريقة قانونية وواضحة كأن يعهد بهذه الحصص الداعمة إلى الراغبين في ذلك من المدرسين وبمقابل تؤديه لهم الدولة وداخل المؤسسات التربوية وفق إطار قانوني منظم لذلك.
هذه بعض السلبيات التي أرجو أن نتخلص منها لكن بالموازاة مع ذلك ينبغي الاهتمام أكثر بإصلاح أوضاع الأسرة التعليمية المادية والمعنوية وتوفير الظروف اللازمة لأداء واجبهم بشكل يشرف مهنة التعليم ويعيد للمغرب مكانته بين الأمم.