عود إلى موضوع همزة "إنَّ".

[ابراهيم ابويه]

بسم الله الرحمن الرحيم


عود إلى موضوع همزة "إنَّ"


لقد رأيت أن أضع هذا الموضوع بين يدي القارئ زيادة في توكيد أهمية مراعاة أحوال همزة "إنَّ" في اللغة العربية ٬ومحاولة لتبين وجوه وجوب كسرها أو نصبها في مقول القول بناء على ما أثاره الأخ بهاء الدين رمضان مشكورا .

فيما يخص اقتراحه بأن نجوِّز فتح همزة "إنَّ" في حالة الإخبار ٬والذي مثل له ب"قالتْ أسماءُ أنكَ شاعِرٌ" محاولا أن يميز- في نظره- بين نقل قولِها كما نطقتْ به (وهي حالة كسر الهمزة) ونقله على سبيل الإخبار (وهي حالة فتح الهمزة) ٬ أنا أعتقد أنه إذا كنا سنورد كلامها على سبيل الإخبار فينبغي أن نغيِّر الفعل من "قالت" إلى "زعَمَت" أو "أخبرَت" أو "إدَّعَت" أو غيرها من الأفعال٬ حينها فقط يجوز فتح همزة "إنَّ" تقول: «زعمتْ أسماءُ أنَّك شاعر» أو «أخبرتنا أسماءُ أنَّك شاعر» ٬أما استعمال فعل "قال" فإنه يفترض وجوبا أن تورد العبارة كما تلفَّظ به القائل خاصة إذا كانت مستهَلة بحرف التوكيد المشبه بالفعل "إنَّ". وفي نظري هذا راجع إلى ما يلي :

*** "إنَّ" يجوز أن يُستهل بها الكلام غير مسبوقة بشيء في حين أن "أنَّ" لا يفتتح بها الكلام البتة بل لا بد أن تكون مسبوقة بفعل ما. تقول: «إنَّ الجَوَّ صَحْوٌ» و « أعتقدُ أنَّ الجَوَّ صَحْوٌ » .

*** "إنَّ" مشبهة بالفعل الفائدة منها التوكيد وليس لها وما بعدها محل من الإعراب . أما "أنَّ" فهي كذلك مشبهة بالفعل لكنها تفيد التوكيد والمصدرية ٬أي أن لها ولما بعدها محل من الإعراب حسب وقوعها في الجملة .

لأجل ذلك حاولت أن أتتبع أراء القراء من خلال كتاب [«التيسير في القراءات السبع» للإمام أبي عمرو عثمان بن سعيد الداني ، الطبعة الثالثة 1406 ﻫ -1985 م دار الكتاب العربي، بيروت- لبنان ]٬ كي أرى إن كان هناك اختلاف بينهم في فتح همزة "إنَّ" الواقعة في مقول القول و كسرها ٬ فحاولت أن أعلل ما توصلت إليه بما قد أصيب فيه وقد أخطأ، وخلاصة ذلك أنهم :

- - مواطن الإتفاق - -

أ )- اتفقوا على أنها مكسورة ،ولم يختلفوا إلا في كونها تفيد الخبر أو الاستفهام. مثال ذلك قوله تعالى في سورة الأعراف [الآية 113]:{ وَجَاءَ السَّحَرَة ُ فِرْعَونَ فقَالواْ إنَّ لنَا لأجرًا إنْ كنَّا نحْنُ الغالِبينَ} وجاء في "التيسير": « الحرميان وحفص "إنَّ لنَا لأجرًا" بهمزة مكسورة على الخبر والباقون على الاستفهام »(الصفحة 112) وقال تعالى في سورة يوسف[90] :{قَالوْا أإنَّكَ لأنْتَ يوسفُ٬ قالَ أنَا يوسُفُ وهذا أخِي قد منَّ اللهُ عَلينا ٬إنهُ مَن يَتقِ ويَصْبرْ فإنَّ اللهَ لاَ يضِيعُ أجرَ المُحْسِنين} وجاء في "التيسير": « ابن كثير "أإنَّكَ لأنْتَ " بهمزة مكسورة على الخبر والباقون على الاستفهام وهم على أصولهم فيه.» (الصفحة 130) ،و مثاله ذلك قوله تعالى في سورة العنكبوت [الآية 27-28]:{وَلوطًا إذْ قالَ لقومِهِ إنَّكمْ لتأتُونَ الفَاحِشةَ مَا سبقكمْ بهَا مِنْ أحَدٍ مِّنَ العالمِينَ (27) أإنَّكُمْ لتأتُونَ الرِّجَالَ وتقطعُونَ السَّبيلَ وتأتُونَ في ناديكُمُ المُنكَرَ، فما كان جوابَ قومِهِ إلاَّ أنْ قالوْا ائتنَا بعذابِ اللهِ إنْ كنتَ مِنَ الصَّادِقينَ ( 28 )} وجاء في "التيسير": « الحرميان وابن عامر وحفص "إنَّكُمْ لتأتُونَ" الأول بهمزة مكسورة على الخبر والباقون على الاستفهام ،واجمعوا على الاستفهام . »(الصفحة 173).


ب) - اتفقوا على أنها مكسورة الهمزة ولم يختلفوا إلا في كون النون مشدَّدة أو مخففة ،مثال ذلك قوله تعالى في سورة طه [الآية 63] :{ قالُواْ إنْ هذانِ لسَاحِران يُريدَان أنْ يُخرجَاكمْ مِّن أرْضِكُمْ بسِحْرِهِمْ ويذهبَا بطريقتِكمْ المُثلَى }. وجاء في "التيسير": «ابن كثير وحفص "قالُواْ إنْ" بإسكان النون والباقون بتشديدها » (الصفحة 151).

- - مواطن الإختلاف - -

ج ) اختلفوا في همزة "إنَّ" غير الواقعة في مقول القول،أي التي يكون فعل القول غير موجود فيها لا صريحا ولا ضمنيا ، مثاله قوله تعالى في سورة النمل [الآية51]:{ فانْظرْ كيْفَ كَانَ عاقِبةُ مَكرِهِمْ أنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقوْمَهُم أجمَعِينَ }. وجاء في "التيسير": «الكوفيون "أنَّا دَمَّرْناهُمْ" بفتح الهمزة والباقون بكسرها.» (الصفحة 168) وقوله تعالى في سورة المومنون [الآية111]:{ إنِّي جَزيتُهم اليومَ بما صبَرُواْ أنَّهُمْ هم الفائِزونَ } وجاء في "التيسير": « حمزة والكسائي " أنَّهُمْ هُمْ" بكسر الهمزة والباقون بفتحها .» (الصفحة 160) .


د )- اختلفوا في همزة "إنَّ" الواقعة بعد فعل آخر مثال ذلك :

*** "حسب" : قال تعالى في سورة الأنفال [الآية 59 ]:{ وَلاَ يَحْسَبَنَّ الذينَ كفرُوْا سَبَقواْ إنَّهُمْ لا يَعْجَزُونَ} وجاء في "التيسير": « ابن عامر "أنَّهُمْ لا يَعْجَزُونَ" بفتح الهمزة والباقون بكسرها .» (الصفحة 117)

*** " كلَّمَ " : قال تعالى في سورة النمل [الآية 82 ]:{ وَإذَا وقعَ القولُ عَليْهِمْ أخرَجْنا لهُمْ دابَّة ًمِّنَ الأرْضِ تُكلِّمُهمْ أنَّ الناسَ كانُواْ بآياتنا لاَ يُوقنُونَ}. وجاء في "التيسير": « الكوفيون "أنَّ الناسَ" بفتح الهمزة والباقون بكسرها » (الصفحة 169).

*** "آمَن": قال تعالى في سورة يونس [الآية 90 ]:{وَجَاوَزْنا ببنِي إسرَائِيلَ البَحْرَ فأتبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وجُنودُهُ بَغيًا وَعَدوًا حتَّى إذا أدْرَكهُ الغرَقُ قالَ آمنتُ أنَّهُ لا إلهَ إلاَّ الذي أمَنتْ بهِ بنو إسرائيلَ وأنا من المُسلمِينَ}. وجاء في "التيسير": « حمزة والكسائي "آمنتُ أنَّهُ" بكسر الهمزة والباقون بفتحها » (الصفحة 123)

** "نبَّأ" : قال تعالى في سورة الحِجر [الآية 49 ]:{نبِّئْ عبَادِي أنِّي أنا الغفورُ الرحِيمُ }. حيث جاءت الهمزة مفتوحة، وفي نفس السورة [الآية 89 ]:{ وقلْ إنِّي أنَا النذِير المُبينُ}. جاءت الهمزة مكسورة .

** "أوحي" : قال تعالى في سورة الجن [الآية 1 ]:{ قلْ أوحِيَ إليَّ أنَّه استمعَ نفرٌ مِنَ الجنِّ ..} حيث جاءت الهمزة مفتوحة بعد فعل "أُوحِيَ" الذي فصل بين "أنَّ" و الفعل "قل"، فكانت وما بعدها في محل رفع نائب فاعل الفعل "أُوحِيَ" ; و التقدير :-أوحي إلي استماع نفر...- ولو لم يوجد هذا الفعل فاصلا بينهما لكانت مكسورة الهمزة .

** "نظرَ" : قال تعالى في سورة عبس [الآية 24-25 ]:{ فليَنْظرِ الإنسانُ إلَى طعَامِهِ (24)أنَّا صبَبْنا المَاءَ صبًّا (25)}. وجاء في "التيسير": « الكوفيون "أنَّا صبَبْنا" بفتح الهمزة والباقون بكسرها .» (الصفحة 220).


ﻫ ) – اختلفوا في همزة "إنَّ" الواقعة بعد فعل القول الضمني ، مثال ذلك قوله تعالى في سورة هود [الآية 25 ]:{ ولقدْ أرْسَلنا نوحًا إلى قومِهِ إنِّي لكمْ نَذيرٌ مُبينٌ }. وجاء في "التيسير": «قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي "أنِّي لكمْ نَذيرٌ" بفتح الهمزة والباقون بكسرها .» (الصفحة 124).


و) – اختلفوا في همزة "إنَّ" التي يكون فعل القول بعيدا عنها،أي تفصل بيتهما آية أو أكثر، مثال ذلك قوله تعالى في سورة مريم [الآية 34-36 ]:{ ذلكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيمَ ،قولَ الحَقِّ الذِي فيهِ يَمْترُونَ(34) مَا كانَ للهُ أن يَتخذَ من ولدٍ، سُبحانهُ إذا قَضَى أمْرًا فإنمَا يقول لهُ كنْ فيكُونُ (35) وإنَّ اللهَ ربِّي وربُّكُمْ فاعبُدُوه هذا صِراطٌ مستقيمٌ (36)}. وجاء في "التيسير": « والكوفيون وابن عامر "وإنَّ اللهَ" بكسر الهمزة والباقون بفتحها»(الصفحة 149). و مثال ذلك قوله تعالى في سورة الأنعام [الآية 54] :{وإذا جَاءَكَ الذِينَ يُومِنونَ بآياتنا فقلْ سَلامٌ عَليْكمْ٬ كَتبَ ربُّكمْ على نفسِهِ الرَّحْمَةَ أنَّهُ مَنْ عَمِل مِنكمْ سُوءاً بجهالةٍ ثم تابَ من بعدِهِ وأصْلحَ فأنَّهُ غفورٌ رحيمٌ}.وجاء في "التيسير": « عاصم وابن عامر "أنهُ مَنْ عمِل" " فأنَّهُ غفورٌ رحيمٌ " بفتح الهمزتين ونافع بفتحة الأولى فقط والباقون بكسرها. »(الصفحة 102)


ز )- اختلفوا في همزة "إنَّ" التي تقدمتها "إنَّ" و"أنَّ" كليهما . مثاله قوله تعالى في سورة طه [الآية 117-119 ]:{ فقلنَا يَا آدمُ إنَّ هذا عدوٌ لكَ ولِزوجِكَ فلاَ يُخرِجنَّكُمَا مِن الجَنةِ فتَشقى (117) إنَّ لكَ ألاَّ تجوعَ فيهَا ولا تعْرَى (118) وأنَّك لاَ تَظمَأ فيهَا ولا تَضْحَى(119)}. وجاء في "التيسير": « نافع وأبو بكر "وإنَّك لاَ" بكسر الهمزة والباقون بفتحها»(الصفحة 153) وأنا أعتقد أنهم هنا اختلفوا في عطفها ، فالذين قالوا بكسر الهمزة عطفوا "إنَّ" على "إنَّ" التي وَليَتْ فعل "فقلنا "و"إنَّ" التي وقعت في مستهل الآية (118)، و الذين قالوا بفتحها عطفوا "أنَّ" على مضمون "ألاَّ تجوعَ" أي "أنكَ لا تَجُوعُ....و أنَّكَ لاَ تظمَأ " .


ح ) – اختلفوا في همزة "إنَّ" في قوله تعالى في سورة الطور [الآية26-28]:{ قالُوْا إنَّا كنَّا قبْلُ فِي أهْلنا مُشفقينَ (26) فمَنَّ اللهُ عَليْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ(27) إنَّا كنَّا مِنْ قبْلُ ندْعُوهُ ،إنهُ هُوَ البَرُّ الرَّحِيمُ( 28 )} وجاء في "التيسير": «نافع والكسائي "أنَّهُ هو البَر" بفتح الهمزة والباقون بكسرها » (الصفحة 203) وأعتقد أن التباين هنا بسبب الاختلاف حول الوقف، فالذي يقف على "ندْعُوهُ" يعطف "إنَّه" على "إنَّا" السابقتين عليه فيكسر الهمزة، والذي لا يقف عليها يفتح الهمزة فتصير :"ندعوه أنه" .


ط ) - قد تفتح همزة "إنَّ" بعد فعل القول على أن يفصل بينها وبينه أحد حروف المعاني ،مثاله قوله تعالى في سورة البقرة [الآية 167]:{ وقالَ الذِين اتبَعُوا لَوْ أنَّ لنَا كَرَّةً فنتبَرَّأَ َمِنهُمْ كمَا تبَرَّؤوْا مِنَّا ، كذلك يُريهِمُ اللهُ أعمالهم حَسَراتٍ عليْهم ومَا هُم بخارجينَ مِن النارِ}حيث فصل بينهما "لو" المراد به التمَني والعرْض .

[عدنان]

درس مفيد قد يصحح ما يقع فيه بعضنا في فتح همزة إن بعد القول
جزيت خيرا وأقول إنك مميز بدروسك المفيدة

[مواطن شريف]

شكرا لك على الموضوع المفيد بارك الله فيك

[arguig]

منقول من منتدى اللسانيات

"" هذا جهد المقلَّة القاصرة .والله تعالى أعلم بالصواب مع تحيات الطالبة أسماء موسى "

[عاشق النت]

شرح رائع ومميز بارك الله فيك