جورج حلوعالم عربي يلامس بدايات الكون
مجدي سعد - بيروت: عندما تتناول كأس ماء في المرة المقبلة ،
توقف للحظة وتأمل ! فهذا الماء الذي سيدخل الى خلايا جسدك يتكون بجزء
منه من الهيدروجين الذي نشأ بعد الانفجار الكبير The Big Bang منذ أكثر
من 13 مليار سنة .
واذا كان العلماء قد جمعوا الاثباتات المختلفة على وجود الماء في الفضاء
الخارجي ، الا ان ما اعلن عنه مؤخرا عن وجود كميات هائلة من بخار الماء
في منطقة تعج بنجوم حديثة الولادة ، إنما يقدم دليلاً جديداً حول كيفية
حصول الكواكب على كميات كبيرة منه تكفي لتكوين المحيطات والبحار .
الاكتشاف الجديد تحقق بفضل تلسكوب" سبيتزر" الفضائي الذي يعمل
بالأشعة ما دون الحمراء . فقد تمكن "سبيتزر" من مراقبة النجوم الحديثة
الولادة على بعد حوالي 1000 سنة ضوئية من الارض(السنة الضوئية تساوي
حوالي عشرة الاف مليار كيلومتر) ، وقدر العلماء كمية بخار الماء الموجودة
في قرص الغبار والغاز المحيط بهذه النجوم بخمسة اضعاف الماء الموجود
على كوكب الارض .
وتلسكوب سبيتزرالفضائي يراقب الكون من مدار قريب من كوكب الارض ،
والمركز العلمي المسؤول عن هذا التلسكوب وعن ربط المراكز العلمية حول
العالم بالبيانات التي يتم الحصول عليها من سبيتزر ، هو مركز تحليل ومعالجة
البيانات المادون الحمراء IPAC في جامعة "كالتك" في كاليفورنيا التابع
لوكالة الفضاء والطيران الاميركية "ناسا-Nasa "، الذي يترأس إدارته عالم
عربي من لبنان وهو الدكتور جورج حلو من جزين في جنوب لبنان ، ومعه
كان لإيلاف هذا الحوار الشيق :
- ما هي المواضيع التي تمحورت حولها ابحاثك الاخيرة ؟
نقوم الان بدراسة التفاعل القائم داخل عناقيد المجرات ، بين المجرات والغازات
التي تحثل المساحات داخل العنقود وتأثير ذلك على الاشعاعات
الكونية Cosmic Rays . واستطعنا وللمرة الاولى مراقبة ارتداد هذه
الاشعاعات عن هذه المجرات .
كما قمنا بتأكيد وجود نوع جديد من المجرات لم يسمع به احد من قبل ،
وإستطعنا معرفة الحقبة الزمنية التي تكونت فيها النجوم الاولى لهذه
المجرات ( تقريبا في الثلث الاول من عمر الكون الذي يبلغ 13,7 مليار سنة ) .
والسؤال الان هو كيف تكونت هذه المجرات وما هي نسبة إنتشارها
في الكون .
لماذا تراقب وتدرس المجرات ؟
مراقبة المجرات مهمة لعملي ، فلكي تستطيع فهم الكون وتاريخه كما
هو عليه اليوم ، عليك ان تدرس نشوء النجوم عند نشوء الكون نفسه
(منذ 12-14 مليار سنة ) . فقد صنعت هذه النجوم العناصر الثقيلة
( الذرات التي يتألف منها عالمنا اليوم ) ثم نثرتها في الكون .
وهي لو لم تصنع المواد المختلفة وتنشرها في المجرات لكان الكون
اليوم يتألف من عنصرين فقط هما الهيدروجين والهيليوم ، ولما كان لدينا
الكاربون والنيتروجين والاوكسيجين والحديد ، اي لما كان لدينا اليوم
الذرات او العناصر التي تسمح بقيام الحياة .
- انت تدرس إذاً العمليات الفيزيائية والكيميائية التي أدت الى تكوين
الذرات والجزيئات التي يتألف منها عالمنا وكذلك اجسامنا ؟
بالتأكيد ، فأحد اهم اهداف الفيزياء الفلكية ما دون الحمراء هو دراسة
البدايات ،ومحاولة معرفة من اين جئنا وهل نحن وحدنا في الكون .
ولو نظرنا الى الظواهر الكونية في التلسكوبات التي تلتقط الضوء
المرئي لأمكن مشاهدة بعض هذه الظواهر ، التي ما زال معظمها
خفيا عن الانظار بسبب الغبار الكوني الذي يحجبها ، لذلك نلجأ الى استخدام
التلسكوبات التي تلتقط الاشعاعات مادون الحمراء التي تخترق
هذه الحجب .
- حسنا هل تستطيعون تحديد العناصر والمواد التي تتألف منها أقراص
الغاز والغبار المحيطة بالنجوم ؟
لقد امتلكنا القدرة على تحديد مكونات الاقراص منذ مهمة التلسكوب
أيزو- (1998_1995) وهو تلسكوب يعمل بالاشعة ما دون الحمراء
،كانت قد اطلقته وكالة الفضاء الاوروبية " إيسا " بالتعاون مع وكالة
الفضاء الاميركية " ناسا " .
وفي امكاننا عند مراقبة اقراص الغاز والغبار حول النجوم تحديد البصمة
الضوئية لكل مادة بإستخدام مقياس الطيف . فنحن نستطيع على سبيل
المثال مقارنة البصمة الضوئية لمادة معينة في مجرة ما بالبصمة ذاتها
للمادة نفسها اذا كانت موجودة في مذنب ما ، او حتى مقارنة هذه
البصمة التي تنتج عن المادة ذاتها هنا على الارض ( اذا اخدنا على سبيل
المثال الكاربون الموجود هنا على الارض ،فلو وجد هذا الكاربون في
مجرة بعيدة فإن البصمة الضوئية ستكون هي نفسها ) .
وهكذا عندما يخرج احدهم ويلتقط حجرا ارضياً عليه ان يفكر في ان
المعادن الموجودة في هذا الحجر يوجد ما يماثلها في اقراص الغاز
والغبار التي تدور حول نجوم بعيدة .
تم ان واحدة من الاشياء التي اعمل عليها هي مواد منتشرة بكثرة
على الارض وتدعى الهيدروكاربونات الارومية المتعددة الحلقات .
وكان العلماء يعتقدون بوجودها من الناحية النظرية في المجرات
الاخرى .
- قلت ان هذه المواد موجودة على الارض . هل تستطيع اعطاء
القارىء فكرة اكثر عنها ؟
اذا قمت بشي قطعة لحم ،فإن المواد السوداء التي تتكون على اطراف
اللحم المشوي هي الهيدروكاربونات الارومية المتعددة الحلقات.
وعندما نراقب المجرات الاخرى نجد ان هذه المواد موجودة بكثرة فيها .
وكنت قد قمت بدرسها قبل بضع سنوات، واصبحنا ندرك اليوم اهميتها
من الناحية الفيزيائية والكيميائية في نشوء النجوم داخل اقراص الغبار .
- لقد فتح تلسكوب سبيتزر نوافذ على الكون لم تكن متاحة من قبل لعلماء
الفلك . ما هي الفترة العملانية المتبقية من عمر هذا التلسكوب ؟
لقد كانت التقديرات الاولى تشير الى ان التلسكوب وبسبب صلاحية غاز
الهيليوم الذي يقوم بتبريده سيتوقف عن العمل في العام 2008 ، لكن
التقديرات الاخيرة التي قمنا بها وبسبب الاقتصاد في استخدام التلسكوب
سنتمكن من ابقائه في الخدمة حتى ربيع سنة 2009 وهي السنة
العالمية لعلم الفلك .
- ما هو عدد الكواكب المكتشفة خارج نظامنا الشمسي حتى الان ؟
لقد تجاوز العدد عتبة ال 250 كوكب وقد تم اثبات وجودها بطرق مختلفة .
لكن المساهمة الكبيرة التي قدمها تلسكوب سبيتزر هي تحديد المدة
الزمنية التي يستغرقها نشوء الكوكب وهي تتراوح بين 10 و100 مليون
سنة . وهذا يحدث بعد إكتمال نشوء النجم الذي تدور حوله هذه الكواكب .
- لقد تعددت وسائل اكتشاف الكواكب حول نجوم اخرى غير شمسنا ،
ما هو الجديد الذي اتى به تلسكوب سبيتزر في هذا المجال ؟
الطرق المختلفة لإكتشاف هذه الكواكب هي غير مباشرة اي انها
لا تحتاج الى رؤية الكوكب نفسه .
لكن تلسكوب سبيتزر إستطاع ان يراقب حوالي 11 كوكباً بطريقة
مباشرة . وهذا سمح لنا بتصنيف هذه الكواكب ، أي تحديد حجم
الكوكب وقياس الحرارة على سطحه .طبعاً نحن نتكلم عن كواكب
تقع على مسافات تصل الى عشرات السنوات الضوئية ( السنة الضوئية
تساوي حوالي عشرة الاف مليار كيلومتر ) .
- اود منك ان تتوقع المواضيع التي ستنال الاهمية في الوسط
العلمي الفلكي في العقود المقبلة ؟
اعتقد ان موضوع اكتشاف ودراسة الكواكب خارج نظامنا الشمسي
سينال اهمية كبيرة ، وسيتركز البحث على كواكب شبيهة بكوكب
الارض إن من حيث مدار هذه الكواكب حول نجومها الام ام من حيث
تشابه الظروف الطبيعية لهذه الكواكب مع كوكب الارض .
- متى ستخرج علينا نشرات الاخبار معلنة إكتشاف كوكب شبيه بالارض ؟
سيحدث هذا بين عشرة واربعين سنة من اليوم .
- اضافة الى موضوع الكواكب خارج نظامنا الشمسي ما هو الموضوع
الذي سينال من الباحثين إهتماما واسعا في العقود القليلة المقبلة ؟
الكون يتسارع في تمدده وتعتقد بعض الاوساط العلمية في الوقت
الحاضر ان الطاقة المظلمة المجهولة هي المسؤولة عن هذا التمدد .
ومع الوقت سيصبح بالامكان تحديد مقدار تسارع تمدد الكون بشكل
ادق ولست اكيداً إذا كان الاعتقاد بوجود طاقة مظلمة سيكون
موجوداً في المستقبل .
كما ان معرفة بدايات الكون ونشوء المجرات الاولى سينال قسطا
وفرا من الدرس وسنجد اجوبة كثيرة للاسئلة المطروحة اليوم .
لكن بإعتقادي ، ان الموضوع الاكثر إثارة سيكون إكتشاف امور
لم نكن قادرين على توقع وجودها
-******************************************-