نبيل حانة
عندما توشك العطلة الدراسية على الانتهاء، هناك أفكار برنامجية متاحة من شأنها أن تعلّم التلاميذ كيفية تغيير أفكارهم عن الوقت الممتع الذي قضوه في اللعب والملذّات إلى الشروع في استقبال المعلومات داخل الفصل. يعلم جلّ المدرّسين جيّدا أن هناك تحدّيًا حقيقيًا ينبغي إنجازه من أجل تحفيز التلاميذ على الشروع في الدراسة في الفترة الصباحية خلال أول يوم في الأسبوع، فما بالك بعد انقطاعهم عن الدراسة لفترة طويلة.
ولإيقاد مستويات الطاقة الدراسية لدى التلاميذ بعد عودتهم من العطلة الطويلة الأمد، سأقدّم هذه المقاربات بصفتي طبيبة أعصاب ومدرّسة سابقة. ما الذي يجلب الانتباه بالنسبة لدماغ التلاميذ؟
تبدأ عملية التعلّم على مستوى الدماغ البشري عن طريق تلك المعلومات التي تتلقّاها الحواس الخمس: البصر والسمع والشم والذوق واللمس.
هناك ملايين من الإشعارات الحسية العصبية التي يتلقّاها الدماغ من جميع أنحاء الجلد والعضلات والأعضاء الداخلية، إلاّ أن الدماغ قادر على معالجة حوالي ١% من هذه المعلومات مقدّما أولوية قصوى لبعض الأشياء المحدّدة. يتبيّن لنا من خلال الصور المقطعية الطبية للدماغ، أن المعلومات الحسية التي تحظى بالأولوية القصوى بالنسبة للدماغ، هي تلك التي تساعد الثدييات على البقاء على قيد الحياة، وهي المعلومات الحسية التي تؤخذ بسبب عاملي التغيير والجِدّة (كل ماهو متغير وجديد). خلال اليوم الأول من عودتهم إلى الفصل الدراسي، يعمد التلاميذ إلى سرد قصصهم الخاصة حول العطلة، فبعد مدّة انقطاع عن الدراسة، تتدفق نسبة عالية من المعلومات الحسية المعتادة، والتي تتنافس للوصول إلى دماغ التلاميذ الذين لم ير بعضهم بعضًا لفترة طويلة، وكذا بفعل تعزيز حس الحداثة والجِدّة لديهم بعد عودتهم إلى المدرسة بفعل فضولهم حول معرفة ما فعله زملاؤهم خلال فترة العطلة الدراسية.
إنّ الرجوع إلى روتين الحياة الدراسية بعد فترة انقطاع طويلة، يؤدّي إلى فقدان اهتمام التلاميذ بالدروس، وهو الشيء الذي من شأنه أن يفرز السلوك السيئ وعدم الانتباه داخل الفصل، ولكن إذا كان المدرّس ملمّا بأن دماغ الطفل مبرمج لأن يكون منجذبًا نحو تجارب جديدة، مثل معرفة ما كان الزملاء يقومون به خلال فترة العطلة، فقد يتمكن من استغلال ذلك لأهداف تربوية مهمة. إنّ التلاميذ يريدون الإفصاح عن الأنشطة التي قاموا بها خلال العطلة، لذلك يجب تركهم يقومون بذلك، بشرط جعلهم يتحدّثون عن شيء قاموا بفعله من أجل الآخرين، أو أنشطة تتعلق بأعمال خيرية رأوها أو سمعوا عنها خلال عطلتهم.
جلب انتباه التلميذ ارتكازًا على إثارة فضوله
من الضروري أن يتذكّر التلاميذ المعلومات التي يلقّنها لهم المدرّس، ولحدوث ذلك، يمكن استخدام بعض الاستراتيجيات للتأكد من أنهم يتلقّون المعلومات الحسية التي قدّمت لهم بانتباه عميق (ما يقوم بها المدرس أو يقوله أو تلك التي تم اختبارها من طرفهم بشكل مادّي). عندما يحصل التلاميذ على فرصة لإشباع فضولهم حول أنشطة زملائهم، يمكن للأستاذ أن يزيح انتباههم نحو الدّرس، وذلك من خلال البدء في الخوض في المداخلات الحسية، التي تعد الأكثر احتمالية لجذب انتباههم العميق.
إننا نعلم، ارتكازًا على بحوث التصوير العصبي، نوعية الجِدّة والتغيير التي تحصل على أكبر نسبة جذب لانتباه العقل، وهي تلك التي تتعلّق بالحركة والأشياء المثيرة للفضول والصور ومقاطع الفيديو أو الزيارات المدرسية المفاجئة التي يقوم بها الضيوف أو المتحدّثون غير المتوقّعين، وكذا التغيّرات في الألوان أو في الأنشطة التي يقوم بها المدرّس بشكل غير اعتيادي.
لحصول ذلك، هل يتوجّب على المدرّس أن يرتدي شيئًا غير اعتياديّ؟ هل يمكنه تشغيل موسيقى معينة عندما يهم الأطفال بدخول حجرة الدرس؟ أو إدراج مقطع فيديو دينامكي أو صورة مثيرة للفضول أو وهمًا بصريًّا؟ هذه بعض الاقترحات: مايقوله المدرّس (أو مالا يقوله المدرّس): يستطيع صمت مفاجئ في وسط الجملة إثارة فضول الانتباه الحسي لدى التلاميذ، لكونهم سيريدون معرفة المزيد عن الأمر، فالتوقف المثير في الكلام قبل قول شيء مهم أثناء مخاطبة التلاميذ، يزيد من حدّة يقظتهم وتذكّرهم لما كنت ستقوله أو ستقوم به. تغيير ترتيب طاولات الفصل، أو وضع صورة لتلاميذ الموسم الماضي على جدار الفصل أو القيام بنشاط معيّن والذي من شأنه أن يوحّد تلاميذ الفصل، كإضاءة شمعة، ووضع ملصق مثير يتعلّق بوحدة الفصل بخلف الملصق القديم، فعندما يسير الأستاذ بقربه يعمد إلى إسقاطه «عن غير قصد» حيث سيختفي الملصق القديم ليظهر بدله الملصق الجديد بطريقة مفاجئة ممّا سيثير انتباه الجميع.
(الحركة): من المعلوم أن الحركة تثير الانتباه بشكل عال وبأولوية قصوى، ولذلك يمكن للمدرّس أن يتحرّك بطريقة غير متوقّعة مثل القيام بما يفعله عادة (توزيع الأوراق أو نشر المعلومات على الجدران) بينما يمشي إلى الوراء. قد يؤدّي ذلك إلى الخوض في الحديث عن الأعداد السالبة أو الشحنات الكهربائية السالبة أو العودة إلى التاريخ أو أفعال زمن الماضي.تقنيات التناوب أو التعاقب، (جعل الأشياء غير المتوقعة تصبح أشياء متوقعة).
استقبال التلاميذ عند دخولهم باب الفصل بإحدى الأحجيات المثيرة أو عبر إمدادهم ببطاقات ملاحظة تحتوي على كلمة معجمية، ممّا سيمكنهم من البحث عن أماكن مقاعدهم الجديدة من خلال التفتيش عن المقعد الذّي تدل عليه الأحجية أو الذي تحيل عليه الكلمة المعجمية التي توجد بالبطاقة التي حصلوا عليها وهكذا.
إن المدرّسين الحقيقيين هم أولئك الذين يستطيعون الاستجابة لاحتياجات وأمزجة تلاميذهم بشكل كبير، فالتسلح بالقليل من المعرفة حول علم الأعصاب سيمكن المدرّس من أن يكون مستعدًا للتعامل مع تلاميذه في الأوقات التي يكون فيها من الصعب إثارة انتباههم، وهنا أستحضر ماقرأته في إحدى الملصقات حيث كتب «إن العقل المتمدّد لن يعود إلى حجمه الأصليّ أبدًا». إن استخدام الاستراتيجيات من أجل الاستحواذ على انتباه التلاميذ سيَعْلق مباشرة ببرنامجية أدمغتهم وسيحفّز فضولهم وسيحافظ على استمرارية تركيزهم ويقظتهم بشكل كاف لتحويل المعلومات المتاحة إلى معرفة حقيقة.