المجتمع المدني: عودة مفهوم أو التبشير به - منتديات دفاتر التربوية التعليمية المغربية
تسجيل جديد
أبرز العناوين



أدوات الموضوع

الصورة الرمزية أيوب بنجماعي
أيوب بنجماعي
:: دفاتري ذهبي ::
تاريخ التسجيل: 28 - 9 - 2008
السكن: برشيد
المشاركات: 1,059
معدل تقييم المستوى: 295
أيوب بنجماعي على طريق الإبداع
أيوب بنجماعي غير متواجد حالياً
نشاط [ أيوب بنجماعي ]
قوة السمعة:295
قديم 06-02-2009, 22:58 المشاركة 1   
هام المجتمع المدني: عودة مفهوم أو التبشير به

هل يمكن وصف التبشير بالمجتمع المدني بأنه إيديولوجيا الأزمنة المعاصرة في عصر يوصف بكونه عصر انهيار الإيديولوجيات؟ قد يكون استخدام مفهوم المجتمع المدني بغرض بناء نسق نظري تفسيري حتمي لتحليل مآلات الأنظمة السياسية والمجتمعات هو نوع من الإيديولوجيا. وتبرير ذلك رهين بما يؤول إليه أي استخدام لا يعدو أن يكون غير تبسيط ساذج لما هو سوسيولوجي: أي لما هو خاضع لجملة قواعد وتنظيمات يتداخل فيها أكثر من مؤشر اجتماعي. والمقصود بالاجتماعي، هنا، كل ما يندرج في إطار علاقات إجتماعية مهما اتخذت لذاتها من تعبيرات في المستوى السياسي أو الثقافي أو الاقتصادي أو القيمي...
كل استخدام لمفهوم المجتمع المدني لا يراعي بعده المعرفي، الذي يرتقي به لأن يجعل منه أداة تحليل، سيسقط لا محالة في تحويل المفهوم إلى عقيدة سياسية مغلقة أو، بمعنى آخر، إلى شعار إيديولوجي. وبدلا من الاستفادة مما يتيحه المجتمع المدني من إمكانيات للتحرر، سيصبح وفقا لهذا الاستخدام المحظور مجالا للهيمنة أو الإقصاء. بهذا المعنى ستضيع كل فرص الإستعانة بما يقدمه المفهوم من آفاق للتأمل النظري والمنهجي. وعليه فإن الغنى الذي يزخر به مفهوم المجتمع المدني إنما يتجلى على الخصوص، في التعاطي معه كمفهوم-مفتاح في العلوم الإنسانية دون إهمال أن لكل مجتمع حيثيات تاريخية وحضارية ولكل تخصص قواعد معرفية خاصة. مما يجعل لجوء الباحثين إلى مفهوم المجتمع المدني ليس لجوءا إلى مفهوم مطلق بقدر ما نكون إزاء فرضية يلزم أولا تأكيد صحتها سوسيولوجيا.
على المستوى الإبستمولوجي هنالك بعض الإعتراضات على استعمال مفهوم المجتمع المدني خارج سياقاته التاريخية والإجتماعية التي ينتمي إليها بدعوى تأثره بحمولات تلك السياقات. لكن اعتراضات من هذا القبيل، كما يرى البعض، لا تصمد في وجه الحجة القائلة بأن مفهوم المجتمع المدني لن يكون أول ولا آخر مفهوم يأخذ أبعادا عالمية التداول وهو الآن مفهوم مهيمن خارج سياقه الأصلي. ولعل أصحاب هذه الحجة يسعون إلى تأكيد استحالة أي دراسة مقارنة ما دام يستحيل نقل المفاهيم خارج سياقاتها الأصلية بدعوى غموضها أصلا في تفسير الظاهرة الإجتماعية في منشئها.


بناء على ذلك أين تكمن ضرورة المجتمع المدني ؟ وهل حقا للمفهوم قيمة سوسيولوجية في تفسير الظواهر الإجتماعية التي تنتشر تحت إسمه ؟ وهل يكفي الإدعاء بأن المفهوم مقولة تفسيرية، بينما هو ذاته بحاجة إلى تفسير؟ وهل يجوز استهلاك وصف المجتمع المدني بالوسائطية أو العلائقية من دون بذل الجهد في تحليل الوظائف العميقة التي يخترق عبرها المجتمع المدني منظومة القيم وليس فقط شبكة العلاقات ؟ فالقول مثلا بأن المجتمع المدني يلعب دور الوساطة بين المجتمع والدولة لا يفسر شيئا على الإطلاق : إذ كيف نعرف ظاهرة ما بالوساطة ثم نستعملها في تفسير الوساطة نفسها؟


على العموم يجب التنبه إلى المحاذير المعرفية لأي استعمال إيديولوجي لمفهوم المجتمع المدني والذي يؤدي إلى ممارسة الاحتكار بدلا من الاستثمار النظري والمعرفي للمفهوم. فإذا كانت المفاهيم تعاني من صعوبة الانتشار، فإن الأمر هنا يختلف مع مفهوم المجتمع المدني الذي يمكن أن تكون انسيابيته هي مشكلته الحقيقية.


لذلك لا يمكن وصف ظاهرة اختراقه للأنساق الفكرية والسياسية والاجتماعية بالإيجابية، لأن ذلك الاختراق يتم من دون تأصيل فلسفي يسائل معرفيا حجج الاستعمال : فلا يوجد اتجاه فكري أو سياسي أو حتى عقائدي لا يتداول مفهوم المجتمع المدني بل نكاد نجزم أنه أصبح مفردة أساسية في قاموس كل هذه الاتجاهات. وهناك تنافس بين كل القطاعات الاجتماعية في ادعاء الانتماء إلى شيء اسمه المجتمع المدني، فقد أصبح يمثل مصدرا من مصادر الشرعية وأخذ بالتالي يتجاوز بعده السياسي الضيق لينفتح على بعد أساسي وهو البعد الوجودي.


مع ذلك، هل يتأكد الوجود السوسيولوجي للمجتمع المدني بمجرد تداول المفهوم ؟ ألا يخبرنا هذا المفهوم بصراع الأفكار أكثر مما يخبرنا بصراع التجارب ؟ ومن تم ألا يعكس ذلك، حقيقة، صراعا إيديولوجيا للهيمنة على الفضاءات الاجتماعية ليس إلا ؟ وبالتالي، ما أهمية التساؤل عن وجود أو عدم وجود المجتمع المدني ؟
يمثل الرصد المعرفي والسوسيولوجي لمفهوم المجتمع المدني مشروعا نظريا أساسيا لما يستحقه من بذل الجهد لإعمال النظر في نصوص الفكر الفلسفي والسياسي والاجتماعي. إلا أن العراقيل التي تنتصب في وجه هذا العمل تبرز في النصوص التي كانت عرضة للترجمة، بحكم أهميتها ومركزيتها في تاريخ الفكر الفلسفي الغربي.
فقد استعادت أعمال الترجمة مفهوم المجتمع المدني لتخضعه إلى تأويل يعكس السياقات السوسيو-سياسية التي تؤثر في المترجم، وهو ما يفسر الكيفية التي أصبحت بها دلالات المفهوم تحيل على أكثر من تعريف. ولربما قد يساعد هذا التفسير أيضا، على تتبع الصيغ المتعددة والمتناقضة التي يتم التعبير بها عن المجتمع المدني في الخطاب الذي أنتج وينتج حول مفهوم يعد بحد ذاته مقولة تأويلية لعدة مفاهيم أخرى، وهو ما يعيد إلى الواجهة سؤال استقلاليته كمقولة مفاهيمية قبل أن يصبح واقعة سوسيولوجية، وبالتالي كيف لا تكون المفارقات الكامنة فيه مكمن ضعفه بل باعثا على استمراريته وتكيفه.
بهذا المعنى، ينتمي المجتمع المدني إلى شبكة مفاهيمية يكاد التأريخ لنشأتها يلقي بنا في غابر أزمنة التفكير الفلسفي، وإن ذلك مما يزيد في صعوبات الرصد. وهكذا قد يكون مثيرا أن للمفهوم أكثر من نشأة، لأنه ارتبط في كل مرحلة بتجربة تميزها قطائع في الفكر والسياسة عما سواها. ولعل ذلك مما يعكس طبيعة المفارقات التي لزمت هويته التكوينية، إن في مجال الأنساق الفكرية أو في التجارب التاريخية والاجتماعية، وقد ينتج عن ذلك كله ما يشوش على محاولات التعريف التي أخضع لها. تسمح مراجعتنا لبعض الأمثلة بالعثور على دراسة أجريت حول تجربة الجماعات الثورية في صراعها مع الدولة في كولومبيا، وهي دراسة تنتهي -وهذه واحدة من الفرضيات المفارقة- إلى أن الجماعات الثورية المعروفة بـ GUERILLA تمثل جزءا من المجتمع المدني. مما يحيلنا على تعريف جديد لمفهوم المجتمع المدني بحسبانه من مجالات الصراع المسلح ما دام أجبر على ذلك دفاعا عن وجوده وشرعيته. ولعل تعريفا على هذا المنوال، يلقي بنا في قلب إشكالية أعم وأعقد للاستفهام حول توجهات المجتمع المدني وخياراته في التعاطي مع قضايا التغيير الاجتماعي بما في ذلك أدوات هذا التغيير.
وسواء تعلق الأمر هنا بهذه التعارضات أو المفارقات التي أتينا على ذكرها، وتلك التي لم نأت على ذكرها، فإن مجملها يفضي بنا إلى الاعتقاد بأن مفهوم المجتمع المدني ينطوي على صيغ دلالية ومفاهيمية تتمنع على الضبط والتحديد والتعريف. ومن جملة الدلائل على ذلك يمكن أن نسوق -على سبيل التفاتة خاطفة- مثالا عن التعارض الذي نعثر عليه اليوم، في عدد كبير من المقاربات، بين المجتمع المدني والدولة، إذ لم يعرف لهذا التعارض نشأة في تاريخ الفكر إلا مع هيغل وماركس من بعده. ومعهما بدأ، وأي حديث عن التعارض بينهما قبل هذا التاريخ يعد مجانبا لحقيقة ما صاغته نصوص الفلسفة والاجتماع، بدءا بأرسطو وانتهاء بروسو، إذ معهما سوف يعني إسقاط هذا التعارض أن الدولة تعارض نفسها أو المجتمع المدني يعارض نفسه.
مع ذلك كله وجب التأكيد على أن التمنع الذي يبديه مفهوم المجتمع المدني لا ينبغي أن يقودنا إلى التوقف عن محاولة الإمساك بتعريفه وتحليله، وبالتالي الارتقاء بهذه المحاولة ليكون لها هدف علمي ومنهجي ومعرفي. مع الإدراك التام بأنه كلما تضاعف استعمال المفهوم إلا وتضاعف غموضه وانتصبت العراقيل أكثر فأكثر في وجه كل مقاربة لرصده.
عليه، وجب الاعتراف بأن البحث في جذور المجتمع المدني (حفريات) يكاد يكون مستحيلا بالنظر إلى الطبيعة المعقدة والمتداخلة للتحولات والانتقالات التي رافقت أعمال وجهود ترجمة النصوص التأسيسية للفكر الفلسفي والسياسي والاجتماعي. فتاريخ المجتمع المدني، يعد أطول وأقدم التواريخ كلها. ذلك أن تحول المفهوم من لغة إلى أخرى، وما واكب ذلك من انتقال لمضامين مجمل السياقات السوسيوسياسية، والملأى بالتنوع والتعدد حد التناقض والتنافر، عبر تاريخ طويل ومعقد، يضعنا، بالنظر إلى كل هذه الحيثيات، أمام مفهوم تاريخي شديد الحساسية إزاء التعريفات الإجرائية، والتي ربما تقلل من أهميته النظرية والمعرفية.

ثانيا- الافتتان بالمجتمع المدني
يعبر المجتمع المدني عن شبكة من المعاني والدلالات المعقدة والمتداخلة والمتنافرة، ولذلك فإن القول بأن هيئات المجتمع المدني تساعد على استقرار الكيانات السياسية الديمقراطية، هو قول في واقع الحال يحيل على تلك الشبكة الحبلى بالتداخلات والتخارجات والتباينات. فكيف نتحدث عن مجتمع مدني كدعامة من دعائم الاستقرار في حين أنه هو ذاته لا يكفل حتما هذا الاستقرار في أعطافه ؟
ثراء المفهوم، إذن، يعكس هذه المفارقات، ولعل تحميل المجتمع المدني من المهام الجسام حيث يتوقع منه مواجهة الاستبداد وإسقاطه، يجعل من المفهوم عنصرا محوريا في سيرورة التحول إلى الديمقراطية وفي تأمين الكيانات الديمقراطية واستقرارها. بطبيعة الحال، هناك كثير من الاختزال في هذا التصور، إذ تبقى جملة من التساؤلات عالقة من دون أجوبة: فهل المجتمع المدني كيان إجتماعي على مستوى "السطح"؟ وهل ندرج في ثنايا هذا الكيان الشرائح الممثلة للمال والأعمال أي السوق، بالنظر إلى أن "السوق" كيان مستقل؟ أم أن الأجدر - بدلا من ذلك - أن ندرج ضمن هذا الكيان التشكيلات الاقتصادية من قبيل الهيئات النقابية والمهنية ؟ مع ما يثير مثل هذا التحديد من إشكاليات جديدة فيما إذا جاز اعتبار الهيئات السياسية الحزبية جزء من المجتمع المدني. هل تعني المطالبة بالمجتمع المدني دعوة لرفض كل ما هو سياسي؟ وهل يكون هذا الرفض ممكنا؟ وهل كون المجتمع المدني يستهدف أوسع شريحة ممكنة في المجتمع معناه أنه فوق التفاريق والتمايزات السياسية والاجتماعية؟ متى تؤول استقلالية المجتمع المدني إلى مطلب ثانوي، بالنظر إلى أهمية أنماط الانتظام الأخرى؟ ألا يمثل مطلب الاستقلالية هذا انقلابا على المجتمع السياسي و تنكر لأفضاله، بحسبان هذا الأخير المدرسة التكوينية (التنشئة السياسية ) للفاعلين الاجتماعيين المدنيين؟ و هل بإمكان السوسيلوجيا تفسير كيف يمكن أن يكون المجتمع المدني بديلا عن المجتمع السياسي؟ و إلا كيف يبدو الحديث الذي يعتبر أن المجتمع المدني دعامة للديمقراطية وحصن حصين ضد الشمولية؟ أم أن المجتمع المدني أضحى مفهوما - مفتاحا لتحليل وتفسير كل الأوضاع مهما تباينت أو اختلفت؟ أفلا تكون خيبة الأمل في المجتمع السياسي وراء هذا الافتتان بالمجتمع المدني؟ ثم ما هي حقيقة وأهمية الهيئات المدنية التي ليس لها ثقل سياسي وازن ؟ أم أن المجتمع السياسي لا يعدو غير كونه معهدا مجانيا للمجتمع المدني بتعبير توكفيل؟ أم أن علينا اتباع خطى غرامشي في التمييز بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي؟ وما هي في ضوء ذلك، وغير ذلك، مما أتينا على ذكره وما لم نأت على ذكره، نواتج هذا التمييز أو الفصل وآثارهما على تصنيف النشاط السياسي للأحزاب، والنشاط ذو الميولات السياسية، أو التي تتقاطع مع برامج سياسية لهيئات المجتمع المدني ؟ و ما هي في إثر ذلك طبيعة وهوية العلاقة بين "السياسي" و "المدني"؟ ألا يمثل النظر إلى المجتمع المدني باعتباره "المجال الوسيط" توصيفا يوحي بأن للمفهوم هوية وظيفية أي أن من بين وظائفه البحث عن الحلول الوسطى، مما يعني أنها وظيفة تقوم على إنجاز تسويات اجتماعية وسياسية؟
تقودنا هذه الهوية الوظيفية إلى اكتشاف نمط العلاقة القائمة بين المجتمع المدني و المنهج الديمقراطي، ومن تم اكتشاف الطرائق التي تتحقق بفضلها المكاسب السياسية والمنافع الاجتماعية التي يقود المجتمع المدني خططا لاستجلابها. فتكون وظيفية المفهوم محصلة انتشار قيم بعينها في صلب الروابط القائمة بين أطراف واتجاهات ومكونات المجتمع المدني، إذ يتعلق الأمر هنا بقيم التسامح والتضامن المفيدة للكيان الاجتماعي برمته. و السؤال الأساسي هنا: متى وكيف تتوافر شروط انبعاث هذه القيم؟
يرجح كثيرون أن الارتفاع الكمي للجمعيات يجد تفسيره في اتساع هامش الحريات، و بداية مرحلة الانفتاح السياسي. إلا أن هذا لا يفسر شيئا على الإطلاق، و لا يعد غير كونه وصفا أصم لواقع مكشوف. السوسيولوجيا ذاتها لا تستخدم هذا المبرر ولا تستند إليه. ففي ظل الاستبداد يكون المجتمع ساحة مفتوحة ومباشرة للخروق التي يكون مصدرها سلطة الدولة، وإن التحول نحو الانفتاح لا يأتي هكذا من دون مقدمات، أو لمجرد أن هذه الدولة قررت ذلك. ثم إن الدولة ليست هي من يوقع شهادة ميلاد المجتمع المدني، ولا هي من يوسع هامش الحرية بإرادة داخلية مستقلة عن التفاعلات والتوثرات المحيطة بها. و سواء كانت الدولة ترغب في ذلك أم لا، فإن إرادة المجتمع هي وحدها من يحدد مصير ومستقبل الحياة السياسة والمدنية عامة. مآل التحولات ليس ثمرة رغبة أو قرار هذا الطرف أو ذاك، و لكنه محصلة قوانين سوسيولوجية تعتمل في رحم الروابط والتدافعات الاجتماعية، بما هي انصهار لمؤثرات داخلية وخارجية.
لا يتعلق الأمر هنا بعقد مقارنة مجحفة بين الدولة و المجتمع المدني، كما أن النقاش لا يدور حول من ينبغي له أن يكون أقوى من الآخر أو أعلى درجة. كما لا يتعلق الأمر بالقول بضرورة و حتمية أن يكون لهما قوة متوازية، بل المقصود تحديدا أن يكون المجتمع المدني كما يفترض فيه أن يكون، و تكون الدولة كما يفترض فيها أن تكون. معنى ذلك أن يحضى المجتمع المدني بقدر من القوة ما يجعله حصنا للمجتمع ضد الاستبداد أيا كان مصدر هذا الاستبداد, و من القوة ما يؤهله لنقد الدولة، و مطالبتها بإصلاح ذاتها أو المساهمة من جانبه في إصلاحها أو تغييرها من دون أن يسعى لأن يكون بديلا عنها. و أن تكون الدولة من جهتها مسؤولة في استعمال سلطاتها, متجاوبة مع الكيانات المحيطة بها والمتعايشة معها أو المناهضة لها, قادرة على وعي أدوارها كجهاز في خدمة المجتمع من دون أن يعني ذلك أي انتقاص من قيمتها أو مسا بهيبتها. بناء على ذلك فان قوة المجتمع المدني لا تعني غير كونها حافز للدولة كي تفي بالتزاماتها إزاء المجتمع.
أحيط مفهوم المجتمع المدني بهالة من المثل والأخلاقيات، حتى أننا نكاد نقر بأن إجماعا عظيما ومقدسا قد تم التواضع عليه، مفاده الاعتراف للمجتمع المدني بكونه مجتمع الفضيلة. إلا أننا نريد هنا الإشارة إلى فكرة لها من الأهمية ما يدفع الكثير منا إلى التحفظ ومراجعة النظر في أسلوب ومنهج التعاطي مع الدراسات التي تناولت المفهوم في مجال العلوم الاجتماعية المعاصرة .
فمن وجهة نظر الاستشراق لا تبدو أهمية فكرة المجتمع المدني فقط في تعريف الحياة السياسية في المجتمعات الأوربية، و إنما كذلك تمثل لحظة للمقارنة بين "المجتمع الشرقي" و "المجتمع الغربي". ويجوز لنا في هذا السياق أن نقول بأن الاستعمالات التي درج الفلاسفة والمفكرون على توظيفها مند عصر الأنوار السكوتلندي وإلى مذكرات السجن الغرامشية، خضعت في غالبيتها إلى المقابلة الإيديولوجية الاستشراقية بين الشرق والغرب. وقد جاء هذا الاستعمال للتعبير عن المقولة التي تدعي أن الشرق برمته، تاريخيا وحضاريا، جسد الدولة أكثر مما جسد المجتمع. إن تاريخ الشرق هو تاريخ دولته وإن تاريخ الغرب هو تاريخ مجتمعه.
الشرق، في هذه النظرية من دون مؤسسات ووسائط تقوم بين الفرد والدولة، وإن ضعف المجتمع المدني أو غيابه كان التربة الملائمة للحكم السياسي الشمولي في الشرق. هذا الموقف الاستشراقي، الذي يقول بغياب المجتمع المدني في بلاد الشرق وديانتها (الإسلام)، إنما يعكس في عمقه خطابا يبطن موقفا مزدوجا. فهو خطاب غير علمي بأدوات علمية حول مجتمع هو في الوقت ذاته عينة تحت مجهر الدرس والتحليل، وهو مجتمع يمثل قيما حضارية مناقضة. هذا الخطاب متوتر وقلق بإزاء ما ستؤول إليه الدولة و الحرية في الغرب ذاته.
ألا يجوز في ضوء هذه الأطروحة أن تكون بعض حواراتنا حول المجتمع المدني انعكاس أو استنساخ لمواقف ونظريات واتجاهات وتأويلات لم نخضعها للفرز المعرفي المسبق، و بالتالي نكون بصدد إعادة إنتاج أوضاع و نظريات غير مطابقة سوسيولوجيا لمجتمعنا. وإذا لم يكن عيبا أن ندافع عن كونية القيم، أليس من العيب- تمام العيب- الدفاع عن كونية أزمات وتوترات وتناقضات الآخرين؟ !

ثالثا- صيغ المجتمع المدني في المغرب: الحرص على عدم التورط في تأويلات من هذا القبيل مرتبط أساسا بحرص أعمق وأهم، مكرس لإعادة تعريف وتحليل المفهوم وفق مقولات سوسيولوجية متحركة ومتحولة. ويكشف هذا الحرص عن مدى التناقض بين دعوتين بارزتين وغير رسميتين:
ط§ط¶ط؛ط· ط¹ظ„ظ‰ ط§ظ„طµظˆط±ط© ظ„ط±ط¤ظٹطھظ‡ط§ ط¨ط§ظ„ط­ط¬ظ… ط§ظ„ط·ط¨ظٹط¹ظٹ دعاة مجتمع مدني وظيفي (الصيغة الأولى)
ط§ط¶ط؛ط· ط¹ظ„ظ‰ ط§ظ„طµظˆط±ط© ظ„ط±ط¤ظٹطھظ‡ط§ ط¨ط§ظ„ط­ط¬ظ… ط§ظ„ط·ط¨ظٹط¹ظٹ دعاة مجتمع مدني مستقل (الصيغة الثانية)

الصيغة الأولى، هي نمط من المؤسسات التي تلقى الترحيب والاعتراف والتشجيع والدعم والمحاباة والاحتضان، مستفيدة من الرغبة الجامحة للدولة في استباق المطالب الاجتماعية المدنية والالتفاف عليها بطرق وأساليب ومناهج تنتمي في عمومها لمنظومة قيم المجتمع المدني نفسه، ولكن بأهداف وغايات وحسابات تخضع لجهاز السلطة والحكم في المطاف الأخير.
الصيغة الثانية، تمثل المؤسسات والهيئات والحركات المدنية التي نشأت من حيث أهدافها لمواجهة تجاوزات وخروقات الدولة، كما أمنت بالنظر إلى السياق، وجودها واستمرارها كحركات مدنية فرضت نفسها في ظل تلك الخروقات والتجاوزات، وقاومت من أجل حقها المقدس في الاستقلالية عن كل أنواع الإلحاق.
أفرزت الصيغة الأولى نخبا مدنية بمواصفات الوجهاء الجدد وبمواطنة منقوصة وغير مكتملة. في حين أفرزت الصيغة الثانية نخبا مدنية شقية تعيش بمواطنة قلقة متوترة ومتوجسة باستمرار ... تتردد في " الاختيار المفروض" بين الاندماج أو التهميش.
بغض النظر عن هذا التصنيف الإجرائي فإن تجربة المجتمع المدني في المغرب عكست، في بعض وجه من أوجهها، تأرجحا بين الصيغتين، بينما يظهر أن صيغة ثالثة هي بين منزلتي الصيغتين السالفتين أصبحت تؤثث المشهد المغربي. فقد شهد المغرب في " عهده الجديد" تمزقا مدنيا بين الاتجاهات الثلاث. إذ نلاحظ كيف أن بعض الهيئات حاولت أن تنفصل عن أجهزة الدولة كما هو حال مركز التوثيق الذي ينشط في مجال حقوق الإنسان، والذي عمل على المطالبة بتمكينه من صفة الاستقلالية عن وزارة حقوق الإنسان، حتى يتاح له المساهمة في الأنشطة والمؤتمرات التي يعقدها المجتمع المدني. أما في الاتجاه المعاكس، فإنه يمكن الإشارة إلى انتقال المواقع، الذي عرفته تجربة إتحاد كتاب المغرب الذي عاش التمزق المدني بعد أن أصبح يًنظر إلى موضوع استقلاليته بنوع من التشكيك، خصوصا في عهد "حكومة التناوب" وما بعدها. هذه الاستقلالية موضع الشك تستفحل أكثر عندما يسجل المراقبون كيف كان اتحاد كتاب المغرب في مقدمة المسيرات التضامنية مع الشعب العراقي، وهو الاتحاد الذي تلقى - في الوقت ذاته - دعما ماليا من دولة الكويت لطبع بعض المنشورات الصادرة بإسمه.
مهما كانت دعاوى المجتمع المدني ومهما اختلفت صيغه وتعددت، فلن يكون بمقدوره أن يدعم أي تحول ما لم يًؤمن لمكوناته الحق في تكوين رأي عام تعددي بآليات فكر نقدي متحرر من الهيمنة التي يًحتمل أن تنشأ عن تواطؤ لمصالح فئات قادرة على إنتاج وإعادة إنتاج رموز وقيم معاكسة لاكتساب المجتمع المدني المناعة اللازمة لإحداث توازنات جديدة. أما الادعاء بأن مجتمعا مدنيا قويا ومتماسكا سوف يمثل عبئا على الدولة وتهديدا لها، إنما هو ادعاء ينطلق من محاكمة النوايا والخوف من الديموقراطية بإسم الحرص عليها. ولعل ما يوفره مجتمع مدني كامل الأوصاف، من منافع متبادلة ومشتركة يمثل رأسمال اجتماعي يعزز مؤهلات الكيان السياسي الجمعي لما ينتج عنه من متواليات نفعية إيجابية وعامة في الاقتصاد وفي المجتمع وفي الدولة.إن مجتمعا منهكا هو البيئة المواتية للشمولي والاستبداد. تتآكل فيه الحياة المدنية بتآكل الرصيد الرمزي الذي ينتج عن العيش المشترك والمنفعة المتبادلة والصالح العام. فعندما تتدهور لبنات المجتمع المدني، سيتبعه حتما تدهور للنسيج الاجتماعي ولكل الروابط والعلائق والبنيات الاجتماعية التي يحتمي الفرد بها من دواعي الزمن الاستبدادي.
لا يمكن أن نستوعب دور وأهمية المجتمع المدني في النظم الديموقراطية كما في النظم المتحولة باتجاه الديموقراطية، ما لم نعد النظر جذريا في الكيانات التي تشترك معه في بعض الأهداف وتتنافس معه عليها. ذلك أن الخوف على المجتمع المدني من غضب الدولة لا ينبغي أن يثنينا عن الانتباه للجحود الذي قد يصدر عن الأحزاب السياسية والهيئات النقابية، وهو جحود ونكران قد يكون ضررهما في بعض الحالات، أكبر من الأضرار التي تلحقها الدولة بالمجتمع المدني. إذ من غير المستبعد أن يكون الضعف الذي يعاني منه المجتمع المدني ناتج بالأساس عن تحايل بعض الأحزاب السياسية على هذا المجتمع، إما بالتخلي عن دعمه أو بالالتفاف عليه من خلال قرصنة مطالبه وإدراجها في برنامجها السياسي كي تؤهل موقعها التفاوضي.
تتفاقم نتائج الاحتيال الذي يذهب المجتمع المدني ضحية له، بحيث تتضافر عوامل الصراع والتنافر في ثناياه، وبين الاتجاهات المنتمية إليه. إذ في غياب تسويات سياسية من داخل المجتمع المدني، ومن خارجه فإن عوامل الاضطراب والتنافر تزداد حدة . ولن يكون مجديا التعلق حينها بمفهوم لا مصداقية له معرفيا وسوسيولوجيا. ولذلك فإن التسويات السياسية لها أهمية بالغة، ليس فقط في حفظ التوازنات داخل وخارج المجتمع المدني، ولكن أيضا لها أهمية في تفسير وتحليل الكيانات السياسية والعلائق المؤسسة لها، كما لها أهمية في رصد مدى الأثر الذي تتركه على القوى الاجتماعية ومفاعيل ذلك كله على المجتمع المدني برمته. يقود هذا التحليل إلى معضلة في غاية التعقيد. إذ بإسم مثل المجتمع المدني يطرح على عاتق مكوناته التحفظ من الاستقطاب السياسي. بمعنى آخر الاشتغال في فضاء محاصر سياسيا، دون فقدان الروابط مع القوى السياسية، أو التساهل في الاستقلالية عنها. ستثبت لنا تجربة المجتمع المدني بالمغرب بعض الفرضيات كما ستلغي أخرى. لكننا أمام هذه التجربة سنقف حائرين متسائلين عن مدى قدرة المجتمع المدني على تأكيد أدواره والدفاع عن مشاريعه باستقلال تام عن أية جهة من الجهات.
كيف يضمن إذن المجتمع المدني الموازنة بين الاضطلاع بدور ما في المشاكل السياسية وأن يكون معبرا عن مصالح اجتماعية، من دون الإضرار بمًثله وتلطيخ مقدساته؟ وهل ًيحتمل وجود‌‍ للمجتمع المدني من دون ولاءات؟. تلك، وغيرها، من الأسئلة ستبقى من شواغل السوسيولوجيا...
بقلم: د.محمد الغيلاني
باحث متخصص في سوسيولوجيا المجتمع المدني
Tel : 061928857
[email protected]
B.P :8888 -oulfa -casa










بــســم الله الــرحـــمان الـــرحيـــم،



إلى جميع الإخوة والأخوات ، الدفاتريين والدفاتريات بإقليم برشيد،


[IMG]http://www.************/vb/image.php?type=sigpic&userid=6884&dateline=1233793 153[/IMG]إذا كنت تعمل أو تسكن بإقليم برشيد شرفنا بانضمامك إلى قافلة دفاتر بأفكارك واقتراحاتك فيما يخص التحضير للجمع التأسيسي للفرع الإقليمي للجمعية، وذلك في الموضوع الموجود بالرابط التالي:

http://www.************/vb/showthread.php?t=96152


[email protected]

آخر مواضيعي

0 الجمعية المغربية لتربية الشبيبة تستقبل وفدا ألمانيا
0 الجمع العام العادي الثالث للجمعية المغربية لتربية الشبيبة فرع برشيد
0 ذكرى 53 لتأسيس الجمعية المغربية لتربية الشبيبة
0 المهرجان الثالث لإبداعات الشباب
0 La Troisième Rencontre Provinciale de Taourirt Du 03 mai 2009
0 La Seconde Rencontre Provinciale de Berkane Du 02 mai 2009
0 La Première Rencontre Provinciale de Bouârfa Du 30 avril 2009
0 diagnostic participatif des ecoles de sale
0 التكوين المستمر في المجال الجمعوي: ترف أم ضرورة ملحة؟
0 مائدة مستديرة حول تطوير التعليم والارتقاء بجودته في ظل أسلوب التعليم الشمولي الدمجي


aboud
:: دفاتري ذهبي ::

الصورة الرمزية aboud

تاريخ التسجيل: 20 - 9 - 2008
المشاركات: 3,637

aboud غير متواجد حالياً

نشاط [ aboud ]
معدل تقييم المستوى: 558
افتراضي
قديم 07-02-2009, 10:44 المشاركة 2   

دمت متألقا أخي أيوب تحياتي

ط§ط¶ط؛ط· ط¹ظ„ظ‰ ط§ظ„طµظˆط±ط© ظ„ط±ط¤ظٹطھظ‡ط§ ط¨ط§ظ„ط­ط¬ظ… ط§ظ„ط·ط¨ظٹط¹ظٹ
دفاتر في القلب

تحية حب مقرونة بأجمل الورود ،
أحيي بها أستاذي الفاضل عبود ،
وهو رجل ضحى و بذل كل الجهود ،
من أجل دفاتر ضد الكسل والقعود ،
وهو أخ وصديق صادق الوعود ،
معروف بحكمته و نبله المعهود ،
كثير خيره يسيل كماء السدود ،
ليصل بيسر كل حاسوب موجود ،
فشكرا و شكرا لك يا خير عبود ،
لك الرضوان من خالقنا الودود ..

من كلمات الأخ :
مصطفى
المدير العام

أبو سعد
:: دفاتري فعال ::

الصورة الرمزية أبو سعد

تاريخ التسجيل: 6 - 1 - 2008
المشاركات: 546

أبو سعد غير متواجد حالياً

نشاط [ أبو سعد ]
معدل تقييم المستوى: 254
افتراضي
قديم 07-02-2009, 11:04 المشاركة 3   

ط§ط¶ط؛ط· ط¹ظ„ظ‰ ط§ظ„طµظˆط±ط© ظ„ط±ط¤ظٹطھظ‡ط§ ط¨ط§ظ„ط­ط¬ظ… ط§ظ„ط·ط¨ظٹط¹ظٹ

[SIGPIC][/SIGPIC]
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مفهوم, المجتمع, المدني, التبشير, عودة

« الخصائص العامة للفعل الجمعوي في مجال التنمية المحلية بالريف | المجتمع المدني: مقاربة نقدية »
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
اشكالية مفهوم المجتمع المدني سهاد56 ثقافة العمل الجمعوي 27 06-06-2009 12:28
اسم الكتاب: المجتمع المدني أشرف كانسي كتب إلكترونية 3 07-03-2009 11:36
لصاحب المجتمع المدني abdelmounaim taounate دفاتر المواضيع العامة والشاملة 1 20-02-2009 00:10
المجتمع المدني: مقاربة نقدية أيوب بنجماعي ثقافة العمل الجمعوي 2 07-02-2009 11:07
ناصيف نصارعن مفهوم المجتمع المدني التربوية ثقافة العمل الجمعوي 1 28-02-2008 12:27


الساعة الآن 05:03


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات دفاتر © 1434- 2012 جميع المشاركات والمواضيع في منتدى دفاتر لا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة المنتدى بل تمثل وجهة نظر كاتبها
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات دفاتر تربوية © 2007 - 2015 تصميم النور اونلاين لخدمات الويب المتكاملة