تفكيك منظومة الفساد بالوزارة أولا
المصطفى مرادا
المساء : 29 - 02 - 2012
أبانت المائة يوم الأولى من عمر الوزارة الجديدة عن أسلوب جديد في التعاطي مع ملفات كثيرة كان موقف الوزارة السابقة منها متشددا حد التشنج، أسلوب عماده الجرأة في اتخاذ القرارات والمرونة في التعاطي مع ملفات الإرث الثقيل لهذه المرحلة، الأمر الذي فاجأ الكثير من مكونات الجسم التربوي والنقابي ببلادنا وجعلها أكثر تفاؤلا، غير أنها قرارات تستلزم أن تكون مصاحبة لعملية تقويم موضوعية وصريحة وشاملة لكل مشاريع البرنامج الاستعجالي، وأيضا، وربما أساسا، تفكيك منظومة الفساد التي تشكلت من مرحلة «المال السايب» هذه ذلك، بأن تحذو الوزارة الجديدة حذو بعض الوزارات الأخرى وتقدم ملفات الفساد إلى القضاء لمحاكمة مجرمي المال العام في القطاع، كبارا وصغارا، عما اقترفوه في حق تعليم أبناء الشعب.. وهو أمر من شأنه أن يعزز ثقة رجال التربية والتكوين والأسر والشركاء في الوزارة ويجعلهم أكثر استعدادا وقابلية للانخراط في متطلبات المرحلة القادمة.
إن من بين نقط الضعف التي حدت من فعالية البرنامج الاستعجالي فيما سبق، هي أن شمولية رهاناته وأهدافه، كانت عائقا ذاتيا في أجرأته، ذلك أن صفة «الاستعجالي» التي أعطيت له كانت تفترض أن تكون أهدافه أكثر تحديدا وتركيزا، فليس من المنطقي أن ندخل مريضا إلى قسم المستعجلات في حالة احتضار، ونجري له عمليات جراحية في القلب والرئة والدماغ والكلية... في عملية واحدة، إذ الأولى هو أن ننعشه لنبقيه على قيد الحياة أولا، فتعميم التعليم وتوسيع قاعدة التعليم الثانوي التأهيلي وتنمية التعليم الخصوصي وتطوير الهندسة البيداغوجية وترشيد تدبير الموارد البشرية وتنمية البحث العلمي والتجديد التربوي و.. هي أهداف مهمة وكبيرة بكل المقاييس، لكن لا يمكن أن تتحقق أبدا في ظل ثقافة الإفلات من العقاب التي استشرت في الوزارة، والتي مردها إلى سيادة أنواع من العلاقات غير الشفافة، عمادها الزبونية والمحسوبية والجهوية والقبلية
والنقابوية والحزبوية..
لذلك فعملية الإنعاش الاستعجالية، التي من شأنها أن تبقي هذا المريض حيا أولا، قبل البدء في معالجة باقي أمراضه وأعطابه، هي تطهير المديريات والمصالح والأقسام والإدارات والفصول الدراسية من نماذج تسيء إلى القطاع وإلى مهنة هي الأشرف والأنبل، وإعطاء فرصة للكفاءات الوطنية الشابة التي أثبتت جدارتها وكفاءتها، ثم القطع مع كل مظاهر ثقافة الريع في أفق ترشيد النفقات وعقلنتها، ثم مراقبة الصفقات العمومية التي يشهدها القطاع، وهي عملية تحتاج لوحدها للاستعانة بخبراء مختصين ونزهاء ذوي صلاحيات استشارية على صعيد ديوان الوزير مباشرة، فالعقول الفاسدة التي عششت في القطاع أثبتت «علو كعبها» في التلاعب بعقول الوزراء السابقين، من خلال فبركة تقارير مزورة منتفخة الأرقام والنسب، عقول اكتسبت خبرة في نهب المال العام، من خلال ضبابية الصفقات والتستر على إنجاز دفاتر التحملات من طرف المقاولات المحظوظة، وأدلة فسادها وإفسادها ظاهرة في مشاريع كثيرة ظهرت على هامش البرنامج الاستعجالي.
فمما لا شك فيه، هو أن قطاع التربية والتكوين ليس فردوسا يعج بالملائكة يسبحون الله تعالى بكرة وعشية، بل إنه كأي قطاع عمومي بالمغرب، لا يخلو من قضايا يتداخل فيها الابتزاز باستغلال النفوذ، والسمسرة بالزبونية، والنقابوية بالحزبية الضيقة، وجهل القانون بالبيروقراطية الحلزونية، والتطبيق الحرفي للقانون بالتطبيق الانتقائي، والنعرة القبلية بالنزعة الجهوية، كل هذه الأشكال من القضايا التي لا علاقة لها من قريب أو بعيد بأخلاق مهنة التربية، مازالت طافحة في هذا القطاع، في الحركة الانتقالية وإسناد المناصب، وفي الامتحانات المهنية والتعويضات عن المهام، وفي إبرام الصفقات ومراقبة تنفيذها، وفي الاستفسارات والمجالس التأديبية، وفي تخويل المساكن الوظيفية الشاغرة والتستر على احتلالها، وفي التشدد مع الغائبين بمبرر والتستر على الأشباح، وفي تجهيز المؤسسات ومشاريع الإصلاح، بل حتى عملية المراقبة والتفتيش التربوي كعملية تربوية خالصة، هناك من يوظفها لنيل رشاوى تقل قيمتها من مستوى لآخر، أقلها «الزيت البلدي» أو «العسل الحر» أو «التمر»..إلخ، أما في الأقسام الدراسية فهناك من يبتز التلاميذ بنقطة المراقبة المستمرة مقابل الساعات الخصوصية، وفي المصالح الاقتصادية في المؤسسات هناك من حول مطعم الداخلية الذي يقتات فيه البؤساء من التلاميذ، إلى مطعم عائلي، صحيح أن تعميم هذه المظاهر هو ابتعاد عن جادة النقد البناء، لكن من ينفي اليوم وجود كل هذا وذاك في التعليم المغربي، فإنه متهم على رؤوس الأشهاد
تفكيك منظومة الفساد بالوزارة أولا
المواضيع المتشابهه
