ملف الأطر العليا المعطلة: تنوير للرأي العام
كثر الحديث في الآونة الأخيرة، في وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة والمسموعة، عن ملف الأطر العليا المعطلة. والسبب هو إقدام هذه الفئة على تصعيد أشكالها النضالية، وذلك تزامنا مع تنصيب الحكومة والتصريح بالبرنامج الحكومي من جهة، وإقدام الإطارين محمود الهواس وعبد الوهاب زيدون على إضرام النار في أجسادهما من جهة ثانية، أو قل للدقة إرغامهما على فعل ذلك، لأنهما لم يحرقا أنفسهما بمحض إرادتهما بل، والمقام هنا لا يسمح بالتفصيل في هذا الحدث الأليم الذي ندعو من جهتنا إلى فتح تحقيق فيه لمعرفة ملابسات وحيثيات الإحراق الحقيقية.
غير أن اللافت للانتباه في كل ما تداولته وسائل الإعلام هو ما ورد في افتتاحية مدير نشر جريدة أخبار اليوم المغربية السيد توفيق بوعشرين التي صدر بها عدد السبت والأحد 21و22 يناير2012 الأسبوع الماضي. ففي هذه الافتتاحية، تتطرق إلى أشياء كثيرة بناها عن حوار أجرته نفس الجريد في عددها الصادر يوم الخميس 19 يناير 2012 مع منسق تنسيقية المرسوم الوزاري الصديق عبد الصمد البرنوصي، باعتبارها طرفا من أطراف التنسيق الميداني الذي يضم تنسيقية الكفاح ومجموعة طريق النصر. وهذا التنظيم الذي يضم 1511 إطارا أغلبهم من خريجي 2011 يوجد ويناضل في الشارع منذ شهر يوليوز الماضي. وبالتالي، فهؤلاء يشملهم المرسوم الوزاري 100.11.02 الذي ينص على إدماج الأطر العليا بشكل مباشر في أسلاك الوظيفة العمومية إلى 31 دجنبر 2011؛ وهو المرسوم الذي لم يفعل بعد، وما زلنا نطالب بأجرأته، وسنظل وبأثر رجعي إذا لم يؤجرأ.
هذا هو المدخل لمناقشة بعض ما ورد في افتتاحية الأستاذ بوعشرين، وفي جريدته التي نعتبرها صراحة أكثر الجرائد الوطنية تفاعلا مع ملف الأطر العليا بشكل خاص، وقضية العطالة بشكل عام. لقد ذهب إلى أن الإدارات العمومية لم يعد بإمكانها توظيف العدد الهائل من المعطلين، وأن القطاع الخاص قطاع مثمر وإلا لما وجدنا أكثر من 90 بالمائة من المغاربة يشتغلون/يستثمرون، وأن الدولة تمر بأزمة أو ضائقة مالية … وأعتبر كل هذه الأشياء حقيقة قد لا تروق المعطلين الذين يروقهم كلام بعض الأحزاب السياسية التي تتدعي أنها ستشغلهم.
أولا نحن نرفض جملة وتفصيلا القطاع الخاص، ليس لأنه غير مهيكل فقط، بل بالطريقة الذي تريدها حتى الحكومة الجديدة التي تقول إنها ستمنح منحا للتكوين أو ما شابه ذلك، وهذا ليس موقف عنتري، بقدر ما هو فهم حقيقي لسياسة تروم ضرب التحصيل العلمي الذي أفنينا فيه زهرة العمر في العمق. فالمقاولات الصغرى هذه مشاريع فاشلة، ولا يمكن للمتخصصين في الأدب العربي والتاريخ والجغرافيا والدراسات الإسلامية والبيولوجيا والفيزياء… كما قال بوعشرين نفسه أن يشتغلوا فيها، لأن هؤلاء أكفاء في تخصصاتهم. ولنفترض أن الدولة لا تتوفر على مناصب لمثل هؤلاء لأنهم لا يمتلكون الكفاءة في مجال التقنيات والتكنولوجيا. فهذه ما هي إلا نتيجة طبيعية لسياسات تعليمية فاشلة دأبت الدولة في تجريبها في الجامعات وألبستها ما سمته بالإصلاحات من قبيل الميثاق الوطني للتربية والتكوين وسليله المخطط الاستعجالي، وكثيرا ما كنا نندد بهذه السياسات التعليمية في الجامعة. إذا كانت هذه الحكومة تريد حقا وضع حد للبطالة، فيجب أن تكون لها إرادة سياسة حقيقية لإصلاح منظومه التعليم لا أن تفكر في حلول ترقيعية، لا تعدو أن تكون في كنهها إلا ضربا حقيقيا لكرامتنا ومجهوداتنا التي بذلناها من أجل تكوين ذواتنا معرفيا. وإذا كان ما درسناه لا يلائم سوق الشغل، فلماذا كنا نضيع فيه الوقت ومنح الدولة التي تبقى المسؤولة على هذا الاستهتار.
هذا على سبيل الافتراض فقط، أما الحقيقة التي نؤمن بها هي أن قطاع التعليم فقط يعرف خصاصا مهولا، ولطالما قرأنا هذه السنة بالضبط في جريد أخبار اليوم وفي غيرها من الجرائد الوطنية أن عدد التلاميذ في بعض الجهات، إن لم نقل في كلها، يصل إلى 70 تلميذ في القسم. أهذا هو المخطط الاستعجالي؟ أين نحن من 24 تلميذ في القسم لنطبق بيداغوجيا الإدماج والكفايات والبيداغوجيا الفارقة وغيرها من المفاهيم النظرية التي جاءت بها الإصلاحات المذكورة، التي لا تؤجرأ، نظرا لغياب الإمكانيات(الأقسام، الأساتذة…)؟ . أما إذا تحدثنا عن قطاع الصحة، فهذا شأن آخر والمغاربة يعرفون هذا الأمر جيدا.
هكذا يبدو، إذن، أن المبررات السابقة التي تقدم كذريعة بخصوص الوظيفة العمومية هي مبررات واهية في كثير من الأحيان. فالسنة الماضية قبل ثورة الياسمين بأسابيع قليلة، كانت الحكومة المغربية التي يترأسها عباس الفاسي آنذاك، تنوي القطع مع هذه التوظيفات المباشرة، وبدأت تتحدث بجد عن المبارة، مقدمة نفس المبررات السالفة الذكر( الأزمة المالية، الإدارات العمومية لا يمكن أن تستوعب كل هذه الأفواج من العاطلين….). غير أن أسبوعا أو أسبوعين بعد ذلك لما قامت الثورة التونسية، عمدت حكومة عباس الفاسي إلى توظيف 4403 من الأطر العليا علما أن الذين كانوا يناضلون في الشارع لا يتجاوز عددهم 2000، والباقي من الشبيبات الحزبية وذوي النفوذ… وأغلب هؤلاء من الأصدقاء الذين نعرفهم التحقوا بقطاع التعليم، وأخبرونا أن هذا القطاع يعاني الويلات والويلات الحقيقة.
وعلى ذكر المباراة، نحن نرفض المباراة كما نرفض القطاع الخاص لسبب واضح هو أن الحصول على الوظيفة العمومية في الدولة المغربية وبسلم 11 الذي يناسب شواهدنا يشبه، في نظرنا، إدخال الفيل من ثقب الإبرة. هذه حقيقة لا مراء فيها، فكيف يعقل أن تخصص ثمانية مناصب في المباريات التي أجريت مؤخرا في بعض العمالات لحوالي 8000 آلاف مرشحة ومرشحة؟ أليس هذا هو الضحك على الذقون؟ وحسنا فعل أحد أعضاء اللجنة عندما قال لأحد المرشحين بصراحة إن هؤلاء الثمانية الذين سينجحون في هذه المباراة أصبحوا نائمين في منازلهم.
في الأخير نشير إلى أن الأطر العليا الحاصلة على الماستر في سنة 2011 لا يتجاوز عددها 2000 إطار(هذا الرقم تقريبي لأننا لا نعرف العدد الحقيقي للمجموعات الأخرى خارج التنسيق الميداني). وهؤلاء جميعا يشملهم المرسوم الوزاري المشار إليه أعلاه، ويمكن لقطاع التعليم وحده أن يستوعب هذا العدد لسد خصاصه المهول، كما أننا نؤمن إيمانا صريحا أن ما قرأناه ودرسناه في الجامعة لا يستحق إلا أن يدرس. لذا يبقى هذا القطاع هو الأنسب بالنسبة إلينا. وبهذا نؤكد مرة أخرى أننا لن نتنازل عن حقنا العادل والمشروع ألا وهو الإدماج الشامل والفوري في أسلاك الوظيفة العمومية حسب ما ينص عليه المرسوم الوزاري.
(*) عضو لجنة إعلام مجموعة الشرارة
للأطر العليا