على صفحة مقلتيها ، كان البدء ؛ حكايا تولد ، وأخرى ، عبثا تغوص في الذاكرة ،لتحيى تماما كالحلم الجميـــــــــــل ،
كالذكريات العبقة بأريج الماضي السعيد ، ذكريات عشها كما تشاء ، لكن ليس من حقك أن تنساها متى تشاء ، واحلم مادام
الحلم حقا مشروعا ، احلم لوحدك ، ولا تنس ، وأنت تحلم ، أن تطفىء نور غرفتك ، وأن تغلق دونك كل الأبــــــــــــــواب ،
كل ذكرياتك ملك لك ، عشها كما تشاء ، لكن لاتجازف بالنبش أكثر في ذاكرتك المهزومة ، عند الأفق البعيد هناك خط أحمر ، حذر نفسك قبل فوات الأوان من أن تخدش الحياء ، وأنت ـ عبثا ـ تكابـــــد كي تعيد للحيــــــــاة ذكـــرى الشيخ الـــــــــــذي
يريد أن يعود لصباه ، هم يعلمون أن الصبا لن يعود إلا على بساط احلامك ، ليعيش في ذاكرتك زمنا قصيــــــــرا ، ثم
يرحل ، كالنور الهارب يرحل ، ولن يسعفك الزمان حتى لتستلقي على ظهرك وتهمس في أذنيك : يا ألله كم كان حلمي جميلا هذا المساء .
لماذا إذا توضع كل هذه الحدود ؟ لماذا كان لزاما أن تبيع التاريخ لتقنع بفتات الحاضر ؟ لماذا كان لزاما ، ليلة الزفا ف ،
أن تحرق كل صور الماضي ،وأن تمزق دفاتر ذكرياتك ؟ لا لشيء سوى لتشتري مودة الحبيب الجديد ،والذاكرة تعج
بأطيا ف الحبائب ، يداك في يديها ،تقسم ألا امراة سواها أدخلتك محراب الهوى ،وأسكنتك جنان الخلود ، وعلى هامش
زمن الوهم كنت تنسج ، من سراب ، قفصا تقبع فيه لوحدك ، سجينا بلاهوية منبودا إلى الأبد ،دموع انكساراتك مطر
سيق عبثا لسمائك ليطهرك من ذنوب ذكرياتك ،ليغوص ماضيك في ثقب الاختزال الأســـــــــود ثم يتقزم حتى يصيــــــــــر
نفاقا مرضيا كالكابوس يجثم على صدرك ،تود لو تستفيق فيه من سباتك لتلامس ما تبقى لك من جزيئات الحقيقــــــــــة ،
حقيقة أنك ترفض أن تكون كما يحق لك أن تكون ، ونسيت أن الحقيقة كانت كافية كي تدمــــــر صروح الوهم الـــــــــذي
شكلته أيقونة ، ثم لونتها بكل ألوان الطيف الزاهية لتختزل فيها كل نساء العالم ، وتشنق في حضـــــــــــــرتها كل قصائدك ،
ثم تسير في موكب جنائزي صامت تودع فيه نفسك ، وتدق آخر مسمار في نعش ذكورتك ،ثم تتهاوى كورقـــــــــــة الخريف
ثم تموت وتموت،ثم تنسل كالفينق من رمادك لتعيش كباقي الرجال .
هنا تنتهي الحكاية ،ويدرك شهرزاد الصباح ، وتسكت عن الكلام المباح وغيــــــــــر المباح،وعلى بســـــــــــاط مخيلتك يموت
كل الشعراء ،وتترهل المعلقات لتسافر مع الريح ذرات ذرات ، كل الشعراء كاذبون ، الحب وهم، والأنثى رحم يضمـــــــــن
لهويتك الاستمرار ، ويخلد اسمك حتى لو كنت لقيطا بلا تاريخ ، ثم عكازة تستند إليهــــــــــــــا زمن الخريـــــــــــف ،
حين يلفظك فم الزمان كقطــــــــرة لعاب ، ثم يتوارى هاربا .
يرحل الزمان ،وتنتهي الحكاية ،تتأمل وجه الحبيب الجديد القديم ،تقرأ على صفحة وجهه بعضا من ذكرياتك ، تبتســــــــــــم ،
تضحك ،تنفجر ضاحكا ،تبكي ،يتعالى نواحك وتدوي آهاتك ،ثم تهدأ ،تجثو على ركبتيك ، تتأمل وجه الحبيب ، تبتســـــــــــم ،
تبكي ،وعبثا تتساءل : أكان لزاما عليك ، ليلة الزفاف ، أن
تحرق صور ماضيك ، وأن تمزق كل دفاتر ذكرياتك ؟..
لماذا كان لزاما أن تبيع التارخ ؟...
ابراهيم سقري
سيدي بنور في :28/04/2012