الصفر كثير عليها
إدريس ولد القابلة
الحوار المتمدن - العدد: 3718 - 2012 / 5 / 5 - 21:21
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
لا يتناطح كبشان بخصوص واقع منظومتنا التعليمية التي أضحت أغلب مؤسساتها تفطر أجيالاً من البطالة لا يتمكن أفرادها من إيجاد موقع تحت شمس سوق. وذلك أن الكثير من الشعب المدرسة حالياً بجامعاتنا- على سبيل المثال، لا الحصر، الآداب العربية، التاريخ والجغرافية، الدراسات الإسلامية، علوم الحياة... أضحت اليوم مرادفة للبطالة الأكيدة.
إلى متى سيظل القيمون على منظومتنا التعليمية مصرين على هذه "الجريمة الاجتماعية" التي اغتالت طموح أكثر من جيل في التمكن من شروط العيش الكريم بواسطة التمكن من فرصة شغل. والحالة هذه، مازلنا نعاين بعض المسؤولين يلغون بخطابات منافقة ومغالطة من قبيل، أن قادة هذا الوطن يصبون نحو إيجاد وطن متكامل يعتمد ذاتيا على موارده وعلى قوّة شبابه المسلح بالعلم من أجل الاستمرار قدماً في دفع عجلة التقدم التنموي بغية الوصول لمصاف الدول المتقدمة. وهذا في وقت –ومنذ سنين خلت- 99% من خريجي جملة من شعب جامعاتنا مآلهم البطالة المستدامة والتظاهر أمام قبة البرلمان وعرض أجسامهم لهراوات المصالح الأمنية لأن مسار دراستهم لا يستجيب البتة لمتطلبات سُوق الشغل بأي شكل من الأشكال.
فكفانا لغطاً حول إصلاح التعليم وترشيده بعد أن وصل حل تعليمنا العمومي مستوى الحضيض حيث لم يعد هناك مجالاً للتدهور أكثر.
علينا اليوم نسيان كل هذا اللغط والإنكباب –ليس على مسرحية جديدة تدعى مشروع إصلاح أو ترشيد أو حكامة التعليم –وإنما الانطلاق من الواقع المعيش لإعادة النظر في مختلف الشعب الموجودة حالياً في جامعاتنا، وذلك انطلاقاً من متطلبات سوق العمل قصد تعويضها بشعب وتخصصات ومناهج حديثة تحاكي متطلبات سوق العمل بكافة تخصصاته والتخلي عن كل الشعب التي تفقس العطالة المستدامة، وهذا لنلبي متطلبا سوق الشغل ونعفي خريجي جامعاتنا من الاعتصامات والتظاهرات وعرض الأجسام للهراوات الأمنية.
وعوض السفسطة حول جملة من الرؤى والنظريات –وأحياناً الرغبات المزاجية- التي كمنت إلى حد الآن وراء اغتيال منظومتنا التعليمية إلى أن وصلت إلى ما هي عليه الآن، عوض ذلك يتوجب اليوم الانطلاق من مشروع إعداد المعايير المهنية الوطنية، لأنه يمثل الركيزة الأساسية في بناء البرامج والمناهج التكوينية والتدريبية وهذا لضمان توافق الرؤية العلمية مع الواقع العملي الذي تفرضه متطلبات سوق العمل. هذا هو السبيل الأجدى والأنجع لإنقاذ منظومتنا التعليمية من الوضع المتردي وانتشالها من "درجة" الحضيض، لأن هذا السبيل عليه أن يتوخى اعتماد شعب وتخصصات ومناهج ومقررات وبرامج أكثر التصاقاً بسوق العمل وأكثر واقعية في تحقيق متطلباته الأساسية، أراد من أراد وكره من كره، إن المطلوب اليوم من جامعاتنا هو تخريج مؤهلين عملياً حسب متطلبات سوق العمل، وبذلك تسهل عملية اندماجهم في المجتمع كمواطنين منتجين لهم موقعهم الكريم والمشرف تحت شمس وطنهم.
كفانا حشواً ولغواً، لأن على المنظومة التعليمية أن تزود الخريج بزاد مفيد وحد أدنى من التأهيل الرامي إلى تسهيل ولوج سوق العمل، وليس العكس كما هو حالنا اليوم. ففي مجال التعليم فوّتنا أكثر من فرصة وفرطنا في أكثر من موعد إلى أن وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم بعد أن انكشفت "مؤامرة التعريب" وهو مخطط ساهم في تشويه منظومتنا التعليمية وجعلها شبه "لقيطة".
وبعد عقود مما كان يبدو وهج في النظر وقرقعة في الآذان و لذع في الحس وتهيج في الشعور الوطني والقومي و "الهويتي" (نسبة للهوية)، انفضح الأمر بوصول منظومتنا التعليمية إلى درك الحضيض.
وقد قال قائل، إذا أردنا تقييم منظومتنا التعليمية، فإن الصفر كثير عليها.