تعتمد أغلب الدول المتقدمة في تطورها و إزدهارها العمراني والتكنولوجي والحضري على التربية والتعليم،حيث يمكن قياس مدى تطور وتحضر البلد عن طريق معاينة نظام التربية والتعليم المطبق فيها من حيث نوع المناهج التي تدرس في المدارس والجامعات ، لذلك تقوم الدول المتقدمة بتخصيص الميزانيات الكبيرة للتعليم ومحاولة تحصينه من كل ما يضعفه ويهدد كيانه وخاصة مرض الفساد الذي إجتاح أغلب دول العالم ولم تسلم منه حتى المؤسسات التعليمية والتربوية التي يقع على عاتقها إنشاء وتربية الأجيال.
فالغش الدراسي قبل عقود كان يسري ببطء شديد وحالاته منفردة وقليلة اما الان فقد اصبح حالة عامة تصيب بالذعر من مستقبل التربية والتعليم. إن توصيف هذه الآفة الاجتماعية بالظاهرة، يعني أن قاعدة الممارسين لها اتسعت إلى أن كسرت كل الاستثناءات في ظل نظام تربوي يعتمد على أداة وحيدة لتقويم التلاميذ، حيث يجعل من الامتحان محطة عزة أو مهانة، وغاية عوض أن يكون وسيلة، وبالتالي تصبح المخاطرة والمغامرة كيفما كان الثمن، هي السبيل الذي يمكن أن يؤدي إلى النجاح، فمن هي الجهات المسؤولة عن الغش؟
1- يجمع العديد من التلاميذ على أن الأسباب المباشرة للغش بالنسبة لهم، مرتبطة أساسا بطبيعة المقررات الدراسية التي تعتمد على الكم عوض الكيف، الشيء الذي يربك حساباتهم ويجعلهم يقبلون بتشجيع بعضهم البعض على الغش، وهذا مرتبط ببيداغوجية الإملاء المتداولة حاليا في مؤسساتنا التعليمية والتي يكون فيها الدارس والمدرس في سباق مع الزمن من أجل إتمام المقررات، وأصبحت بذلك علاقة الأساتذة بالتلاميذ مختصرة في السرد والشروحات السريعة للدروس عوض مناقشتها وتحليلها.
2- من المؤسف أن يتحول حملة مشاعل التنوير وصانعي قادة المستقبل إلى خونة للأمانة التي أؤتمنوا عليها في تربية وتعليم جيل الحاضر فالمعلمون والمعلمات ومديرو ومديرات المدارس والمكلفون بالمراقبة على أداء الامتحانات وكل من لهم علاقة بالعملية الامتحانية مسؤولون مسؤولية مباشرة على تلك الجريمة التي ترتكب في حق الوطن داخل قاعات الامتحانات والمتمثلة بالغش.. أقول جريمة لأنها كذلك فالطالب الذي ينجح بالغش يحصد أعلى النقط وهو لم يبذل أي جهد في الدراسة والمذاكرة والسهروالمثابرة ولا يفهم من الإجابة التي نقلها إلى دفتر الإجابة أي شيءلا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون نافعاً للوطن، ومعنى ذلك أن الذين يسمحون بالغش ويساعدون عليه إنما يقدمون للوطن بضاعة فاسدة غير نافعة لا يستفاد منها.. والازدهار ليس بحاجة إلى حملة شهادات مزيفة ينظمون إلى طابور البطالة.. فماذا عسىأن يقدم طالب نجح بالغش لنفسه أولاً ولمجتمعه ووطنه ثانياً.
3- انعدام مبدأ تكافؤ الفرص بسب انتشار مافيا الدروس الخصوصية مدفوعة الأجر وما يرافق ذلك من استنزاف لجيوب الآباء خصوصا ذوي الدخل المحدود.
4- طغيان سلوك اللامبالاة وسيادة النظرة التشاؤمية إلى النظام التعليمي.
5- انتشار محلات النسخ والاستنساخ...التي تعتبر شريك رئيسي في انتاج ما يسمى بالحروزة و الحجابات...
6-تقصير الاباء في دورهم الرقابي على أبناءهم...
يجب على كل طرف تحمل مسؤوليته لكي لا نصحوا بعد سنين ولا نجد غير اطباء بلا طب ومهندسين بلا هندسة ومعلمين ومدرسين ومحامين لا يفقهون مما درسوا شيئا. انها الامية العلمية الجديدة بغطاء حديث.
والسؤال هو ما العمل؟ وما السبيل إلى قطع دابر هذا الاخطبوط؟ وما هي الإجراءات الزجرية والاحترازية ، والترتيبات الواجب القيام بها حتى تمر الامتحانات في أجواء سليمة تستجيب للصفات المعرفية والبيداغوجية الضامنة لمصداقيتها ولمبادئ الاستحقاق وتكافؤ القرص؟