الاقتطاع من الأجور.. سلاح الدولة “الفاشل” لردع الاحتجاجات
دفاتر مقالات الرأي والتقارير الصحفية التربويةهنا نرتب أهم وآخر مقالات الرأي والتقارير الصحفية الواردة بالصحافة الوطنية والمتعلقة بموضوع التربية والتعليم
الاقتطاع من الأجور.. سلاح الدولة “الفاشل” لردع الاحتجاجات
الاقتطاع من الأجور.. سلاح الدولة “الفاشل” لردع الاحتجاجات
هشام العمراني
الأحد 2 يونيو 2019
عند نهاية كل شهر وبداية أخر يتجدد نقاش الاقتطاعات من أجور موظفي الدولة الذين شاركوا في إضرابات عن العمل من أجل مطالب معينة، ويتجدد معه مدى فعالية هذا “السلاح” الذي تحاول من خلاله الدولة ردع الاحتجاجات ووقف الإضرابات في إداراتها ومؤسساتها العمومية.
وقرار الاقتطاع من أجور الموظفين المضربين عن العمل هو من السنن غير الحميدة، حسب العديد من المختصين والمتتبعين، التي سنها ويفتخر بها عبد الإله بنكيران عندما كان رئيسا للحكومة بين 2011 و2017، الذي اعتبر (بنكيران) أن هذا القرار خفّض، عدد الإضرابات عن العمل في الوظيفة العمومية، لكن إحصائيات وزارة الداخلية تؤكد ارتفاع عدد الاحتجاجات المسجلة في المغرب خلال السنوات الأخيرة، والمعطيات المتوفرة تشير إلى زيادة نسبة الإضرابات وعدد أيامها، خاصة خلال هذا الموسم.
بنكيران شرَّع لقرارها هذا بالآية القرآنية التي تقول: “والسماء رفعها ووضع الميزان”، والتي شرحها من خلال شريط فيدوا كان قد بثه على صفحته بالفيسبوك بالقول: “الميزان فيه كفّتان، إيلا دْرت فُوحْدة الأجرة، خاصني ندير فالأخرى الخْدمة، إيلا حِيْتّي انت الخدمة نْحيّد أنا الأجرة”.
مناسبة هذا الحديث هي الاقتطاعات التي طالت أجور الآلاف من نساء ورجال التعليم سواء الموظفين الخاضعين للنظام الأساسي لوزارة التربية الوطنية أو الأساتذة موظفي الأكاديميات، وذلك بعد سلسلة من الإضرابات التي خاضوها طيلة شهر أبريل وماي المنصرم. وهي الاقتطاعات التي جاءت مباشرة بعد توقيع الحكومة للاتفاق الاجتماعي مع النقابات والباطرونا والذي بموجبه سيتم زيادة 500 درهم لأجور الموظفين انطلاقا من شهر ماي.
عبد الرزاق الإدريسي، الكاتب العام الوطني للجامعة الوطنية للتعليم التوجه الديمقراطي، يعتبر أن “الاقتطاعات غير القانونية من رواتب الموظفين/ات يشكل قلقا كبيرا في صفوف نساء ورجال التعليم وباقي موظفي القطاع العام؛ لما عرفه شهر ماي 2019 وقبله من غارات خطيرة على الرواتب المتواضعة لنساء ورجال التعليم اللواتي/الذين خاضوا إضرابات عن العمل دعت إليها النقابات التعليمية دفاعا عن المطالب المهنية والاجتماعية والاقتصادية”.
ويرى الإدريسي في تصريح لـ”آشكاين” أن ” الدولة لجأت إلى خرق الدستور وكل التشريعات ذات الصلة لمرات عديدة في هذا المجال؛ وتعتبر أن الإضراب عن العمل غياب؛ وتستعمل بشكل تعسفي وقهري القاعدة القانونية الأجرة مقابل العمل على الموظفين فقط مقابل منح رواتب وتعويضات ضخمة للمنتسبين لبعض المجالس والمؤسسات الصورية؛ وإقرار الزيادات المتتالية في رواتب رجال الأمن”.
“إن الجامعة الوطنية للتعليم التوجه الديمقراطي تجدد رفضها المطلق لهذه التدابير غير الديمقراطية اتجاه شغيلة قطاع التعليم”، يقول الادريسي ويضيف، “وتعتبره اعتداء سافرا على جيوب نساء ورجال التعليم ؛ وتحايلا على حقهم في الإضراب كسلاح دستوري وقانوني للذود عن مصالحهم “، مشددا على أنه “عوض أن الحكومة والوزارات الوصية تلجأ إلى تنظيم حوارات حقيقية مع ممثلي المضربين والاستجابة للمطالب ؛ فهي دائما لا تعقد حوارات حقيقية ولا تستجيب لمطالب الشغيلة ؛ وهو ما يدفعنا بشكل طبيعي إلى الإعلان عن الإضرابات عن العمل؛ للضغط من أجل حمل الحكومة والوزارات على التجاوب مع مطالب المضربين” .
ويتابع المتحدث نفسه “مرة اخرى نحن ندين هذه الهجمة الطبقية على أجور الموظفين والموظفات وحقوقهم كاملة وفي مقدمتها الحق في الإضراب؛ وندعو الحكومة إلى ضرورة إيقاف مسلسل السرقة الموصوفة من رواتبهم وإرجاع كل المبالغ المقتطعة إلى أصحابها”.
وبخصوص الاتفاق بين الحكومة والنقابات والذي وصفه الإدريسي بـ” المشؤوم”؛ فهم يعتبرونه ” مذلا للشغيلة عامة ولنساء ورجال التعليم خاصة، لأنه أتى بعد 8 سنوات من اتفاق 26 أبريل 2011 والذي لم تنفذ بنوده لحدود الآن؛ بل تم التنقيص من رواتب الشغيلة من خلال قانون التقاعد التراجعي والزيادات المتتالية في اسعار المواد الاستهلاكية وكل مناحي الحياة “.
أما عبد الوهاب السحيمي، الفاعل التربوي والعضو البارز في “التنسيقية الوطنية لموظفي وزارة التربية الوطنية حاملي الشهادات”، فيقول “إنه للأسف، في الوقت الذي كانت فيه الشغيلة التعليمية تنتظر فتات الزيادة في الأجور بناء على اتفاق 25 أبريل 2019، تفاجأت باقتطاعات قياسية جديدة طالت أجورها تراوحت بين 600 و1200 درهم حسب السلم الأجور لكل موظف”.
ويضيف السحيمي الذي كان يتحدث لـ”آشكاين” “ورغم أن المغاربة مقبلون على عيد الفطر خلال الأيام القليلة المقبلة، وما يحتاجه من مصاريف إضافية تثقل كاهل عموم المغاربة ومنهم الموظفين أصحاب الدخل المحدود، لم ترحم حكومة العثماني الأسرة التعليمية واتخذت في حقهم اقتطاعات قياسية وغير مسبوقة من الأجور”.
ويؤكد الفاعل التربوي نفسه أنه “رغم النداءات المتكررة لعموم الفاعلين والمهتمين وجميع النقابات التعليمية والتنسيقيات المناضلة، بضرورة وقف هذا الاجراء التعسفي غير القانوني إلى حين إصدار قانون ينظم ويؤطر حقي الإضراب والاحتجاج، إلا أن عنجهية الحكومة وتسلطها، جعلتها تستمر في الاقتطاعات، وهو ما يؤكد المخطط الذي تسير فيه وهو العمل على تركيع الشغيلة التعليمية.”
ويشير السحيمي إلى أنه “عوض أن تلجأ وزارة التربية الوطنية ومعها حكومة العثماني، للبحث عن مسببات الإضراب وتقوم بمعالجة جميع الملفات العالقة، تختار للأسف الطريق السهل والجبان، وهو وضع أجور المضربين تحت مقصلة الاقتطاع”، مشيرا على أنه “منذ 2011، وجميع الملفات التعليمية العالقة تراوح مكانها، ولم يعرف أي ملف طريقه للحل، رغم المظلومية التي تطال المعنيين في جميع الملفات وأخص بالذكر ملفات حاملي الشهادات والزنزانة 9 وضحايا النظامين، والملف الذي افتعلته الحكومة “القديمة-الجديدة” أخيرا، والمتعلق بالأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد”.
ويوضح المتحدث ذاته أنه “كان بالإمكان، تفهم الاقتطاع مع وجود نص قانوني صريح ينص على ذلك وبتسوية معظم الملفات العالقة، أما واليوم، حيث نجد أساتذة مقبلون على التقاعد ويعانون من مختلف الأمراض ويتقاضون أجورا لا تتجاوز 5000 درهم شهريا، وتزيدهم الحكومة بالاقتطاع في ظرفية تأتي قبيل العيد، فهذا لا يمكن تفسيره إلا بالاستبداد والقهر والظلم الكبير، كما يمكن اعتباره انتقاما وتعذيبا للشغيلة التعليمية”.
والأكيد، حسب السحيمي “أن الحكومة بهذه الاجراءات غير المحسوبة العواقب، فهي لا تزيد الوضع إلا احتقانا وتأزما، وتلعب بالنار في ظرفية جد حساسة تتميز بمحيط دولي جد مكهرب وسياق داخلي مأزوم. كما تجعل الاستقرار الذي ما فتأت تتغنى به الحكومات المعاقبة على كفي عفريت”.
ويتابع “الموظف الذي يتعرض اليوم لكل هذه الممارسات وهذا التعذيب الممنهج والمقصود، حيث حقوقه الضئيلة تهضم أمامه وهو مقبل على التقاعد، وبالمقابل يتابع كيف أن مئات البرلمانيين لم يحضروا قبة البرلمان منذ انتخابهم أول مرة ومع ذلك يتلقون رواتبهم كاملة، وتغدق عليهم الحكومة المزيد من الريع والتعويضات غير المستحقة، ويتابع كيف أن 8 كتاب دولة في حكومة العثماني بدون اختصاصات منذ تعيينهم قبل 3 سنوات، ومع ذلك يتلقون رواتبهم كاملة ناهيك عن الامتيازات الخفية والعلنية، وينتظرهم تقاعد مريح… فماذا تنتظر من هذا الموظف أن يفعل؟”
“يمكن أن نؤكد اليوم بأن السيل قد بلغ الزبى، والصبر نفذ”، يقول السحيمي ويضيف “الوضع أصبح مهدد بالانفجار في أي لحظة، وعلى الحكومة ومعها وزارة التربية الوطنية إلا تحمل جميع تبعات ممارساتهم غير المسؤولة”.