المغرب في أفق 2025
عبد المومن الشباري
قبل الحديث عن السيناريوهات الممكنة والمحتملة لأفق المغرب في المرحلة القادمة، يقتضي الأمر الوقوف على الميكانيزمات والمحددات التي تؤطر المشهد السياسي المغربي، وما تسمح من إمكانيات للتطورات المفترضة، التي قد تشهدها البلاد في المستقبل .
فالمشهد السياسي المغربي مقيد بالعديد من المحددات والمقومات السياسية والدستورية والتشريعية والادارية، تجعل منه مجالا مغلقا، يعيد انتاج نفس الأنساق السياسية القائمة، لكن بفاعلين ونخب جديدة (استبدال الأحزاب اليمينية الادارية، بأحزاب الكتلة)، وبتأسيس لتجارب قد تبدو على مستوى الشكل انها قطعت مع التجارب السياسية السابقة في إدارة الشأن العام، وتؤسس لتجربة نوعية. لكنها على مستوى العمق تجسد الاستمرارية .
وترجع أسباب الحصر السياسي إلى غياب الإرادة السياسية لدى السلطة الفعلية في المغرب، لمبدا اقتسام السلطة على قاعدة الديمقراطية بمفهومها الكوني . بحيث أعطت التطورات السياسية التي عرفها المغرب وعبر كل التجارب الانتخابية والاستشارية ديمقراطية مشوهة وغير متوازنة لأن السلطة في المغرب غير قابلة للتداول وأن الانتخابات تجري بدون رهانات سياسية واضحة، ولا تشكل البثة مجالا للتباري الديمقراطي حول البرامج والمشاريع المجتمعية .
لا يمكن أن يسفر عن ذلك ، سوى جهاز تنفيذي ضعيف، ومجردا من الصلاحيات التنفيذية الحقيقية، وليس له من القدرة إلا على تطبيق القوانين، وزاد من تهميش الحكومة في ظل العهد الجديد، السلطات الواسعة التي منحت للولاة والعمال على المستويين الاقتصادي والسياسي .
إن عدم الفصل الحقيقي للسلط، وتمركزها في يد المؤسسة الملكية، أعطى لحكم هذه المؤسسة سلطة مطلقة، أصبح معها الملك، وفقا لمنطوق الدستور، له صلاحية تعيين الوزير الأول دون التقيد بما يسفر عنه الاقتراع في الانتخابات (تعيين جطو على رأس الحكومة بعد انتخابات 27 شتنبر 2002). كما يمنح الدستور الملك صلاحية وضع حد لمهامه، ومهام الوزراء، لأن الحكومة مسؤولة أمامه قبل أن تكون مسؤولة أمام البرلمان (الفصل 60 من الدستور ) ، وبذلك تصبح الحكومة تحت الإمرة، والسلطة ذات رأسين من الناحية الشكلية، وذات رأس واحد من الناحية العملية، وبالتالي فالوزير الأول ليس سوى صنيعة رئيس الدولة الذي يعينه ويقيله كما يشاء .
إزاء هذاالوضع السياسي المركب والمغلق، والذي لا يفتح المجال لتطور الحياة السياسية في المغرب والذي يرهن البلاد في دورات سياسية دائرية لا تتيح امكانية خلق التراكم الضروري للتقدم. يصبح المغرب مفتوحا على سيناريوهات ثلاث في صيرورة تطوره، يمكن تحديدها فيما يلي :
لسيناريو الأول :
- نظام حكم شمولي يجد مرتكزه في المشروع المجتمعي الأصولي، الذي يتغدى ويتطور من فشل المشروع الديمقراطي، وزاد من تقويته الفشل الذريع لتجربة التناوب السياسي والتراجع الكبير للكتلة الديمقراطية، وتردي الأوضاع العامة لعموم المواطنين المغاربة. غيرأن نجاح هذا المشروع قلص من حدود تأثيره وفرص نجاحه بعد أحداث 16 ماي الارهابية، وبعد أن تم تفكيك البن] السياسية للاتجاهات المتشددة، والإدماج الكلي للاتجاهات المعتدلة ( العدالة والتنمية) في نسق النظام السياسي، وتراجع الاتجاهات المنازعة لحكم (العدل والاحسان). بعد أن ساد نوع الخوف لدى العموم المواطنين من المشوع الأصولي والأعمال الارهابية التي عرفها المغرب ويعرفها العالم .
لسيناريو الثاني :
ظام حكم ديمقراطي حقيقي، وهو مشروع غير قابل للتحقق في المدى المنظور، لأسباب متعددة ومتداخلة، كان أهمها الفشل الكبير لتجربة التناوب التي خرجت منه أحزاب الكتلة الديمقراطية مفككة، ولم تحقق الحد الأدنى من مشاريعها وبرامجها، وأفضى إلى العديد من التصدعات السياسية والتنظيمية داخلها. كما أن اسقاطها لمطالب الاصلاحات الدستورية، من جدول أعمالها الراهن، وكذا ضعف القوى الحاملة لمشروع التغيير الديمقراطي الحقيقي (قوى اليسار)، كل هذا يجعل من إمكانية تحقيق إقامة ديمقراطية حقيقية، غير قابلة للانجاز في المدى المنظور .
لسيناريو الثالث :
لابقاء على الوضع السائد، مع التراجع إلى الوراء على بعض التطورات الجزئية التي عرفها المغرب . حيث عرف هذا الأخير نوع من الرذة السياسية، وذلك من خلال إعمال الفصل 24 من الدستور، والانهاء مع تجربة التناوب بكل عيوبها. والرجوع للتيكنوقراط، ووضع وزير أول تقني على رأس الحكومة، ضدا على نتائج الاقتراع .
بالموازاة مع ذلك تم إحداث الكثير من المؤسسات الغير دستورية، تعد حكومة فعلية خلف المؤسسات، تشتغل بالمال العام، وخارج مسؤولية الحكومة ترتبط مباشرة بالمؤسسة الملكية، وغير خاضعة للمراقبة التنفيذية والتشريعية. كما تتجلى مظاهر التراجع إلى الوراء في اتخاذ العديد من الاجراءات والتدابير، وسن الكثير القوانين التي تقلص من مساحة المجال المدني، وتحد من الحريات لفائدة المجال المقدس، كقانون الصحافة، ومشروع قانون الأحزاب. وقد عمق هذا المسلسل أحداث 16 ماي الارهابية التي تمخض عنها قانون الارهاب، الذي قوى من عنصر الهاجس الأمني، وما ترتب عن ذلك من تقليص مجال الحريات والتجاوزات الأمنية التي رافقت تلك الأحداث .
المحاور ذات الأولوية في الإصلاح السياسي بالمغرب :
تكتسي الاصلاحات الدستورية أهمية قصوى في سلم ترتيب الأولويات في مجال الاصلاح بالمغرب. بحيث أن تجربة الاصلاح لاسياسي التي وضعتها أحزاب الكتلة الديمقراطية في أولوية برامجها، وباشرتها من موقع الحكم قد آلت إلى الفشل .
إن المجال السياسي المغربي المغلق، جعل من حكومة التناوب، حكومة فاقدة للفعل والمبادرة، وجهاز يدبر الازمة، ولا يملك من السلطة الفعلية سوى الإسم، لمحدودية مجال تحركها، وكذا تقيدها بالأولويات التي تضعها الدولة، بحيث اصطدمت كل مشاريعها السياسية الاصلاحية بلوبيات مافيوية نافدة داخل جهاز الدولة. الشيء الذي عرى عن كل الاختلالات السياسية والدستورية والمؤسساتية، التي تطال مستويات وبنى النظام السياسي. وجعلت من مؤسسة الحكومة ومؤسسة الوزير الأول تفتقدان للمرتكزات الدستورية، والآليات المؤسساتية التي تمنحها قدرا من الاستقلالية، وحضورا سياسيا وقانونيا أقوى .
إن فشل مشاريع الاصلاح السياسي لتجربة حكومة التناوب، تؤكد أهمية وضرورة الاصلاح الدستوري كمدخل مركزي، لعملية التغيير الديمقراطي، وحجز زاوية في أي انتقال ديمقراطي مستقبلي. اصلاح يعطي الأولوية لفصل حقيقي للسلط، ويمنح مساحات كبرى لمؤسسة الحكومة ومؤسس الوزير الأول، ويعطي إمكانيات حقيقية للمؤسسة التشريعية في المراقبة والتشريع .
غير أن اصلاحا دستوريا حقيقا سوف يبقى مجردا، ووعاءا فارغا إذا لم ترافقه إرادة سياسية قوية، قادرة على القطع مع كل أشكال التدبير السابقة، وإعمال كل الاجراءات السياسية والقانونية لوضع حد لظاهرة الافلات من العقاب في الجرائم الاقتصادية والسياسية، لأنه من المستحيل وكما أكدت تجربة التناوب تأسيس مجتمع ديمقراطي على قاعدة البنى السياسية العتيقة، وبمعية مافيات متغلغة داخل دواليب الدولة. الشيء الذي يستوجب إحداث قطيعة سياسية مع نظام المخزن السياسي والاقتصادي، بارتباط مع البناء الديمقراطي الحقيقي، الذي يروم الاصلاح الدستوري والسياسي .