حي "الشيخ جراح".. "ذاكرة" القدس تنتظر التهويد!
سليمان بشارات
اسلام اون لاين 10-5-2009
أهالي الحي اختاروا في وقت سابق المسكن بدل مساعدات الغذاء للبقاء فيه
عرف عنه الرقي بين الأحياء المجاورة.. سكنته عائلات مشهورة.. حج إليه الشعراء والأدباء العرب من بقاع مختلفة.. استذكره الشاعر العراقي "معروف الرصافي" في إحدى زياراته إلى مدينة القدس، فقال: "وكان فيها النشاشيبي يسعفني وكنت فيها خليلا للسكاكيني". "حي الشيخ جراح".. أحد معالم مدينة القدس، وأكثر أحيائها ارتباطا بالتاريخ.. تفوح منه رائحة الأدب والثقافة حتى أسماه الكثيرون "ذاكرة القدس الثقافية".. إلا أنه بات الآن مهددا بفقدان هويته في ظل استمرار الاحتلال السيطرة على بيوته بيتا تلو الآخر.
ومنذ سنوات يتعرض الحي إلى هجمة إسرائيلية تهدف للسيطرة عليه وكسر الحلقة العربية التي تشكلها هذه الأحياء حول البلدة القديمة من مدينة القدس، بلغت أشدها في الربع الأول من عام 2009 وكان أحدثها تسليم الاحتلال 28 أسرة فلسطينية إخطارات للرحيل عن بيوتهم الشهر الماضي.
ذاكرة ثقافية..
طالع أيضا: خليل التفكجي مدير دائرة الخرائط بجمعية الدراسات العربية بالقدس، يصف الحي بالقول: "يشكل هذا الحي قلب مدينة القدس، فهو يعتبر من الأحياء الفلسطينية العربية التي تحيط بالبلدة القديمة للمدينة".
ويضيف في تصريحات خاصة لـ"إسلام أون لاين": "شكل هذا الحي عبر التاريخ محطة ثقافية تتسم بالعراقة والرقي نتيجة لتواجد العديد من العائلات الفلسطينية الراقية فيه.. وهو ما جعله مقصدا للعديد من المثقفين والأدباء".
وتقع في الحي بعض المعالم الثقافية مثل القصر الذي كتب وعاش فيه أديب العربية إسعاف النشاشيبي (1882-1948م)، وبنى النشاشيبي قصره في حي الشيخ جراح، ليس بعيدا عن مقام الشيخ السعدي، وزخرفه بقطع الموازييك الأزرق التي ما زالت تزينه حتى الآن.
وفي هذا القصر حل كثيرون من أعلام الأدب العربي مثل الشاعر بشارة الخوري (الأخطل الصغير)، وحافظ إبراهيم (شاعر النيل)، والشاعر العراقي معروف الرصافي، الذي نزل ضيفا في هذا القصر وذكره في إحدى قصائده.
هدفان
وحول الأسباب التي تدفع الاحتلال للسيطرة على الحي، يقول التفكجي: "يطمح الاحتلال من خلال سيطرته على الحي للحصول إلى هدفين أساسيين؛ يتمثل أولهما في أن هذا الحي يعتبر أحد الأحياء العربية الملاصقة للبلدة القديمة".
فيما يتمثل الهدف الثاني -بحسب التفكجي- في أن هذا الحي يقع "وسط الأحياء العربية التي تشكل الدائرة الأولى حول البلدة القديمة للقدس، بالتالي فإنه بالسيطرة عليه سيسهل على الاحتلال تفكيك التواصل السكاني بين هذه الأحياء".
ويعتبر حي الشيخ جراح واحدا من بين مجموعة أحياء بدأ الاحتلال السيطرة عليها تحت حجة عدم وجود تراخيص أو إثباتات لدى العائلات الفلسطينية التي تسكنها، ومن هذه الأحياء أيضا حي البستان الذي يقع في حي سلوان.
تهجير مرتين
آمال القاسم ابنة إحدى الأسر الفلسطينية التي هجرتها العصابات الصهيونية في العام 48 من أرضها لتستقر في هذا الحي وتبني مستقبلها، تقول: "في عام 48 هجرت عائلتي من فلسطين المحتلة وانتقلت للعيش في هذا الحي.. واليوم يحاولون تهجيرنا مرة ثانية".
تحاول استجماع ذاكرتها التي رسمتها أيام 40 عاما من حياتها قضتها في هذا الحي فتقول: "في العام 1956 وقعت وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين عقدا مع الحكومة الأردنية آنذاك وتم بناء لنا وحدات سكنية مقابل أن ندفع مبالغ رمزية كرسوم سنوية لمدة 3 سنوات، ثم تنتقل ملكية البيوت تلقائيا لنا".
وتتابع بالقول: "تنازلنا عن حقنا في الغذاء مقابل الحصول على منزلنا.. فوكالة الغوث خيرتنا ما بين الحصول على الغذاء أو الحصول على المسكن، ونحن وقتها اخترنا المسكن ودفعنا أقساطه للحكومة الأردنية آنذاك".
تفضيل السجن
بدورها "ريما عيسى" تحاول أن ترسم المعاناة المستمرة التي يعيشها أهالي الحي، فتقول: "حالة من الخوف الدائم تسيطر علينا.. الكل ينتظر دوره في الإخلاء".
وتضيف: "لكن رغم ذلك نحن متمسكون ببيوتنا هذه... هنا ولدنا وتربينا.. لن نترك هذا المكان مهما كلف ذلك".
وتشير ريما إلى أن الاحتلال الإسرائيلي "يساوم أهالي الحي على وجودهم.. ويتم تخيرنا ما بين أن ننصاع لأوامر الإخلاء أو قضاء فترات في السجون.. إلا أننا سنبقى صامدين ولن نترك بيتنا".
وتذكر ريما أحد الأمثلة على ذلك فيما تعرض له المواطن "ماهر حنون" الذي تم اعتقاله أول مرة لمدة 3 شهور، وها هو الآن يواجه محاكمة جديدة بعد أن رفض أوامر الإخلاء.
وحول ما يعيشه أهالي الحي من عدم استقرار لوجود بعض الجماعات الاستيطانية التي استولت على بعض بيوت الحي تقول ريما: "هناك الكثير من العائلات الفلسطينية تتعرض لمضايقات مستمرة من قبل المستوطنين.. هناك بعض البيوت أصبح مدخلها ملاصقا للمستوطنين، ومنذ الاستيلاء يخشى أصحابها النوم خوفا من اقتحام المنزل عليهم ليلاً".
ويعيش في الحي نحو 55 عائلة فلسطينية من بينها عائلة النشاشيبي، وعائلة حنون، والقاسم، والسكاكيني والكثير من العائلات الفلسطينية المشهورة، ويبلغ عدد سكان الحي نحو 600 مواطن فلسطيني أغلبهم تعود أصوله إلى عائلات تم تهجيرها من الأراضي المحتلة عام 48.