محمد حراتي عضو المكتب الوطني للجامعة الوطنية لموظفي التعليم يكتب البرنامج الاستعجالي ومأسسة الوساطة في المجال التربوي
الوساطة هي إحدى الطرق البديلة لحل المنازعات خارج مجال التقاضي , إجراءاتها سريعة تقوم على تقريب وجهات النظر بين أطراف النزاع باستخدام تقنيات التواصل و التفاوض بغرض الوصول إلى حل مرض لجميع الأطراف و هي عملية غير ملزمه و تتم تحت غطاء من السرية. يقوم بالوساطة طرف ثالث محايد يسمى وسيطا, يساعد أطراف النزاع في الوصول إلى حل للنزاع. يرتكز النشاط الأساسي للوسيط في العمل رفقة أطراف النزاع على تحليل النزاع القائم إذ تعتبر عملية تقييم وتحليل المشاكل والقضايا ،مسألة ضرورية في تطوير إستراتيجية فعالة للحل ، وكذلك في صنع خيارات حكيمة لفض النزاع. كما أن مساهمة ومشاركة الأطراف الواسعة في عملية التحليل تساعد في بناء منظور مشترك حول المشكلة والخطوات الضرورية اللازم اتخاذها لمقاربة الحل. و غالباً ما يكون الاشتراك في التحليل خطوة أولى في المرور من منطق موازين القوة الى منطق الحوار و التفاوض وفي إعادة بناء العلاقة وفي إرساء أسس للتفاهم و في حفز الأطراف على استمرار التفاوض لفض النزاع
في المغرب صدر مند ماينيف عن السنة و النصف قانون 05/08 حول الوساطة و التحكيم ارتأى المشرع إقحامه في قانون المسطرة المدنية, و قبله عندما كان هذا القانون مجرد مشروع عقدت شراكة بين وزارة العدل و جمعية البحت عن أرضية مشتركة الدولية كان الغرض منها مأسسة الوساطة في المغرب, خلالها تم تكوين مجموعة من الوسطاء... إلا أن هذا الجهد قوبل بالصمت و بقي معطلا و لم يتم لحد الآن لا مأسسة الوساطة في الحقل القانوني و الاجتماعي و لا تفعيل أدوار الوسطاء الذين تم تكوينهم.
الإشارات الوحيدة حول الوساطة كانت هاته السنة وهي إشارات يتيمة جاءت في ثنايا المشروع الاستعجالي لإصلاح منظومة التربية و التكوين بصيغتيه العربية و الفرنسية,كانت تعبيرا جليا أولا على غياب التنسيق بين الأطراف الحكومية التي هي معنية بمأسسة الوساطة و بتأهيل الفضاء القانوني و الاجتماعي و الاقتصادي المغربي لينسجم مع التحولات الجارية على المستوى الدولي, كما كانت تعبيرا جليا عن فقر كبير في مقاربة الوساطة في الحقل التعليمي الذي هو الموطن الأساس للتربية على ثقافة الحوار والتسامح و التدبير السلمي للتنازع و نبد العنف.
هاته الإشارات لاتعدو الثلاث :
في المشروع الخامس حول محاربة ظاهرة التكرار و الانقطاع عن المدرسة أشير في جملتين مقتضبتين الى اجرائين عمليين هما "تعميم مراكز الإنصات و الوساطة " و "احدات مراكز للإنصات و الوساطة "
و في المشروع العاشر حول تأسيس مدرسة الاحترام أشير من ضمن إجراءات الوقاية من العنف ,الى "إحداث آلية للوساطة" .
من الصياغة يتضح أن السياق العام هو سياق التعويم والتعميم, هو سياق تغيب فيه إرادة الفعل, هو حديث عن الوساطة بدون وسطاء, حديث تغيب فيه الرؤية لما نريده من الوساطة.ليترك ذلك المجال لطرح السؤال حول:
من سيقوم بالإشراف على هذه المراكز؟ من سيقوم بالوساطة ؟ ما هو نوع التكوين الذي خضع له هذا الوسيط ؟ من أشرف على هذا التكوين ؟ ما هي المقاربات الأساسية لأدوار هؤلاء في المؤسسات التعليمية؟ماهو شكل الوساطة الذي نريد,"الوساطة بين الأقران,الوساطة المشتركة بين الأطفال و الراشدين ,الوساطة داخل المؤسسة , الوساطة الخارجية...؟ ما هي الانعكاسات التربوية و البيداعوجية التي نريد أن نرى أثرها في المجتمع؟
ماحدث في كثير من البلدان و خاصة في البلدان الانجلوساكسونية هو أن الوساطة تطورت لتشمل مختلف مناحي الحياة الاجتماعية , و أصبح ينظر إليها كقرين للنجاح في كثير من المجالات ومن ضمنها مجال التعليم . فمن الأخطاء الكبرى مثلا الاعتقاد بأن أزمة النظام التعليمي لها علاقة فقط بالاختلالات المرتبطة بقلة الموارد { الاساتذة , التجهيزات ... البنيات التحتية ...} أو بالبرامج البدائية أو بالطرق البيداغوجية , فهذه ليست سوى واجهة لأزمة عامة تشمل أنظمة التوازن الاجتماعي التي تمس مجموع قطاعات الحياة الاجتماعية.
المؤسسة المدرسية تعاني من عجز في التوازن,لأن الأشكال التقليدية للسلطة , و النظام التأديبي القائم على إشهار العقوبة من التوبيخ الى الإقصاء وعلى التحدي وعلى المواجهة بين الأطراف و التصعيد, هذا المنطق في تدبير النزاعات يعيد إنتاج النموذج المعمول به في المجتمع القائم على الاستجواب والاستقصاء و الظن والاتهام,ويعزز ثقافة رد الفعل , ثقافة العنف و الثأر و الانتقام,التي لا علاقة لها بطبيعة العلاقات في المدرسة التي ينبغي أن تكون قائمة على البيداغوجيا و التربية ,على التفهم و ليس على العقاب ,
في البلدان المشار إليها سبقتنا مؤسساتها التعليمية الى هذا النوع من المشاكل , و ليس صدفة أن الرواد الأوائل للوساطة الاجتماعية تعبئوا من أجل اعمال الوساطة كنمط في تدبير النزاعات , وحملوا معهم بذلك أسلوبا جديدا في تدبير النزاع على أسس توافقية , باستخدام تقنيات تواصلية و تفاوضية, لم يكن انخراطهم هذا بهدف الجواب عن حلول سريعة و مباشرة للمشاكل التي تعترض هاته المؤسسات مثل العنف و الفوضى و الغيابات و لكنه يجيب على توجه بيداغوجي من خلاله يتم إرساء نمط جديد في تدبير النزاعات : هو الوساطة , الذي هو خطوة أساسية للولوج الى مانسميه الوعي بالمواطنة و الاحساس بالمسؤولية و بالآخرين و بالمجتمع. اذ انتبهت منظمات الوساطة ان تعليم الوساطة للأجيال الجديدة وحده كفيل بإرساء و توسيع مجال هذا النمط من تدبير النزاعات مما يساهم في تحسين العلاقات الاجتماعية و افساح المجال أمام مناخ جيد للتمدرس, فبالنسبة لها لا يتعلق الامر بحل المشاكل الحاضرة, و لكنه يتعلق بتطوير و تاسيس بديل لحل النزاعات, الهدف منه ليس هو فقط حل النزاع ولكن في نفس الوقت إرساء نوع من الفهم للجواب على ما يمكن تسميته ببعض من العطب المدرسى الناتج عن استمرارية و تداخل الاجتماعي و التربوي,و لفسح المجال أمام جودة مناخ التمدرس لمساعدة التربوي في حل العديد من الاشكالات الاجتماعية.
سيكون أمام المدرسة أن تدعم وظائفها الأساسية في التنشئة الاجتماعية ليس على أسس موازين القوة و ولكن على أسس التفاوض و الحوار. ذلك ب:
"ارساء وتدعيم المهارات و الكفاءات النفسية و الاجتماعية للوسطاء"
"التحفيز على ايجاد مناخ مدرسي يتم فيه تدبير النزاعات بشكل بناء ذون اللجوء الى الاساليب العنيفة"
"تسهيل الوساطة بتوفير الوسيط ومكان و زمان الوساطة و إن أمكن تأهيل الاقران للقيام "
و هو ماغاب في البرنامج الاستعجالي
3/11/2008