تثقل كاهل التلميذ مقررات دراسية طويلة ورتيبة المعارف في الآن معا، مما يدفع المدرس إلى تسريع وتيرة الإلقاء من أجل إتمام ما أمر بتبليغه للتلاميذ؛ لأننا نعتبر الفصل الدراسي بمثابة مكان للخطب البلاغية من أجل حكاية القصص و الأخبار المتنوعة التي لا ينجذب إليها المتعلم، و بالتالي لا يبالي بها لأنه لا يدرك جدوى حفظ معلومات لا ولن يوظفها سواء داخل المدرسة أو خارج أسوارها.
يغيب معنى التعلم عند المتعلم. إذا حللنا ظاهر الأشياء، فإننا نرى طفلا أو متمدرسا يحمل محفظة بها كتب و أدوات مدرسية، لكنها دون جدوى لأن سياق التعلم الذي يتيح للمتعلم استعمال تلك المحفظة الثقيلة من حيث الكم؛ الفارغة من حيث المضمون و الجودة؛ لا يتعدى كونه فضاء تلقي معلومات إخبارية و مكانا لإعادة الإنتاج و تكريس السلطة التي أوكلت للمدرس الذي ينجح في أداء هذا الدور الذي يعبر في حقيقة الأمر عن رغبته في حب التملك و إصدار الأوامر التي تطاع و ينصاع لها الآخر.
إن المتعلم، في ظل ظروف سلطوية، لا يتمتع بحرية التفكير التي تبلغه مرحلة الميطامعرفة، إنه مغتصب في فكره، منفصل عن ذاته لأنه تم دمجه مع نموذج مثالي خارج عن ثقافته، غريب عن مبادئه وشخصيته لكنه التحم به رغما عنه، لأنه أريد له أن يكون كذلك. لا يقبل المدرس حقائق جديدة أو مخالفة لما جاء في المقررات الدراسية التي أسندت مهمة تأليفها لأشخاص لم يتلقوا تكوينا خاصا باقتراح محتوى دراسي مفتوح على عدة حلول و مقاربات؛ لأنهم بكل بساطة ركزوا على المعرفة المستوحاة من مصدر واحد، غير مراعين في ذلك النظريات المناقضة أو المخالفة لرأيهم الذي يدافعون عنه. إن مجرد المعرفة أن أحداثا وقعت، أو أن نظريات تم ثبوت صحتها من طرف علماء لا يرقى إلى العلم الذي يجعل كل شيء موضع شك ، و لا يتحقق من صحته إلا بعد إخضاعه للتجربة و التحليل و المقارنة مع نظريات و مفاهيم لعلماء مختلفين يتبنون إطارات مرجعية متعددة.
ما يطلب من المتعلم في غالب الأحيان أثناء فرض أو امتحان إرجاع البضاعة إلى أهلها؛ فيصعب عليه اختيار ما يجب إرجاعه لأنه لم يفهم ولم يدرك معنى التعليم الذي قدم له( أغفلنا الحديث عن معنى التعلمات لأن التعلم غائب في هذه الحالة)، و بالتالي تبقى المعلومات غريبة عن تمثلاته و ذاته التي لم تطرح تساؤلات ولم تتفاعل و تعد تركيب هذه المعلومات. يتطلب الاحتفاظ بالمعارف في الذاكرة أن يدمجها المتلقي ( المتعلم) بطريقته الخاصة بعدما يفك شفرتها ولغزها؛ لكن ما دامت عملية الإلقاء هي السائدة، و خصوصيات المتعلم، و عملياته الذهنية مهملة و مهمشة لصالح ذات المدرس وسلطوية المعرفة؛ فإن الفهم لن يحصل، و إدراك مهمة التعلم و رهان التكوين سيبقيان من ضرب الخيال لأنه لا يعقل أن نطلب من فرد أخضعناه أثناء العملية التعليمية أن يتعلم كيف ينجز تمرينا أو يحل وضعية مشكلة عند إجراء فرض.