رائحة فساد نتئة تلك التي يشتمها رجال التعليم منبعثة من دواليب وأركان وزارتهم .فقد فجر نبأ تنظيم الوزارة لحركة انتقالية سرية “حسي مسي”بعيدا عن أعين الأساتذة فضيحة من العيار الثقيل وأكد بالملموس أن ما كان يروج ليس مجرد شائعات بل حقيقة وواقعا . تأكيد الوزارة لهذه العملية ليس اعترافا بالخطأ بل لكونها وجدت نفسها في حالة تلبس ولم تجد أي وسيلة لتبرير ذلك فاكتفت بالإعتراف وصمتتت. من المؤكد أنه في دولة ديموقراطية ماكانت واقعة مثل هذه لتمر دون أن تحدث زوبعة سياسية وحقوقية تعصف بمن يكولس الملفات الحساسة ويتاجر في الام بسطاء الموظفين .
خطورة المسألة تتجلى أكثر في جرأة المسؤولين على الإقدام على هذا الفعل دون الإكتراث بعواقبه ودون مراعاة الظرفية الحساسة حيث الشارع التربوي يعرف حراكا وهيجانا منقطع النظير مطالبا بالحقوق واستئصال الفساد من جذوره ،كما جاء في وقت تتناسل فيه استفهامات وتساؤلات المدرسين حول السر في جمود الحركة الإنتقالية التي حكمت عليهم قضاء عمرهم المهني وأجمل سنوات حياتهم بعيدا عن الأهل والديار ،في الجبال والفيافي والقفار … أتى هذا الحادث إذن ليصب الزيت على النار المشتعلة منذ سنين ، وأتى لهيبها على شهرين كاملين من الفرص التعليمية الثمينة السنة الماضية في الوقت الذي يجعل فيه شعار المرحلة بامتياز هو تأمين الزمن المدرسي .
قبل انكشاف الفضيحة ، و حفاظا منهم على الزمن المدرسي وحق التلميذ في التعلم ، متحملين قر الصيف وجوع الصيام خرج المدرسون في وقفات إحتجاجية أمام أكاديميات الجهوية للتربية والتكوين ،للتنديد بالفساد الذي يطغى على تدبير ملف الإنتقالات الجهوية ،وخرق القانون ، وانتشار الزبونية والمحسوبية …كان هؤلاء يراهنون على تدخل الرأس/الوزارة من أجل إصلاح ما فسد في الأطراف و محاسبة الفاعلين وإعادة الأمور إلى نصابها …لتفاجأهم “مولات الدار” بالحقيقة المرة ،وهي أن المرض سرطان ينخر الجسد كله ولم يسلم منه حتى الرأس …
من فضائح الإنتقالات إلى فضيحة أخرى تتكرر كل سنة دأبت الوزارة على تنظيمها سنويا لحفز وتشجيع ومكافأة موظفيها تحت مسمى “الكفاءة المهنية ” أو” الإمتحان المهني “وقد كان أحد الإخوة ممن كتب حول الموضوع صائبا حين سماها “الإمتحان المهاني”.كنت أشرت في مقال سابق إلى خطورة الوضع الذي ال إليه الإمتحان المهني وتحوله إلى مهزلة حقيقية لا تستحق أبدا هذا الإسم ، وأشرت فيه إلى مسؤولية بعض الإخوة المدرسين حين يلجأون إلى الغش وأنهم بذلك يفقدون العملية معناها وجدواها ،لكني تأكدت أن هذه المسؤولية جزئية فقط ،لأن المسؤول الأول عن ذلك هو “مخرج “مسرحية الإمتحان أي الوزارة التي عليها اتخاذ كافة التدابير والإحتياطات وعبر كل مراحل ومحطات الإمتحان .كنت من المستوفين لشروط اجتياز امتحان الترقي للدرجة الأولى من أساتذة التعليم الإبتدائي هذه السنة ،الذي اجتازه المدرسون يومي 9 و10 شتنبر .من حسن الحظ أنني اجتزت الإمتحان في قاعة رفقة بعد الأساتذة (الممتحنين بفتح الحاء)الشجعان الذين بفضل تدخلهم الصارم وضعوا حدا لمحاولة فرض الغش بالأمر الواقع في بدايتها .لكن الظاهرة كانت طبيعية في باقي القاعات وفي عدة مراكز باعتراف الأساتذة المرشحين أنفسهم …
من باب الإنصاف يجب الإعتراف أن المسؤولية لا يجب تحميلها فقط للأستاذ الذي يلجأ للغش ،لأن هذا الأخير حين يحرم مما يعتبره حقا يحس بالجور وعدم تكافؤ الفرص حين يتم السماح بها في باقي القاعات والمراكز ،ثم لأن الظاهرة أصبحت صناعة محمية من طرف الوزارة .كيف؟
_تكليف أساتذة بمهمة الحراسة لا يمتلكون أية سلطة رمزية أو فارق معرفي أو أفضلية في الدرجة(أغلبهم أساتذة الإعدادي الدرجة الثالثة) …مما يضع هؤلاء الحراس ممن يريد الحرص على نزاهة الإمتحان في موقف محرج جدا ،واخرون يتعاطفون مع زملائهم في المهنة والمحنة فتكون عملية الغش بمباركة منهم وتحت حمايتهم . لماذا لا توكل هذه المهمة بدل ذلك لأطر التفتيش مثلا أو أطر أخرى خارج سلك التدريس؟
_منذ مدة والأصوات تتعالى منبهة لخطورة الظاهرة لأنه لا يعقل أن يكون الأستاذ غشاشا .إلاأن الوزارة لم تفكر بتاتا في الأمر لأنه لا يهمها تحقيق الهدف الرئيسي للإمتحان المهني المتمثل في الإرتقاء بالأداء المهني للمدرس وتجويده ،ويهمها بدل ذلك هدم وتحطيم رأسمال المربي المتمثل في القيم والضمير . وكأنها تقول : في سبيل الصمت وتكميم الأفواه لا تهم مشروعية الوسائل والطرق ….أو :غشوا فمن لم يغش فهو ليس منا …
فضائح وزارتنا لا تعد ولا تحصى ،والأكيد أن ذاكرة القارئ تحتفظ باالكثير منها ،فهل الوقت لم يحن بعد كي “تجمع الوزارة راسها”؟كفانا ظلاما والاما، الان نريد بيوت الوزارة من زجاج…
رشيد أوخطو