نظرة عابرة في نسب النجاح في امتحان الباكلوريا بالنيابات التابعة لأكاديمية الجهة الشرقية
محمد شركي
وجدة البوابة : 27 - 06 - 2012
لم يطرأ جديد على نسب النجاح في امتحان الباكلوريا لهذا الموسم باستثناء نزول أو صعود طفيف بالنسبة لمعظم نيابات أكاديمية الجهة الشرقية باستثناء نيابة الناظور المعروفة بارتفاع نسبها كل موسم دراسي لأسباب لم تعد خافية على أحد . ففي الوقت الذي انحصرت نسب النجاح في كل من نيابة وجدة أنكاد، وجرادة، وفجيج، وبركان فيما بين 40٪ و50٪ ، تخطت نيابة تاوريرت نسبة 50٪ بقليل، بينما فاقت نسبة نيابة الناظور 60٪ ، وأوشكت نسبة نيابة الدريوش أن تقاربعلى هذا الرقم . والنظرة الأولى في هذه النسب تكشف عن تقاربها بالنسبة لأربع نيابات، بل يمكن أن نضيف نيابة تاوريرت للنيابات الأربع إلا أن نسبة نيابة الناظور والدريوش تطرح السؤال المألوف سنويا بسبب ما يروج من أعمال الغش الموصوف لدى البعض بأنه فاضح ومنتشر على نطاق واسع حسب الروايات الواردة من هناك .
وأنا اليوم أكرر ما سبق أن قلته مرارا وتكرارا ، وهو إذا كانت هذه النسب صحيحة ونزيهة فهنيئا لأبنائنا في نيابة الناظور والدريوش ، أما إذا كانت نسبا مغشوشة فالحسرة كل الحسرة على مصير أبنائنا في النيابتين، لأن الذين تطوع لهم أنفسهم السماح بالغش بدافع النعرات الطائفية أو العصبية إنما يخربون بيوتهم بأيدهم ، ويكذبون على أبنائنا الأبرياء من خلال خداعهم، وتوجيههم إلى المعاهد العليا بمستويات غير حقيقية سرعان ما تنكشف حقيقتها . وإذا كانت نسب النتائج في نيابة الناظور بسبب ترك الحبل على الغارب كما يقال فأتحدى من يدعي صحتها أن يختار المراقبين والملاحظين من خارجها لبرهن على أنها بالفعل نتائج جد واجتهاد وليست نتائج غش وتدليس .
فنسب النجاح المتقاربة بين معظم نيابات أكاديمية الجهة الشرقية تجعل نسبة نيابتي الناظور والدريوش في حالة شرود واضح لا يسع الحكام إلا رفع رايتهم بسببه . فالمعلوم أن المستويات العقلية للمتعلمين واحدة ، والمنهاج الدراسي واحد ، وظروف الدراسة واحدة ، لهذا لا يوجد ما يبرر زيادة نسبة النجاح في نيابتي الناظور والدريوش على غيرها سوى الفرق في ظروف المراقبة والملاحظة . وخلال هذا الموسم راجت أخبار في لجان التصحيح عن عشرات الأوراق في بعض المواد التي ينطبق عليها حكم أوراق الفيسبوك ، لأنها عبارة عن نسخ مستنسخة بما في ذلك الأخطاء. ولما سمعت الخبر أقسمت على بياض كما يوقع على بياض بأنها أوراق نيابة الناظور، لأنني اشتغلت بالتعليم الأصيل بمدينة وجدة لعقود ، وكنت أصحح سنويا أوراق مادة اللغة العربية فأصادف نفس الأجوبة ونفس الأخطاء ، والغريب أنه حتى جواب المقال في الأدب والمؤلفات يتكرر بالحرف والفاصلة والنقطة كما يقال .
وكنت دائما أقدم بين يدي تصحيحي بتقرير عن هذه الظاهرة الشاذة والغريبة ،إلا أنني كنت دائما أجد نفس الجواب من المسؤولين بأنه لم تصلهم تقارير تفيد الغش ، وكنت أسخر من هذا الجواب لأن الذين كان ينتظر منهم الكشف عن الغش ربما كانوا أنفسهم طرفا فيه بدافع العصبية التي عفا عنها الزمن وصارت من الماضي المنسي ،لأن المغرب الحديث هو مغرب كل المغاربة بغض الطرف عن انتمائهم القبلي ، ولا تفاضل بين المغاربة إلا بقدر ما يقدمون لوطنهم بنكران ذات وإخلاص .
ولا أريد أن أخوض فيما يدخل في إطار ما يمكن اعتباره إشاعات تتعلق برشاوى مزعومة في بعض مؤسسات نيابة الناظور من أجل خلق أجواء التسيب المشجع على الغش ، لأن هذا الأمر يحتاج إلى معاينة ميدانية وأدلة ثابتة . و بقي أن أنظر نظرة أخرى لنسب النجاح عموما في النيابات الخمس المتقاربة في نسبها وهذه المرة أنظر في نسبة الاستدراك والرسوب وهي نسبة تفوق 50٪ الشيء الذي يعني أن نصف المترشحين كانوا دون مستوى الباكلوريا وهو ما يدعو إلى دراسة جادة لمعرفة السبب .
فهل الأمر يتعلق بكسل التلاميذ أم بعزوفهم عن الدراسة ، أم بخلل في البرامج والمناهج ، أم بتقصير من الذين ينزلون هذه البرامج والمناهح ، أم بخلل في عمليات التقويم والتصحيح وطرقهما ، أم يعود الأمر إلى أسباب أخرى تحتاج إلى كشف ؟؟؟ . فما عاينته بالنسبة للمترشحين الأحرار وقد رأست بعض لجانهم في المداولات أنهم يتسببون في هدر معتبر للوقت وللإمكانات والمصاريف دون طائل أو نتيجة تذكر، فمعظمهم لا يحقق نجاحا ، بل كثير منهم يجتاز مواد اليوم الأول ثم يعمد إلى قطاع الصحة من أجل تبرير غيابه بشواهد طبية مطعون في مصداقيتها ،فلا يعقل أن يمرض في اليوم الأول من الامتحان 100 مترشح من بين 140 في إحدى المؤسسات كما أخبرت من مصادر مقربة وموثقة .
ومما أثار انتباهي أن مادة الفلسفة لا زال أصحابها مع كامل احترامي وتقديري لهم يعيشون على تسويق فكرة صعوبة هذه المادة ، وبعضهم ربما شعر بالنشوة وهو يتحدث بفخر عن صعوبة هذه المادة ، علما بأنها كغيرها من المواد الدراسية مضبوطة بضوابط منهجية وديداكتيكية . وآمل أن تكون طرق تقويم هذه المادة في امتحان الباكلوريا موضوع اهتمام المسؤولين نظرا لكون نقط تقويمها هي الأكثر تدنيا بالمقارنة مع مختلف المواد . كما آمل أن يراجع مدرسو مادة الفلسفة أنفسهم طرق تدريسهم وتقويمهم لمادتهم التي من المفروض فيها أن يقبل عليها المتعلمون بنهم نظرا لطبيعتها وطبيعة موادها الشيقة .
وآمل أن تراجع طرق تقويمها خصوصا بالنسبة للشعب العلمية حيث تكون مصدر قلق وتهديد للمتعلمين المتميزين في المواد العلمية ، والحاصلين على نقط عالية فيها ، بينما تكون نقطهم في مادة الفلسفة هزيلة وأكثر من ذلك تتسبب في إضعاف معدلاتهم العامة بحيث تخصم نقطة الفلسفة من نقط المواد العلمية ، في حين تساهم نقط مواد أدبية أخرى في إغناء معدلات التلاميذ العلميين .
وأخيرا وبكل تجرد وموضوعية وبدافع الغيرة الوطنية على قطاع التربية، وبدافع واجب النصح أقول لا زالت نتائجنا دون طموحات المغرب الجديد بالرغم من صبيب الأموال التي رصدت لمشروع إصلاح الرباعية المعروف بالمخطط الاستعجالي حيث لا زالت نسب النجاح كما كانت قبل هذا المخطط الذي رفع شعار الجودة ولم يحقق منها شيئا يذكر إذ ليس من الجودة في شيء أن تفوق نسبة الاستدراك والرسوب نسبة النجاح في معظم نيابات أكاديمية الجهة الشرقية ، و ربما في كل الأكاديميات .