يتلون الريع في الوظيفة العمومية، مثل الحرباء، ويختفي في إداراتها أو يغتني منها، مجسدا تحديا لكل الحكومات للتخلص منه أو الحد منه على الأقل.
ليس المغرب استثناء في العالم العربي، لكن الريع في الوظيفة العمومية يجهز على كل الأحلام بخلق نموذج تنموي جديد، فالمستفيدون منه يخلفون وراءهم اختلالات اقتصادية وسياسية واجتماعية، ما يؤثر على كل القطاعات التنموية، ويساهم في استنزاف ميزانيات ضخمة.
تجد الريع في الوظيفة العمومية في الامتيازات، فقد سبق للبنك الدولي أن كشف أن الموظفين في الدرجات العليا يحصلون على امتياز لاتعد، إضافة إلى أجورهم، ناهيك عن آفة التعويضات التي يستغلها بعض الموظفين من أجل الحصول على مغانم، فمنظومة الأجور بالمغرب تساعد على ارتفاع عدد هؤلاء المستفيدين، رغم المطالب بإعادة النظر فيها.
وعجزت كل الحكومات عن الاقتراب من”ريع” منظومة الأجور بالمغرب، إذ تبدو خطا أحمر، ربما يقود فئات عديدة، إلى الاحتجاج أو توقيف العمل بالإدارات العمومية، إلا أن بعض النقابات تخرج، بين الفينة والأخرى، عن المألوف لتطالب بتصحيح المنظومة، إذ سبق للفريق الكونفدرالي بمجلس المستشارين أن نبه إلى اختلالات نظام الأجور بالمغرب، ودوره في خلق فئات مستفيدة من الريع، فالنظام يحدث “اختلالات عميقة داخل جسم الوظيفة العمومية، بسبب التفاوتات الصارخة بين الفئات، إذ تتباين الفروق بين الأجر الأدنى والأجر الأعلى إلى درجة تثير الاستغراب، في ظل غياب نظام حديث التقييم يمكن من تحديد الأهداف، ومستوى الانجاز”.
يصف المتتبعون منظومة الأجور ب”الكسولة والريعية والتواكلية وتنفلت من المحاسبة”، ودورها الخطير يجعلها تنقل العدوى إلى “المؤسسات والمقاولات وشركات الدولة”، إذ تحدث الفريق الكونفدرالي في أحد تدخلاته عن “أرخبيل واسع من المنظومات الأجرية، وفي كثير من الحالات لا نعثر على أي تشابه بين المنظومات، لكنها تتوحد على تبني التفاوتات الأجرية بين الأجر الأدنى والأجر الأعلى، إذ تصل بعض الأجور العليا إلى درجة السخرية من التعويضات”.
لا يقتصر ريع الوظيفة العمومية على منظومة الأجور، ف”الأشباح” بدورهم يهيمنون على الوظيفة العمومية، ويستولون على الجماعات الحضرية والقروية والمقاطعات ومجالس المدينة ومجالس العمالات والأقاليم والمجالس الجهوية، ويستحوذون، حسب بعض الدراسات، على أكثر من 20 في المائة من حجم النفقات المرصودة لموظفي هذه المؤسسات والمقدرة ب 11 مليار درهم تقريبا.
في الغالب الأشباح موظفون يملكون علاقات سياسية واجتماعية تجعلهم في منأى عن المساءلة، وأغلبهم من الأصدقاء والمقربين وزوجات موظفين كبار في إدارات عمومية أخرى، أو أقارب مسؤولين ووزراء وأمناء عامين لأحزاب ونقابات ورؤساء جماعات التحقوا، في ظروف غامضة، بأسلاك الوظيفة العمومية دون أن يؤدوا لها أي خدمة، حسب الدراسة نفسها.
وسبق وأن وجه خطاب ملكي داخل قبة البرلمان انتقادات “للموظفين” الذين يستفيدون من رواتب شهرية وتعويضات دون عمل، ما دفع وزارة الداخلية أكثر من مرة إلى التدخل، فتحرك ولاتها وعمال الجهات والأقاليم من أجل القضاء على الموظفين الأشباح في الجماعات المحلية وبعض الولايات والعمالات، وأسندت إليهم الإدارة المركزية بعض الاختصاصات، علما أن بعضهم يتلقون دعما مباشرا من بعض الرؤساء، ويتم التستر عليهم من قبل رؤساء مجالس لاعتبارات كثيرة، أبرزها المحسوبية الحزبية، كما أوقفت الخزينة أجور العشرات منهم.
يرى دعاة “التعاقد” في الوظيفة العمومية أن الأسلوب قادر على مواجهة الأشباح، في حين يرى آخرون أنه غير فعال، فالريع في الوظيفة العمومية يحتاج إلى عملية جراحية للقضاء عليه، بدل مسكنات.
خالد العطاوي
================================================== ===============================