الإعصار كيفما كان الطبيعي أو الفكري أو النفسي ..كيفما كانت مصادره و جذوره يبقى لغزا.. و يظل غامضا سرابا.. لا يأمن له عاقل و لا يستطيع أحد التنبؤ بقدومه.. فلا مقدور لأي تطورات علمية أو إبداعات نفسية أن تعطي لنفسها القدرة على تكهن زمانه ..مكانه أو وقت ٳقامته بين ظهران البشرية..يأتي على حين غفلة لكي يسرق منك أحلى الأحلام.. و يكسر زجاج كل الحسابات..التي ظللت لأيام تبرمج لها..يحطم كل الخطط بجرة قلم ..لا يعرف الرحمة و لا يوجد أي عضو من أعضائه تحت اسم القلب..لا يؤمن بالعاطفة..حساباته لا إنسانيه إنما هي إنسانيه في الصميم لو تجاوزنا مفهومنا الضيق لما هو إنساني..حساباته تحت نظام يضغط فيه بزر امسح.. الغ ..اغسل ..على المستوى الطبيعي تلك قوانين الطبيعة و ذاك القانون يأتي نتيجة اضطرابات في المناخ.. أو تغييرات في حرارة الجو مما ينعكس عنه ذاك الإعصار.. و لا يسعني التعمق أكثر لأنني لا أملك خبرة في هذا الميدان غير ما قلته.. فأنا بعيدة عن علوم الجيولوجيا بعد السماء عن الأرض.. لا أكاد أفقه سوى مصطلحات قد علقت بذهني منذ كنت أدرس بالسلك الأول الإعدادي..لكني سوف أقف وقفة طويلة عند الإعصار النفسي الذي يقذف بثوراته و جام غضبه على الإنسان ..سأقف عند قدوم هذا الضيف الثقيل.. و سبب قدومه و ما يتركه من مخلفات و خسائر قد لا تقدر بثمن.. سوى أنها تضع صاحبها على نقالة أعظم الأمراض و أزمنها...أو تضعه بين صفوف العظماء الأقوياء...
يعصف الإعصار النفسي على غير الإعصار الطبيعي بسابق إنذار و يتكهن المصاب بقدومه..فهو يعلم مسبقا بعلامات الشرارة و هي تخرج من عينيه.. تتربص به و تثير غيظه و تخبره بنواياه..
عندما يحس أنه بلغ عتبة تكريم الذات ..و اقتنع أن يحضر حفلة تنكرية يوزعون فيها طاقما من ماس حب الحياة و عشق اللحظات السعيدة ..يوم يحس أنه كسب الرهان الذي من أجله في يوم ما نوى أن يدفع عمره كله من أجله..يوم تطرق بابه كل صيحات العالم ..تعلن بأعلى صوتها ..بضجيج همسها الساخر أوف ابتدأ المشوار..أنذاك..نعم.. أنذاك.. و في اللحظة التمام يعصف الإعصار النفسي على أعلى درجات روشتر.. ليبتر كل الأساطير و الأوهام و كل بيوت العنكبوت التي أحاطت بسقف سعادته..بوهم سعادته.. بسراب سعادته ..لماذا ؟ ليقطع أوصال تشبته بحبل سري صوري ما و ُجد إلا للتظليل ..لن يستطيع ربطه برحم السعادة كثيرا ..يطلق سراحه..فمهمته انتهت ..لا يستطيع ٳنقاذه من هاوية لا مفر منها ..أنذاك يبدأ العد العكسي نحو الألم.. نحو مراجعة الحسابات.. تقريع الذات..التدقيق في التفاصيل التي كان يتغاظى عنها يوم كان يشرب من كؤوس السعادة .. فيعتقلها بذاكرته.. كأنها المجني عليه.. كأنها السم الذي أبطل مفعول الحياة بداخله ..
تمر الأيام على الجميع من حوله إلا المصاب بكارثة الإعصار النفسي فهو يظل حبيس هواجسه.. حبيس عقارب ساعته الشخصية و التي كل يوم يروي عقاربها نحو الدوران إلى الخلف ..فهو يتفنن في تظبيط ثوانيها.. دقائقها على خط خلقه لنفسه لا ينتمي إلى أي خط من الخطوط العالمية ..لكن الرحمة الالهيه قد تتجاوز كل التوقعات.. بل تتجاوزها حتما.. حينما يستفيق المصاب على وخز من وخزات ابر الإيمان بالله سبحانه و تعالى..يوم تنشط ذاكرته لتفرز مضادا حيويا ضد الإعصار المستبد.. و ذلك للمقاومة.. للركض نحو نجدة خلايا أعضائه..للاعتراف بالممكن ..للاعتراف بالقوة الكامنة وراء قضبان سميكة.. أسس دعائمها بعبارة ساذجة (بعدك محال العيش.. بعدك محال التنفس) ..هكذا و بدون مقدمات نشر في الأخبار و في كل صحف المصاب عفوا المعافى... العبارة التالية .(.تكذيب صريح و بالبند العريض) الإعصار النفسي انقرض من قاموس حياتي.. أندد بالإشاعات التي زعمت أنه استطاع هزمي ..الخسائر بسيطة تم تعويضها.. و للتذكير خرجت من الإعصار بمكافأة و بغنائم لا تقدر بثمن ..المكافأة و الغنائم سأقتسمها مع أحبائي الجدد في حياتي الجديدة و بنفس و روح جديدين..
ندى يزوغ
المغرب
ٳعصار و صحوة..
المواضيع المتشابهه
