فوائد من كتاب " التربية الجماعية في الإسلام " نايف القرشي
١/ التربية هي توجيه الفرد في فكره وسلوكه على منهج سليم من خلال الكتاب والسنة ليبصر واقعه برؤية صحيحة واقعية وليتعامل مع الأحداث بشكل متزن والدور المنشود من التربية هو بناء أجيال ناهضة قادرة على الحفاظ على جوهر شخصيتها وهويتها في هذا العالم المضطرب.
٢/ التربية لا تتم بموعظة تلقى أو خطبة تسمع ولا تتحقق بكتاب يؤلف أو بحث يقرأ أو درس يحضر إن عملية التربية أعمق معنى وأوسع مدى من هذا كله فهي جهد متواصل وتدريب دؤوب ومتابعة مستمرة للمتربين فلا تتحقق إلا بممارسة عملية وإشراف مباشر على المتربين ٠
٣/ من أساليب التربية : التربية الذاتية وهي ' أن يربي الفرد نفسه ويوجهها وجهة سليمة بما يوافق الغاية من أجلها أوجده الله ' وعلى الرغم من أهمية التربية الذاتية إلا أنها وحدها لا تبني إنسانا سويا والتربية التي تسهم في بناء الإنسان هي التربية الجماعية لأن هناك من جوانب الإنسان لا تتضح ولا تعمل إلا في داخل جماعة فيها أفراد غير ذات الإنسان.
٤/ سبب الحديث عن التربية الجماعية هو لأن كثيرا من المتقهقرين عن دينهم بسبب خلوتهم المفرطة مع ذواتهم ولأن جلائل الأعمال الكبرى لا تتحقق إلا عن طريق العمل الجماعي المنتظم المتعاون بخلاف العمل الفردي فإنه لا يثمر في الغالب إلا أعمالا تتناسب مع مستوى طاقات الأفراد شدة وضعفا .
٥/ تعريف التربية الجماعية :
أولا التربية في الاصطلاح هي " علم إعداد الإنسان المسلم لحياتي الدنيا والآخرة إعدادا كاملا من الناحية الصحية والعقلية والعلمية والاعتقادية والروحية والأخلاقية والإدارية والإبداعية في جميع مراحل نموه في ضوء المبادئ والقيم التي جاء بها الإسلام وفي ضوء أساليب وطرق التربية التي بينها.
الجماعية هي ضد الفردية والانعزالية وتعرف ب" الميل إلى العيش في الجماعة والتعايش معها " وعرفها النحلاوي بقوله " مجموعة أفراد تجمعهم تصورات وأهداف مشتركة يعملون على تحقيقها فتنشأ بينهم روابط متينة تشدهم إلى بعضهم البعض وتحبب إليهم العيش المشترك وتبعثهم على التعاون والتكافل والتراحم والتكامل "
وهذا التعريف لكل مفردة على حدة وإليك تعريف التربية الجماعية " تنمية الشخصية الإسلامية للفرد من جميع الجوانب الإيمانية والعقلية والجسمية والنفسية والاجتماعية من خلال وسط تربوي يضم مربٍّ ومجموعة من المتربين يحدث بينهم تفاعل إيجابي وتبادل للخبرات وذلك من خلال منهج معين وأساليب متبعة تهدف إلى تقوية مشاعر الأخوة الإسلامية والحب في الله بينهم.
٦/ مكانة الجماعية في الحياة :
١/ الجماعية فطرة المخلوقات فالنمل له جماعة تخرج لتحصل على أقواتها وللطيور هجرة جماعية خاصة بها وللنحل مملكة ونظام يرتب حياته وللأسماك هجرة جماعية عند غوص أعماق البحار
٢/ الجماعية ضرورة اجتماعية فلا تنتظم شؤون الفرد بمعزل عن الآخرين ومساعدتهم
٧/ مكانة الجماعية في الإسلام :
١/ الدعوة للاجتماع ونبذ الافتراق " وتعاونوا على البر والتقوى " " واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا " وفي الحديث " عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد "
٢/ وصف المؤمنين بالتلاحم و الترابط " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا "
٣/ إقامة جُل الشعائر التعبدية جماعة كصلاة الجماعة والصيام والحج والجمعة والعيدين والاستسقاء
٤/ الحض على مخالطة الناس والصبر على أذاهم ففي الحديث " المسلم إذا كان مخالطا الناس ويصبر على أذاهم خير من المسلم الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم "
٥/ الجماعية في السفر " الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب "
٦/ الجماعية في الأكل ففي الحديث " .... فاجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله عليه يبارك لكم فيه ...."
٧/ النهي عن المبيت منفردا فعند أحمد " نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الوحدة أن يبيت الرجل وحده أو يسافر وحده "
٨/ نماذج من التربية الجماعية في القرآن الكريم :
١/ تولي طالوت الملك في بني إسرائيل قال تعالى " ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله....."
٢/ قصة أصحاب الكهف " إنهم فتية آمنوا بربهم .... "
٣/ غزوة أحد " منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين "
٤/ حادثة الإفك " ولولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين "
٩/ نماذج من التربية الجماعية في السنة النبوية :
١/ دار الأرقم بن أبي الأرقم
٢/ أهل الصُّفَّة
٣/ التعلم الجماعي والحث عليه ففي الحديث " وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده "
٤/ التربية على العمل الجماعي وهذا ظهر جليا في صور عدة مثل التخطيط للهجرة النبوية والعمل في حفر الخندق
١٠/ التربية الجماعية عند السلف الصالح :
المتأمل لتربية السلف يجد أنها لا تتم غالبا إلا بشكل جماعي وهذا أمر شائع في سيرهم وهذا ملحوظ من أقوالهم كقول علي بن أبي طالب " كدر الجماعة خير من صفو الفرد " وكقول عمر بن الخطاب " عليك بإخوان الصدق فعش في أكنافهم فإنهم زين في الرخاء وعدة في البلاء " ونص عمر يحث على أهمية اتخاذ الإخوان ولزوم الصالحين وترك العزلة والانفراد
ولقد باشرها سلفنا الصالح فمن هؤلاء الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود فإنه بنى جيلا صنعه على عينه ورباه على مائدته ولقد كانوا يقولون قوله ويتحلون بسمته وكان لهم الفضل في نشر مذهبه . ومن الصحابة الذين مارسوا الجماعية معاذ بن جبل فلقد كان تلاميذه يودونه ويلازمونه حضرا وسفرا . ومن العلماء الأفذاذ الذين مارسوا الجماعية ابن تيمية فقد كتب كتابا لجماعته قائلا فيه " .... والمقصود إخبار الجماعة بأن نعم الله علينا فوق ما كانت بكثير كثير ...." ويقول ش:عبدالرحمن عبد الخالق " إن كل من يدرس سيرة شيخ الإسلام ابن تيمية سيجد أنه كان قائد جماعة تلتزم بأمره وتعمل بمشورته وتصدر عن رأيه وتعيش معه سراءه وضراءه وتتواصل معه بكل أنواع الصلات " وقد برهن ذلك في كتابه شيخ الإسلام ابن تيمية والعمل الجماعي.
١١/ فوائد التربية الجماعية :
١/ الكشف عن مواطن الضعف والقصور في شخصية الفرد ومساعدته في التخلص من ذلك .
" يا أبا ذر أعيرته بأمه إنك امرؤ فيك جاهلية "
٢/ تزويد الفرد بكثير من الخبرات والتجارب التربوية
٣/ زيادة النشاط للعمل ومضاعفة الجهد فقد ورد " كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل ... " قال النووي ' يفيد زيادة الجود والخير عند ملاقاة الصالحين وعقب لقائهم للتأثر بلقائهم'
٤/ تحصيل فضيلة لزوم الصالحين والتواصي بالحق والصبر معهم " واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم ...." " وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر "
٥/ الحماية من كيد الشيطان ومكره " عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد..."
٦/ توظيف طاقات الفرد بما يحقق التكامل والتوازن في شخصيته .
١٢/ أركان التربية الجماعية :
" المادة ' المنهج' ، المربي ، المتربين ، المنهجية ، الأسلوب "
١٣/ المربي : وهو الركن المهم والمحور الأساس في أركان التربية وللمربي الفعال صفات عدة من أهمها " العلم الشرعي بقدر ما يجعله قادرا على الاعداد الجيد في الشرعيات ولديه القدرة على البحث في ذلك ، الزاد الإيماني ، الثقافة الواسعة ، القدرة على القيادة ، القدرة على المتابعة إذ التربية هي المتابعة المستمرة ، القدرة على التقويم ، الاستقرار النفسي فلا يكون مزاجيا، الاعتدال والاتزان ، الخبرة والمعرفة في الميدان التربوي ، المعرفة الواسعة بشخصية المتربي وأحواله ، المهارات التواصلية كالحوار وحسن الاستماع والإقناع ، المرونة ، القدرة على بناء العلاقات الإنسانية "
أخطاء يقع فيها بعض المربين :
عدم الاعتراف بالخطأ أمام من يربيهم
عدم الإغضاء عن الهفوات والزلات الصغيرة
التركيز على بعض المتربين دون البعض في إسناد المهام
التدخل الزائد في كل كبيرة وصغيرة من خصوصيات المتربي
السطحية والافتقار إلى العمق
إضعاف روح المبادرة الذاتية لدى المتربي
المركزية في العمل فلا يفوض إلا نادرا
١٤/ المتربون : هم أحد أركان التربية الجماعية وهم المربون والعلماء والقادة في المستقبل لذا يجب الاهتمام بهم وإحكام بنائهم من خلال جوانب مكونة لشخصية المتربي وهي بإيجاز :
- الجانب الإيماني وهذا أهمها وذلك بتعاهد الإيمان في نفوس المتربين من خلال الاهتمام بالفرائض وأعمال القلوب وتعظيم الحرمات واجتناب المعاصي والتعاون معهم على أداء العبادات كقيام الليل او صوم تطوع ونحوه
- الجانب العلمي وذلك بإعطاء المتربين الحد الأدنى من العلم الشرعي
- الجانب العقلي وذلك بالاهتمام بتنمية القدرات العقلية للمتربين كالقدرة اللغوية او الاستنباط أو تعلم أسس التفكير العلمي وطرق حل المشكلات وهكذا
- الجانب الخلقي وذلك ببناء الأخلاق الحسنة في المتربين وتربيتهم على الرجولة والتأدب مع الكبار وحفظ اللسان وغيرها من محاسن الأخلاق
- الجانب الاجتماعي وذلك بتدريب المتربي على المهارات التي تمكنه من التأثير في مجتمعه وبإشراكه مع الجمعيات الخيرية وتشجيعه على حضور المناسبات العائلية
- الجانب النفسي وذلك بإشباع الجانب النفسي لدى المتربي كالتقدير والاحترام وتوجيه العواطف والعدل بين المتربين ومراعاة مشاعرهم واحترام آرائهم
- الجانب الدعوي فعلى المربي إعداد من تحت يده ليكونوا دعاة مؤهلين وذلك بتنمية خبراتهم الدعوية وتدريبهم عمليا وتنمية الشعور بالمسؤولية الدعوية وتنمية المهارات الدعوية كالإقناع والحوار والإلقاء والخطابة
- الجانب الجسمي وذلك باتباع القواعد الصحية في المأكل والتوعية بأهمية النظافة والوقاية من الأمراض وتثقيف المتربي بمسببات الأمراض
١٥/ منهجية التربية الجماعية : هي الأصول والقواعد التربوية التي يجب على المربي أن يراعيها لضبط مسلكه التربوي وإرشاده في طريقه للتوصل إلى التربية المنشودة
ومن خلال هذا التعريف يمكن استنتاج منهجية للتربية الجماعية على شكل نقاط دون الخوض في التفاصيل
- الانطلاق من خطط مدروسة وأهداف واضحة فالارتجال والعمل العشوائي لم يعد مجديا في عصر يعتمد على البناء العلمي والمنهجي حتى في المشروعات الشخصية المحدودة فكيف ببناء الأجيال ورعايتها لذا على المؤسسات والمحاضن التربوية أن يولوا الأهداف وصياغتها والتخطيط المتقن عناية فائقة ولا تكون نتاج خواطر عابرة أو عصف ذهني على عجل
- التدرج وفقه الأولويات ومن ذلك إعطاء كل مرحلة عمرية ما يناسبها من العلم والتربية
- الشمول والتكامل وذلك ببناء شخصية المتربي من جميع الجوانب وعدم الاقتصار على جوانب دون أخرى
- مراعاة الاختلاف والتنوع في قدرات وإمكانات المتربين ومراعاة الفروق الفردية
- الموازنة بين العلم والتربية والدعوة ولا معارضة بينها والمقصد هنا إعطاء كل متر بي ما يناسب شخصيته من الأمور السابقة لاسيما الحد الأدنى من العلم فالمتربي الذي لا يجد من نفسه حماسة وقدرة عالية لطلب العلم فلا أقل ان يعطى الحد الأدنى ولا يحمل عليه بل يجب صرفه إلى ما يحسن
- الوعي والبصيرة بالواقع واستيعاب أحداثه وما يدور في مجالس المتربين والوعي والبصيرة بأحوال المتربي
- الولاء للأمة الإسلامية والمسلمين جميعا وعلى المربي أن يبين أن حب المجموعة الصغيرة التي ينتمي إليها المتربي ويتربى معها لايكون مؤديا إلى انعدام الولاء العام لكل المسلمين
هذه هي أركان التربية الجماعية لكنها تظل عاجزة عن التأثير والبناء مالم يكن هناك تناغم وانسجام بينها ولا يكون إلا باستخدام الأساليب التربوية المناسبة
١٦/ أساليب التربية الجماعية :
الأسلوب هو الطريق والفن في اللغة واصطلاحا هو الطريقة الكلامية التي يسلكها المتكلم في تأليف كلامه واختيار ألفاظه قصد الإيضاح والتأثير
ويعرف الأسلوب التربوي بأنه : الإجراء المحدد لنقل المعلومات أو المعارف أو المهارات أو الاتجاهات والقيم بهدف تحقيق هدف تربوي مرغوب فيه
أهم أساليب التربية الجماعية : " التربية بالقدوة،
التربية بالتواضع وحسن المعاملة ومن ذلك الحفاوة وحسن الاستقبال والتبسط وإزالة الحواجز
التربية بالقصة ، التربية بالحوار ، التربية بالحدث مثاله أترون هذه طارحة ولدها في النار ،
التربية بالتحفيز ومنه الثناء والتشجيع والتدريب ، التربية بالتوجيه غير المباشر ،
التربية بالتعود على تحمل المسؤولية ومن ذلك مشاورتهم وتعويدهم المشاركة في العمل ،
التربية بالمعايشة والمصاحبة ومن أفضل أساليب المعايشة الرحلات والمخيمات،
التربية بالعقوبة مثاله الإعراض بالوجه والتأنيب أعيرته بأمه يا أباذر إنك امرؤ فيك جاهلية
١٧/ مثال تطبيقي على هذا البحث " المجموعة التربوية الفعالة " وقد تسمى " التعلم التعاوني"
- خصائص المجموعة التربوية الفعالة :
اكتشاف الطاقات وتنميتها ، بناء المهارات الاجتماعية اللازمة مثل مهارات القيادة ومهارات التواصل والقدرة على اتخاذ القرار ، التفاعل الإيجابي والمشاركة الوجدانية بين الأعضاء ، شعور الفرد بأنه مسؤول عن كل عضو من أعضاء المجموعة بالتناصح والمواساة والزيارة ،
التفاوت وعدم التجانس بين الأعضاء فلا يضع الأقارب مع بعض وهذا التفاوت لتوليد الأفكار الابداعية ، إدارة الخلاف والصراع بين الأعضاء بطريقة هادفة كالحوار البناء ، إنتاج مشاريع علمية ودعوية مشتركة بين الأعضاء ، مشاركة الجميع في التقويم المستمر للمجموعة "
- ضوابط المجموعة التربوية الفعالة :
التربية على المنهج لا على الأشخاص
ألا يؤدي الارتباط بالمجموعة إلى إشغال المتربي معظم الوقت وعزله عن واقعه ومجتمعه
ألا يؤدي الارتباط بالمجموعة إلى ضمور الشخصية الفردية المميزة
ألا يطول أمد ارتباط المجموعة بمرب دون سواه
ألا تتحول التربية على الحوار وحرية التعبير إلى الجدال والمراء
الحذر من التعصب المذموم للمجموعة
الحذر من الطاعة غير المبصرة " الاتباع الأعمى "
- العوامل التي تعيق المجموعة التربوية الفعالة :
الافتقار إلى نضج أعضاء المجموعة
العدد غير المناسب لأعضاء المجموعة
عدم المشاركة الفعلية من بعض الأعضاء
الرغبة في الزعامة والصدارة
التطرف في الآراء والغلو فيها
الإكثار من المزاح والخروج عن حد الوقار
ندرة المربين الأكفاء
التربية الجماعية في الإسلام
المواضيع المتشابهه
