الساعات الإضافية، هل هي وسيلة لدعم التلميذ أم لإغناء الأستاذ؟
مع بداية كل دخول مدرسي، يكثر الحديث عن التعليم، وعن السياسات المتبعة في هذا المجال، وعن التدابير والاستراتيجيات الواجب اتخاذها للرفع من الجودة ومجابهة تدني المستوى وانحداره، إذ يصير موضوع التعليم مثار تساؤلات مشروعة اعتبارا لكون هذا القطاع قد صار معضلة بكل المقاييس، كما صار الكل يصوب نحوه سهام النقد بحثا عن الخلل الذي أضحى ينخره من كل جانب وينحو به نحو الهاوية. ولعل المرء اليوم ليخجل من نفسه في هذا الخضم وهو يرى بلدا بحجم المغرب يصنف ضمن البلدان الأكثر ضعفا في مجال التعليم. أين الخلل إذا؟ وما هي المساعي والنوايا الدفينة التي ألقت بمعاول تهديمه؟ أكيد أن المسؤولية مشتركة وإن كانت كل جهة تلقي باللائمة على الأخرى، بدءا من الوزارة الوصية وسياستها المبطنة لإفراغ التعليم من محتواه إذ ما إن تنتهي من إعداد برنامج أو مشروع حتى تسارع إلى التخلي عنه ورميه كما ترمى أعقاب السجائر، فقد بات التلميذ من كثرة هذه التحريجات الوزارية حقل للتجارب والنتيجة معروفة طبعا: جحافل من العاطلين وبشهادات فارغة كما يحلو للبعض تسميتها، وتحويل أنظار القائمين على شؤون البلاد إلى توجيه أبنائهم إلى التعليم الخاص سواء بأوربا أو داخل الوطن. ووصولا إلى الأسرة التعليمية نفسها، فكثيرا ما تنظر هذه الشريحة إلى نفسها كمؤسسة بعيدة عن هذه الحلقة وغير معنية تماما بهذا التراجع، ولكن الحقيقة غير ذلك. فمن منا لا يذكر الساعات الإضافية؟ فقد نمت هذه الظاهرة في الوسط التعليمي في صمت، وتم التغاضي عنها كما ترعرعت داخل هذا النسيج لما كان يرجى منها قبل أن تكتشف النوايا المبيتة من ورائها والحديث هنا غير قابل للتعميم، فقد سعت بعض الفئات المحسوبة على الاسرة التعليمية الى استغلال هذا المعطى لتحويل هذه الغاية النبيلة، التي كثيرا ما استحسنها الآباء قديما لتحسين مستوى أبنائهم وتقوية مداركهم إلى مجال للمتاجرة وهدفا غير مشروع للإثراء. فأمام الحاجة الملحة للتلميذ بالثانوي التأهيلي تحديدا، ونظرا ـ لحساسية المرحلة ـ لتقوية مستواه يصير لقمة سائغة أمام هذا النوع من الاساتذة. وبمتابعة دقيقة للمؤسسات التعليمية بمدينة القلعة يمكن الوقوف على هذه النماذج التي تنتهج هذه السياسة، ونحن هنا حين نثير هذا الموضوع نسعى الى توضيح خلاصة مفادها أن مجموعة من الاساتذة ـ سامحهم الله ـ خاصة اساتذة المواد العلمية واللغات، والمرتبطين كما يعلم الجميع بميثاق عمل مع الدولة يتم بموجبه القيام بتدريس أبناء الشعب على الوجه الاتم كما يضمن ذلك الدستور، يسعون الى جعل هذه المهمة كبقرة حلوب ليس إلا. فقد صار بعضهم يفرض على التلاميذ الانخراط في حصص الساعات الاضافية بالمنزل، فإن لم يكن ذلك بشكل مباشر وعلني فبوسائل خاصة كحرمان غير الملتحقين من نقطة المراقبة المستمرة، تقديم حلول التمارين خلال هذه الحصص والاكتفاء بإلقاء الدروس داخل الفصل وغيرها كثير، مما يغيب معه لا محالة مبدأ تكافؤ الفرص. والأكثر من هذا وذاك فبعضهم مرتبط بالعمل بأكثر من مؤسسة خاصة وفي آن واحد. فكيف يعقل أن يؤذي هذا الاستاذ واجبه المهني على الوجه الأكمل؟ فمن الطبيعي والأكيد أن يجعل من مؤسسة التعليم العمومي مستراحه اليومي وحضنه الدافئ البعيد عن المراقبة والمساءلة، أو مرحلة اعداد لحصة المساء من الساعات الاصافية أو واجبات المؤسسات الخصوصية، فقد آن الأوان لأن تكف الوزارة عن صم آذانها حول هذه الظاهرة التي تزحف منذ سنوات في صمت، فلم يعد هناك مجال لأن تبقى "ضاربة عين ميكة" على هؤلاء المتاجرين بهذه الخدمة والذين تحولوا مع سلطة المال إلى آلة من حديد. ولعل استصدار قانون في هذا الشأن يكون الحل الانسب للقضاء على هذه الظاهرة وإذا كان لابد من تشجيع دروس التقوية والدعم والارتباط بالمؤسسات الخاصة فمن الاجدى أن تنظر بعين الرحمة إلى أفواج العاطلين المجازين فهم أولى بهذه المهمة؟
بيان اليوم : 2008/10/16