عودة قوية للهاجس المالي في تدبير المنظومة التربوية.
تازة اليوم وغدا
تازة اليوم وغدا : 28 - 02 - 2012
عودة قوية للهاجس المالي في تدبير المنظومة التربوية.
عبد القهار الحجاري
اتخذ وزير التربية الوطنية في الآونة الأخيرة سلسة من الإجراءات التقشفية عبر إلغاء العديد من الإجراءات والبرامج والمشاريع التربوية، التي تشكل في نظره عبئا ماليا ثقيلا لا يمكن تحمله والاستجابة للمتطلبات الناتجة عن التنفيذ.
وإذا كان الوزير محقا في البحث عن الاختلالات الناجمة عن سوء التدبير المالي وضعف الترشيد العقلاني للإمكانات المتاحة، فإن ذلك لا يعفيه من تحمل المسؤولية كاملة للدفع بمسيرة الإصلاح إلى أبعد مداها وتقريب الأهداف الإستراتيجية المتمثلة في إنجاز نقلة نوعية في مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتأهيل العنصر البشري لولوج مجتمع الإعلام والمعرفة، ومواكبة التطورات السريعة التي يعرفها الحقل العلمي على الصعيد العالمي.
مناسبة هذا الكلام ما أقدم عليه الوزير من قرار خطير ألغى بموجبه التجربة الفتية للثانويات المرجعية ومؤسسات التميز، والتي تم إحداثها بمقتضى قرار وزاري مطابق لروح ومحتوى الميثاق الوطني للتربية والتكوين، واستئناسا بالتجارب الدولية التي أفردت لقطاع التربية أرصدة مالية بالغة الأهمية لتحقيق الجودة وتشكيل النخب العلمية القادرة على إحداث ثورة تكنولوجية وعلمية ما أحوجنا إليها في ظل هيمنة التكنولوجيا الحديثة والعلوم الدقيقة، التي أصبح مالكها قادرا على التحكم في الاقتصاد والاجتماع وضمان موقع مستقر وريادي داخل المنظومة الدولية.
والحال أن منظومتنا التعليمية تشكو من اختلالات بنيوية عميقة، لعل أبرز عنوانها ضعف المستوى الثقافي والتعليمي والتأخر الحاصل في مواكبة تحديات العصر وغياب الاستجابة لمتطلبات التنمية والتحديث. فهل من شأن التخفيف من ميزانية المصاريف الاطمئنان عن الحالة الصحية لنظامنا التعليمي؟ وهل إلغاء مثل هذه المؤسسات هو الخيار الوحيد للتحكم في الاختلالات المالية، علما أن الوزارة لم تصرف لحد الساعة ما يفيد بعجز الدولة عن تغطية مثل هذه المصاريف؟
إن المعركة الحقيقة الآن هي تحقيق الجودة، وسبيلنا إلى ذلك لن يتأتى إلا بخلق بنيات الاستقبال والتأطير والتوجيه، وتوفير الشروط الكفيلة بإطلاق دينامية السباق نحو التفوق والتميز، وتشجيع كل الطاقات التي يزخر بها المغرب بكافة جهاته وفي أحضان جميع فئاته، لتشكيل نخب علمية تمتلك ناصية العلم وتتشبع بروح المواطنة الإيجابية، للانخراط الكلي في إنجاز المهام التاريخية المتمثلة في تحديث دواليب الدولة ومؤسسات المجتمع، والانتقال به إلى مصاف المجتمعات الديمقراطية العصرية المرتكزة على قيم مجتمع الإعلام والمعرفة.
إن قرار الإلغاء هذا لا يرتكز على مبررات موضوعية، خصوصا وأن أغلب هذه الثانويات المستهدفة توجد بمدن وجهات مهمشة، هي في أمس الحاجة إلى البنيات الثقافية والعلمية، وتعيش في وضع لا يستجيب لمبدإ تكافئ الفرص الذي تشير إليه المراسلة الوزارية دون إدراك حقيقي لمضمون وروح هذا المبدإ. كما أن القرار لا مبرر له في ظرف يستعد فيه المغرب لإعادة بناء جهاته وتشكيل نخبه المحلية والجهوية وضمان استقلاليتها عن المركز، وتحقيق المساواة الاجتماعية، والتخفيف من الفوارق العمودية و الأفقية .
فهل مبدأ تكافئ الفرص يعني في نظر الوزارة إدامة هيمنة أبناء الأعيان وذوي الامتيازات الكبرى وحرمان باقي الفئات الاجتماعية من ولوج المؤسسات التعليمية العمومية والخصوصية ذات الجودة العالية والخاضعة للمواصفات العصرية؟ . أليس من التعادلية فتح بعض الآفاق المضيئة لأبناء كلميم وتازة وما شابههما ، أم أن حظهما وافر في العصا الغليظة والآذان المنغلقة؟
إن تقدم البلاد لا يمكن أن يتم إلا بتعبئة كل طاقاتها وتشجيع جميع أبنائها وبناتها، واستنهاض همم الجميع، واعتماد مقاربة المساواة و الإنصاف، وسن سياسة التمييز الإيجابي، ومحاربة الانكسارات الاجتماعية، بعقلية وطنية منفتحة ومتبصرة وذات عمق استراتيجي يستحضر انتظارات المجتمع وطموحات أبناء الأمة، كل أبناء الأمة .